دولي

معركة مخيم المية ومية: فتح" قررت إنهاء "أنصار الله

يلعب دوراً في فرض واقع المعركة

يشهد مخيم المية ومية للاجئين الفلسطينيين بجنوب لبنان، والواقع إلى شرق مدينة صيدا، هدوءاً حذراً بعدما تجددت الاشتباكات فيه بين حركة "فتح" و"أنصار الله"، واستمرت حتى ساعات الصباح الأولى بشكل متقطع، استُخدمت خلالها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية.

تواصلت الاتصالات واللقاءات في محاولة لتثبيت اتفاق هدنة وقع خلال اجتماع عقد لضمان العودة إلى الهدوء، وكان لافتاً عقد اللقاء في مقر قيادة حركة "أمل" وتدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري شخصياً، فيما عادة ما تقود النائبة بهية الحريري جهود أي محاولة لتطويق أي اشتباك في المخيمات التي تحيط بمدينة صيدا.

وقد أجرت الحريري بدورها سلسلة اتصالات شملت أمين سر قيادة الساحة اللبنانية في حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي أبو العردات، المسؤول السياسي لحركة "حماس" في لبنان أحمد عبد الهادي، رئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد فوزي حمادي، ورئيس مكتب مخابرات الجيش في صيدا العميد ممدوح صعب. وكذلك أجرت اتصالاً هاتفياً برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وأطلعته على تطورات الوضع الأمني في مخيم المية ومية والجهود المبذولة من أجل وقف إطلاق النار.

ونصّت بنود الاتفاق الذي وقّع في مقر قيادة حركة "أمل" على الوقف الفوري لإطلاق النار والإشراف على تنفيذه، وتشكيل لجنة من الأطراف المعنية كافة لسحب المسلحين، فضلاً عن إعادة الوضع إلى ما كان عليه وإجراء مصالحات بين مختلف الأطراف، ومعالجة الأسباب والنتائج التي أدّت لحصول الأحداث.

وكانت الاشتباكات قد أدت إلى سقوط 3 قتلى من قوات الأمن الوطني الفلسطيني، و6 جرحى، بينهم جنديان للجيش اللبناني، في حصيلة أولية، بالإضافة إلى أضرار جسيمة في الممتلكات.

كما سُجل نزوح عدد كبير من أهالي المخيم باتجاه مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا، التي تضررت بفعل سقوط الرصاص الطائش في عدد من أحيائها، حيث شهدت حالة من الشلل، في حين أقفلت معظم المدارس والجامعات أبوابها، بعدما أصدر وزير التربية مروان حمادة مذكرة بإقفال جميع المؤسسات التربوية الرسمية والخاصة في صيدا.

ووفق مصادر محلية؛ تجددت الاشتباكات بين عناصر تابعة للأمن الوطني في حركة فتح وعناصر من أنصار الله التي يتزعمها جمال سليمان إثر إلقاء عنصر من الأمن الوطني قنبلة تجاه جماعة أنصار الله.

وأضافت المصادر لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" أن عناصر أنصار الله ردت على الهجوم، واستهدفت تجمعات لحركة فتح.واندلعت الاشتباكات بين الجانبين في الخامس عشر من أكتوبر الجاري، وأسفرت عن مقتل عنصرين من حركة فتح، لكن الجيش اللبناني تدخل، وانتشر في محيط المخيم.

وحسب مصادر محلية؛ عاد الوضع ليتوتر بسبب وجود مجموعات من حركة فتح تصر على الحسم العسكري في المخيم، وتتلقى أوامرها من خارج إطار تنظيم حركة فتح في لبنان.

وأوضحت المصادر أن هذه المجموعات مرتبطة بمنذر حمزة، مسؤول المخابرات المقيم في السفارة الفلسطينية في بيروت. ومنذ البداية تحركت حركة حماس، والعديد من القوى لاحتواء الأحداث، ونجحت في وقفها غير أن الأوضاع ظلت متوترة في مخيم المية ومية رغم كل تلك الجهود التي بذلتها القوى الفلسطينية واللبنانية.

 

حزب الله يرفع الغطاء

 

وعلم "العربي الجديد" أنّ "حزب الله" رفع الغطاء عن حركة "أنصار الله"، بعد أن كان داعماً لها خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذي أدى إلى انتهاز حركة "فتح" للفرصة، في محاولة لتصفية وجود "أنصار الله" في المخيم، على الرغم من أنّ عدد المسلحين في المخيم يبلغ العشرات، وسط مخاوف جدية لبنانية وتحديداً صيداوية، من عدم قدرة "فتح" على حسم المعركة وامتدادها إلى مخيم عين الحلوة، الذي يُعتبر الأكبر على صعيد لبنان.

وفي قراءة لواقع المخيم الاستراتيجية، يبدو واضحاً أنّ لمخيم المية ومية أهمية كبيرة، خصوصاً أنّه، في الفترة الماضية، برز صراع خفي على الحضور في المخيمات الفلسطينية، خوفاً من أي عمل أمني، وتحديداً من قبل "حزب الله.

ولكن مع انتهاء حالة أحمد الأسير في منطقة عبرا المجاورة، واستتباب الأمن لـ"حزب الله"، بدأت تنتفي الحاجة لـ"أنصار الله"، خصوصاً أنّ انتهاء حالة أحمد الأسير تزامنت مع بدء بروز بعض الخلافات بين "أنصار الله" و"حزب الله.

ويقع مخيم المية ومية إلى الشرق من مدينة صيدا، ويطل على مخيم عين الحلوة القريب، وبالتالي من يسيطر على مخيم المية مية يعني أنّه سيطر على مخيم عين الحلوة أو أجزاء كبيرة منه، خصوصاً أنّ منطقة حارة صيدا التي تضم أغلبية شيعية موالية لـ"حزب الله"، تطل على المخيم أيضاً، ما يعني أنّ الحزب كان يهدف إلى تطويق المخيم في توقيت أمني شهد العديد من الأحداث.

وشهد المخيم، خلال السنوات الماضية، أكثر من حادثة اغتيال أو محاولة اغتيال، في صراع مفتوح كان يهدف إلى بسط السيطرة عليه، ولكن بعد رفع غطاء "حزب الله" عن حركة "أنصار الله" اتخذ الصراع طابعاً جديداً، خصوصاً أنّ حركة "فتح" باتت قدرتها على التحرّك أكبر، لأنّ استهداف حركة "أنصار الله" لم يعد يعني استهدافاً لـ"حزب الله"، كما أنّ "أنصار الله" حاولت من جهتها فرض نفسها رقماً في معادلة المخيمات، خصوصاً بعد انتهاء دورها الذي رسمه "حزب الله.

وأكدت المصادر أن عناصر فتح ظلت ترفض عودة الحياة الطبيعية إلى المخيم، وكانوا يهددون الأهالي الذي عادوا إلى منازلهم، وأقاموا حاجزا أمام مسجد المخيم، لكن الأهالي طردوهم.

ووفق المصادر؛ فإن حركة فتح تماطل في الموافقة على وقف إطلاق النار رغم جميع المناشدات من الجهات الفلسطينية واللبنانية؛ لأنها تسعى لتحقيق تقدم ميداني على الأرض لتحقيق أي انتصار ضد تنظيم أنصار الله.

 

واقع المخيم يرسم المشهد

 

وتبدو المعركة في المية مية، على الرغم من خطورتها، أسهل من أي معركة في مخيم عين الحلوة، خصوصاً أنّ المخيم الأخير الذي يضم تشكيلة فصائل مسلحة كبيرة، يصعب المهمة، ويعقدها، فضلاً عن كثافته السكانية الهائلة، وموقعه الأقرب إلى مدينة صيدا.

كما أنّ مخيم المية مية يضم فقط حركة "فتح" وحركة "أنصار الله"، إضافة إلى حضور أقل لحركة "حماس"، وبالتالي في حال نجحت حركة "فتح" في إنهاء وجود "أنصار الله" يصبح تالياً وجود هؤلاء في مخيم عين الحلوة تفصيلاً، بعد انكسار شوكتهم في مخيم المية ومية.

ووفق قراءة مصادر سياسية على الساحة الفلسطينية في لبنان، تحدثت لـ"العربي الجديد"، يبدو أنّ محاولات التهدئة وإن نجحت اليوم، ستكون آنية، خصوصاً أنّ قرار "فتح" بإنهاء" حالة "أنصار الله" بات محسوماً، على الرغم من علمها بأنّ معركة طويلة الأمد في المخيم غير مسموح بها لبنانياً، لكنها في المقابل تحاول فرض واقع على الأرض يمكن استثماره والتفاوض حوله، أو ينتهي بالوصول حتى إلى اتفاق على انسحاب هذه العناصر من المخيم.

ويلعب موقع المخيم دوراً هاماً في فرض واقع المعركة، خصوصاً أنّ المية ومية هي قرية مسيحية صغيرة، شهدت خلال الحرب الأهلية اللبنانية نزوحاً كثيفاً منها، وسط مخاوف من قبل الأهالي من تكرار المشهد.

وعليه زار أخيراً وفد من القرية برئاسة رئيس أبرشية صيدا ودير القمر وتوابعهما للروم الكاثوليك المطران إيلي حداد، الرئيس اللبناني ميشال عون، الذي أكد للوفد أنّ الجيش اللبناني يحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، فيما أكد حداد لاحقاً أنّ خطة الجيش تقضي بحماية بلدة المية ومية من تداعيات الاشتباكات.

 

من نفس القسم دولي