الوطن

أصعب انتخابات على الطبقةالسياسية منذ عودة المسارالانتخابي

تحددها نسبة 7% الإقصائية، 30% النسائية وسقف 18 ألف مترشح

 


قد يصعب التكهن بالخارطة السياسية القادمة في ضوء عدد الأحزاب التي ستدخل الاستحقاق القادم للتنافس على 1541 مجلس بلدي و48 مجلسا ولائيا بقدر عجز التشكيلات السياسية التحكم في معطيات الواقع، شروط قانون الانتخابات والأرقام التي تزيد في تعقيدات العملية الانتخابية الأصعب على الإطلاق في تاريخ الاستحقاقات الوطنية، سيما بعد حقبة المأساة الوطنية والعودة للمسار الانتخابي سنة 1994 الذي هيمن خلاله لغاية 2004 تسعة أحزاب تقوت بتجربتها في المشاركة في الفعل الانتخابي قبل تضاؤل حظوظها مع المعطى الجديد ابتداء من تشريعيات ماي الماضي. 

فقبل الكسوف الذي عرفته بعض التشكيلات مثل حزب التجديد الجزائري والتحالف الوطني الجمهوري وتراجع التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وتردد حزب العمال، كانت أحزاب جبهة التحرير الوطني، الجبهة الوطنية الجزائرية، التجمع الوطني الديمقراطي، جبهة القوى الاشتراكية، بالإضافة لثلاثة أحزاب إسلامية، وهي حركات مجتمع السلم، النهضة والإصلاح تشكل كوكبة الأحزاب الفاعلة على الساحة السياسية قبل ولوج مجموعة جديدة من التشكيلات فضاء الساحة، ليصل عدد الناشطة منها 21 حزبا معتمدا يضاف إلى ذلك 21 تشكيلا آخر تم اعتمادها قبل أفريل 2012.

وتتبوأ الفضاء السياسي تسعة أحزاب إسلامية كاملة أو ذات توجه إسلامي، ستة منها أحزاب جديدة قررت خوض محليات 29 نوفمبر القادم. وتجعل تركيبة هذه الأحزاب الأخيرة الاستحقاق القادم محطة للتأكيد أو الاندثار، بحيث من المستحيل أن تستطيع الأخيرة النجاة من فخ النسب التي لغمت قانون الانتخاب المعدل في جانفي الماضي دون وضع خارطة طريق تمكنها العبور بأمان إلى الدور التصفوي الذي يحدد قبول قوائم المرشحين على مستوى وزارة الداخلية. 

ومن الصعوبة بمكان أن تسابق الأحزاب الجديدة الأحزاب الكبرى وهي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة أو تزاحمها دون إسناد إداري أو التحالف في إطار تكتلات ظرفية لبلوغ أهدافها وتمرير مرشحيها ضمن قوائم مشتركة، لكن ولادة الأحزاب الجديدة عن طريق الانشقاق التنظيمي والقاعدي ستعقد من مهمة الإسلاميين الذين لا يجدون بدا من التحالف مع غيرهم وبالتالي انخفاض حظوظهم في التواجد بالكم المطلوب في المجالس القادمة. 

فهم مجبرون على تذليل العقبات من أجل التحالف بينها قبل التفكير في التحالف التكتيكي مع تشكيلات من غير جنسها، مما أحدث طوارئ في صفوف الأحزاب عامة وأحزاب الطيف الإسلامي حتى لو ادعت هيكلتها على مستوى 48 ولاية. 

فكيف لحزب جديد أن يبرهن عن تواجده بنسبة 7% على المستوى الوطني والكل يعرف أن عملية الهيكلة تأخذ شهورا لأجل استكمالها، بل وتعد العملية الأهم في حياة الحزب الذي يبحث عن قواعد. وإذا نجح حزب ما في اجتياز عقبة الانتشار، كيف به أن يقدر على إحراز 30% من النساء لملء قوائم الترشيحات، وهي النسبة الأصعب في القانون الانتخابي المعدل والتي عقدت من مهمة الأحزاب في تفكيك عقدة قانون الانتخاب اجتماعيا وسياسيا في أصعب عملية للتنافس على إيجاد 18 ألف مرشح للانتخابات المحلية، ناهيك عن إيجاد ناخبين في ظل عزوف يزداد من اقتراع لآخر. 

عزوف عقدته أحزاب بدعوتها لمقاطعة محليات نوفمبر نكاية في الداخلية التي تلاعبت بنتائج تشريعيات 10 ماي الماضي والتي جاءت عكس التوقعات تماما، بل عكس تكهنات من ظفر خلالها بمقاعد المشهد البرلماني الجاري. 

فمن الجانب النظري، يكون التكتل الأخضر قد حسم أمره إلى جانب تحالف جبهة التغيير لعبد المجيد مناصرة مع حركة العدالة والتنمية لعبد الله جاب الله. ويبقى حزب محمد السعيد، الحرية والعدالة تائها وسط بورصة حقيقية التحالفات الإستراتيجية. أما جبهة الجزائر الجديدة لجمال بن عبد السلام وحزب العدل والبيان لنعيمة صالحي، فما زالا يبحثان عن ملامح التحالف في ما بينهما بحكم تقارب تركيبة مؤسسي الحزبين المنشقين عن حركة الإصلاح التي كان يقودها جهيد يونسي. 

يبقى عامل حزب تاج، الذي يراد له أن يكون بديلا تكتيكيا لأحزاب عجت بالانتهازيين وضاقت بالانتهازيين الجدد ثقلا اضطراريا لمحو آثار نكسة انتخابية متوقعة. ونظرا للدور الجديد الذي يراد له، سيتحول إلى مركز ثقل سياسي مفبرك ليعمر الفراغ الذي يصنع التحالف الأخضر جملة أو فرادى دون اللجوء للتحالف الرئاسي الذي لا يؤمن بالقوائم الموحدة. واعتماد حزب غول يراد من ورائه عبور المنافسة بأخف الأضرار وتجنب هدوء بائس لحدث وطني يكاد يكون لا حدث تحت خوف من المقاطعة شبه مؤكدة وذلك بإعادة بعث المتحمسين في تاج وبعض ممن ينضوي تحت حزيبات مصطنعة الحماسة كونها مكلفة بمهمة، سيما وسط ما يعرفه حزبا التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير من هزات ارتدادية على وقع زلازل التصحيحيات المتعاقبة. 

وينطلي الأمر على باقي تشكيلات الطبقة السياسية التي دخلت لتوها المعترك الانتخابي بحثا عن حظوظ إيجاد مكانة وسط التكتلات التي تدور داخل فلك ثلاثية التيار الوطني-الديمقراطي-الإسلامي، فهل تفلح الأحزاب على اختلاف مشاربها في الظفر بمكانة في المجالس المحلية القادمة خارج أسراب التكتلات، حتى وإن كان الجواب بالإيجاب، فلن تتعدى حظوظها حدود ما هو مرسوم لها مقابل الظفر باعتمادها وذلك أقصى ما يمكن أن تتمناه وسط زحمة المشهد السياسي المشبع بتشكيلات هي أقرب ما تكون بمؤسسات صغيرة للمناولة لا أكثر.

طارق مروان 

 

من نفس القسم الوطن