دولي

التهدئة في غزة بين سياق الانتصار ومعاول الاغتيال

القلم الفلسطيني

هشام توفيق

 

نعلم جيدا أن معركة حامية الوطيس تحرك غبارها ودخانها في غزة وسماء الأراضي المحتلة، وكان رائدها الشباب الغزي وحراك مسيرات العودة سعيا للعودة إلى الأراضي المحتلة ورغبة في رفع الحصار المطبق من الاحتلال ومن ينسق معه إلى حد النخاع بل وحد القداسة والتنسيق المقدس. 

المعركة اشتعل ميدانها وأبدع فيها الشباب، لكن الاحتلال رد كما عودنا بعقلية المهزوم المأزوم المصدوم برد سافر إجرامي خالف 

كل القوانين الدولية والإنسانية.

ومع ذلك جرّ الاحتلال أذيال الخيبة والهزيمة وتأسف أرباب صفقة القرن على تعطلها، وصدموا حين أخطأ الكيان الصهيوني ورفع السقف بالقصف، فتدخلت المقاومة بشكل طبيعي لرد القصف بالقصف ولحماية الشباب والثوار من خرجوا بصدور عارية دون سلاح أو مدفعية. 

أمام تدخل المقاومة كقوة الردع التي فاجأت قوة الاحتلال، سارع المشروع الصهيوني إلى التراجع بخطوة إلى الوراء ليفوز بخطوات، لما اضطر لقبول التهدئة منتظرا إياها من قبل الأطراف الخارجية ليخرج من عنق الزجاجة مدحورا محرجا بسبب حراك الطائرات الورقية، خصوصا أن الحرب بين الاحتلال وغزة أوانها ربما لم يحن ولم تستكمل شروطها ومعالمها، ومن زاوية أخرى وفي سياق خطوات تحقيق التهدئة كانت هناك عملية تحقيق المصالحة جارية رغم سياسة الاعوجاج والاستنكاف السلبي من قبل السلطة الفلسطينية.

تزامن سياق المصالحة مع خطوات إنجاز التهدئة، لكن في خضم الأحداث والخسائر الصهيونية بسبب التهدئة التي تنم عن استسلام صهيوني، وظف الكيان الصهيوني "قاعدة استغلال الحدث" مثلما وظفها في مسار وخطوات المصالحة لعرقلتها باستغلال طرف السلطة الفلسطينية التي تعد جزءا من حصار الشعب الفلسطيني، وفي مرحلة ما قبل التهدئة يستغل الاحتلال مسار التهدئة ويوظف نفس القاعدة لانتهاز الفرصة ليعود منها بنفع ونصيب عبر بوابة الإعلام والترويج الكاذب وليحقق خطوات في شيطنتها واغتيال روح وعمق انتصارها لصالح غزة من خلال معاول ثلاثة:

زَيَّفَ الاحتلال الوقائع ولَفَّقَ الأحداث ووَجَّهَ الانتصارات وخطوات التهدئة لصالحه لإقناع الرأي العام الإسرائيلي والعربي والغربي بأن التهدئة هي ربح لإسرائيل وانتصار لها، وبالتالي فالتهدئة بين غزة تفتل في صفقة القرن التي خطط لها منذ مدة لإيجاد حل لغزة إنسانيا. فالاحتلال يريد أن يوظف حدث التهدئة لصالحه ويوهم الجميع أن التهدئة هي انتصار واختيارلصالحه، وليس اضطرارًا، بل هو ما كان مخططًا له سابقا حسب تعبير الاحتلال، وهو عين الكذب والتزييف.

فالطائرات الورقية هي التي أربكت الصفقة وعطلت مشروعها التصفوي الذي تدرج من قرار ترامب إلى نقل السفارة، إلى قانون القومية، إلى التفكير في إنهاء غزة والمقاومة وفصلها عن الضفة، ثم بعدها تصفيتهما، وهذا الأخير هو ما فقهته وعيًا القوى الحية في غزة، وتنبهت له خصوصا بعد تصريحات حكام العرب بضرورة إنهاء القضية والدعوة إلى الخرس والصمت ليتدخل القادة العرب لتقديم الحل. 

فالعقل الصهيوني يريد أن يوحي إلى ضعاف النفوس أنه انتصر، وفعل فعلته، وساوم حماس وغزة، وخرج بصفقة مع غزة في إطار سياق صفقة القرن وخطوات تنزيلها بعد حصار وخنق وحركة عسكرية دامية.

هذا التدليس و الدهاء الصهيوني النابع من تحطم أهدافه وفشل غاياته، أراد من خلاله التأثير على الصف الداخلي والنسيج الفلسطيني والقيادي بفلسطين، لاتهام حماس وغزة بالسقوط في صفقة القرن وتهدئة تنازلية.

تسابقت أبواق عربية خليجية بمعية القنوات والإعلام العربية الخليجية إلى تلقف الخبر والرواية الصهيونية لإيهام الأمة والشعوب أن غزة لم تنتصر، بل متورطة في المساومة الفردية مع الاحتلال لتنفيذ صفقة القرن الساعية سابقا لإيجاد حل للضفة وغزة عبر فصلهما ثم إغاثة كل منهما إنسانيا وماديا.

وأظن أن الأبواق العربية المطبعة السياسية والفكرية كانت متلهفة لهذا التلفيق لحجب عمق الهزيمة الصهيونية، والتغطية عن النتائج الإيجابية لمسيرات العودة وحراك غزة، بل وتسابقت الأبواق المطبعة إلى شيطنة وتخوين حتى الوسيط في عملية التهدئة وهي قطر واتهامها بالعمالة مع الكيان الصهيوني تطبيعا ومساومة وتقربا. 

الطرف الثالث المجاهر بتخوين وشيطنة عملية التهدئة هو الطرف الفلسطيني المنسق مع الكيان بهدف اغتيال التهدئة، فتسابقت أطراف فلسطينية محسوبة على السلطة الفلسطينية إلى تشويه الهدنة والتهدئة وخندقتها في زاوية صفقة القرن وتعميم أكاذيب التهدئة إعلاميا وسياسيا كمساومة تخوينية بين حماس والاحتلال. 

وهذا الفعل المعيب هو ديدن من يعشق التقسيم الفلسطيني ويموت صبابة في التنسيق الأمني الصهيوني، يبحث دوما عن نقاط الانتصار والجمع الفلسطيني ليجعلها مفتتة مقسمة تخدم الأجندة الصهيونية. 

قلنا سابقا إنّه يمكن تقييم الحدث أو الفعل من خلال سياقه وروابطه ومجرياته، فالتهدئة سياقها تأتي كنتيجة لمسيرات العودة وتحرك شباب غزة الذي سعى إلى كسر الحصار بطريقته مما أدى إلى تدخل الاحتلال بشكل إجرامي ومهزوم، لإنهاء التحرك لكنه فشل خصوصا بعد تدخل المقاومة للرد على العدوان العشوائي للاحتلال على غزة ومسيراتها. 

فالتهدئة يمكن أن تلخص فعلا إيجابيا صنعته مسيرات العودة بمعية الحاضنة القيادية والمقاومة وتختصر رد فعل صهيوني مهزوم، يستدعي فيه الطرف المأزوم الفلسطيني التنسيقي لعرقلة التهدئة.

كان المطلوب من السلطة الفلسطينية والأصوات الفارّة من الحقيقة أن تفرح بالوصول إلى مرحلة التهدئة، وتبتهج بانتصار مسيرات العودة وحراك غزة الذي دفع الاحتلال إلى الرجوع إلى مربع الصفر للجلوس على طاولة التفاوض، كمنهزم مقابل صاحب حق وأرض منتصر في مسيرات العودة.

كان المطلوب من السلطة الفلسطينية أن تترحّم على شهداء غزة، وتقدم الاعتذار لغزة وشبابها وطاقاتها لغياب سلطة رام الله عن محور المواجهة في غزة عوض أن تكون يد عون للاحتلال من خلال فرض العقوبات وتشويه مسيرات العودة وضرب عمقها واعتبار قيادتها يتلاعبون بأرواح الشهداء حسب بعض التصريحات السلطوية الشاباكية. 

كان المطلوب من السلطة الفلسطينية أن تؤازر وتعين مسيرات العودة عِوَضَ محاولة إرسال العون الإغاثي إلى كواتيمالا التي أقرت نقل سفارتها إلى القدس كما فعلت نظيرتها أمريكا. 

كان المطلوب من السلطة الفلسطينية تقبيل جبين المقاومة التي صفعت الآلة العسكرية الصهيونية، وتبارك حراك غزة الذي وجّه البوصلة، وحدّد من جديد أن الرهان الوحيد للحل الفلسطيني والأمة هو الشارع والمقاومة بدل التنسيق الأمني واتفاقيات آلت إلى بيع فلسطين وتهويد القدس واعتقال العشرات من الشباب بفضل جهود التنسيق الفلسطيني الصهيوني الشاباكي.

 

من نفس القسم دولي