دولي

عقدة غزة وسجال الردع المكسور

القلم الفلسطيني

يُستشف من تقديرات محللين سياسيين وعسكريين إسرائيليين وتعليقاتهم، عدم رضاهم عن أداء جيش الاحتلال في المواجهة التي حدثت في قطاع غزة الأسبوع الماضي، وتحذيرهم مما سموها "التداعيات الاستراتيجية" في توصيفهم لها بأنها "بالغة السوء"، والتي يمكن أن تنجم عن كسر المقاومة الفلسطينية المسلحة عبر غرفة عملياتها المشتركة توازن الرعب والردع الذي أحدثته المواجهات السابقة، وأبدوا خشيتهم من أن تصل صواريخ المقاومة إلى العمق الإسرائيلي، لتشمل التجمعات السكانية والمراكز الصناعية. وليس أدل على ذلك ما جرى في المواجهة أخيرا، حيث جرى وصف وضع إسرائيل الأمني بأنه أسوأ مما كان عليه منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. 

وعلى عكس ما أراد الإسرائيليون للعملية الاستخباراتية الفاشلة في خان يونس، وبعدها تصعيد الهجمات الجوية والمدفعية ضد أهدافٍ عسكريةٍ ومدنيةٍ في قطاع غزة، لتحقيق نوعٍ من كسر المعادلات القائمة على الإبقاء على تفوّق الردع الإسرائيلي، إلا أن النتائج التي حصدوها كانت من نوع خلخلة توازن الردع مع قوى المقاومة الفلسطينية لصالح الأخيرة، بدلا مما سعت إليه القيادة العسكرية، ومن خلفها القيادة السياسية الإسرائيلية، التي شهدت أياما عصيبة، في أعقاب استقالة وزير الجيش، أفيغدور ليبرمان، ومطالبة وزير التعليم بتعيينه وزيرا بديلا، في محاولةٍ منه لاستعادة هيبة الردع المكسور، وما آلت إليه سلسلة التخبطات والتوترات التي شهدتها المؤسسة السياسية، وهي تحاول أن تنجو من عقدة غزة الطازجة، بالهروب من تبكير موعد الانتخابات، وما يمكن أن تجرّه من تعقيدات خسارة قوى اليمين المتطرّف الذي يهيمن على الائتلاف الحكومي، الأمر الذي شبّهه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بما حدث عندما أسقطت جهات داخل الائتلاف حكومتي الليكود عامي 1992 و1999، حين وقعت ما أسماها مأساة أوسلو (1993) ومأساة الانتفاضة (الثانية 2000)، "ولذلك يجب اتخاذ جميع الإجراءات لتلافي تكرار هذه الأخطاء". 

وبحسب تقارير أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن السيناريو المفضل لنتنياهو هو استمرار الحكومة بأي  شكل، وجرّ المسائل الخلافية، من دون التصادم مع شركائه في الائتلاف، حتى  مايو/أيار المقبل، الموعد الذي يفضله نتنياهو لخوض الانتخابات، للاستفادة الإعلامية القصوى من خطاباته في "المناسبات الرسمية" (ما يسمى يوم استقلال إسرائيل، وتنظيم مسابقة اليوروفيجين وذكرى المحرقة). وطالب نتنياهو مكوّنات الائتلاف الحكومي بـ"بذل كل جهدٍ ممكنٍ للحفاظ على الحكومة اليمينية، وعدم تكرار الخطأ التاريخي الذي ارتُكب عام 1992، عندما أطيحت الحكومة اليمينية يومها"، مبرّرا ذلك بقوله "إن الانسحاب من حكومة يمينية على خلفية أمنية حساسة يعتبر تهرّبًا من المسؤولية"، مضيفًا أنه في ظل الأوضاع الأمنية الحسّاسة، "لا مكان للمكاسب السياسية والاعتبارات الشخصية". 

وفي شهادةٍ لا تخلو من دلالة، اعتبر الجنرال تسفيكا فوجل، الذي شغل منصب رئيس هيئة أركان قيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، أن نتيجة المواجهة أخيرا دلّت على أن وضع إسرائيل الأمني لم يكن في يوم أسوأ مما هو عليه الآن منذ حرب 1973. وفي مقابلة إذاعية، هاجم فوجل صنّاع القرار في تل أبيب، معتبرا أن كل ما يعنيهم "ضمان مستقبلهم السياسي، وأنهم امتنعوا عن اتخاذ قرارات حاسمة، وفرّطوا في مستقبل الدولة، خوفاً من أن تضرّ نتائجها بمستقبلهم الشخصي". وأضاف: "رفعنا الراية البيضاء، فقدنا القدرة على الردع بشكل مطلق، ما حققته حماس والفصائل المسلحة من قوة ردع أكبر بكثير مما أنجزناه". وسخر من نتنياهو الذي برّر قبوله وقف إطلاق النار بأن لديه معلومات استخبارية تسوّغ هذا القرار، قائلاً "هل لدى نتنياهو معلومات بأن أسفل قطاع غزة هناك حقل غاز، وأن أية غارة جوية ستفضي إلى اشتعاله مثلا". 

وفي خضمّ المواجهة العسكرية ونتائجها المباشرة، هدف نتنياهو، من محاولاته تأخير موعد الانتخابات المبكرة، إلى تقليص تأثير نتائج جولة المواجهة أخيرا على توجّهات الناخب الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته، قد يلجأ نتنياهو الذي احتفظ بمنصب وزير الأمن في الحكومة راهناً إلى تنفيذ عمل عسكري مباغت ضد قطاع غزة، لمحاولة استعادة شعبية "ليكود" لدى جمهور اليمين، واستعادة ابريق الردع الذي لم يخرج سالما من عمليات المواجهة أخيرا. وفي إشارة إلى إمكانية استئناف المعركة، قال نتنياهو: "الوضع الأمني الآن معقد، ونحن في خضم معركة، وتلك المعركة واسعة، ولم تستكمل بعد، ولن أقول متى سنفعل". ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عنه قوله في جلسة كتلة حزب الليكود: "إن جميع الوزراء تبنّوا قرار الجهات الأمنية خلال آخر جلسة للكابينت، وصوّتوا جميعاً للانتظار حتى المرحلة المقبلة". وقال إن هناك نية للاستمرار في المعركة، وجميع أعضاء الكابينت أيّدوا الأمر من دون تصويت. 

لكن ما لم يوضحه نتنياهو، أفصح عنه وزير الإسكان في حكومته، يوآف غالانت، في مؤتمر لصحيفة جيروزاليم بوست، بقوله "هناك حملة عسكرية أخرى ستكون في غزة، ولكن سنحدد الوقت والظرف المناسب لذلك". وقال عضو الكنيست الإسرائيلي، جلعاد أردان، في المؤتمر، "نحن أقرب من أي وقت مضى لاجتياح قطاع غزة واستعادته، في حال كان ذلك يضمن سلامة مواطنينا، وهذا ما سنقوم به حينها، إذا كان هذا هو السبيل الوحيد لضمان الهدوء لمواطنينا، فهذا ما سنفعله". ومما يدل على أن فرص الخيار العسكري كبيرة، ما قاله نتنياهو أخيراً إنه على الرغم من وقف إطلاق النار مع "حماس" فإن إسرائيل ما زالت في "أوج معركة مستمرة"، وهو ما جعل معلّقين كثيرين في إسرائيل يرون في هذا الكلام دلالةً على أن نتنياهو يمكن أن يأمر بتنفيذ عمل عسكري مباغت ضد "حماس" داخل غزة أو في الخارج. 

وحتى لو لم تكن هناك حرب، في الفترة المقبلة، يمكن أن تستجد أعمال عسكرية عنيفة، كالتي تحدث بين حين وآخر، من قبيل ما حدث في شرق خان يونس أخيرا، وهي أعمالٌ موضعيةٌ ربما استهدفت إرضاء قوى اليمين المتطرف داخل الائتلاف، وإعادة الردع إلى إسرائيل، كما عبّر عن ذلك صراحةً رئيس حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، في مناكفته نتنياهو وتوجهات الكابينت، لعدم الاستمرار في حرب خاطفة جديدة فورية، تحقق أغراض قوى الائتلاف اليميني المتطرف داخل الحكومة وخارجها، وهو الأمر الذي وعد به مستوطنو غلاف غزة في عز العمليات والهجمات الأخيرة. 

ماجد الشيخ

 

من نفس القسم دولي