دولي
الكونفدرالية، صفقة القرن، قنابل الدخان
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 04 سبتمبر 2018
لطالما طرح الراحل ياسر عرفات فكرة إقامة اتحاد كونفدرالي فلسطيني أردني، وكرر هذه النقطة مرارًا ولكن الجميع كان يشترط أن يتم تحرير الأرض الفلسطينية قبل الخوض في مثل هذه الأفكار وما تحمله من إيجابيات وسلبيات، ولكن كان طرحها في ذلك الوقت لبعث الطمأنينة لدى القيادة الأردنية التي كانت تساورها دائمًا الشكوك والمخاطر أن يكون حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن وسيادته على أرضه، أي أن طرح القضية كان يأتي في السياق العروبي الاتحادي التطميني الذكي من قبل عرفات فضلًا عن أنه يأتي لمخاطبة المجتمع الدولي الذي لربما كان يخشى في مرحلة ما أن يكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة التي تحاول أن تستقوي بمحيطها العربي على إسرائيل الوليدة صنيعة القوى الغربية الاستعمارية.
الجديد في الأمر أنه أعيد طرح الكونفدرالية بالأمس، ولكن على لسان محمود عباس وبطريقة غريبة للغاية، إذ إن الطرح كان كونفدرالية ثلاثية إسرائيلية أردنية فلسطينية، وإذا لم يكن هناك دولة فلسطينية بالمعنى السيادي للكلمة فإن المقترح يقصد كونفدرالية إسرائيلية أردنية، ولا أدري كيف تحدّث أبو مازن نيابة عن الأردن في شأن هو آخر من يتحدث به! فهو متعلق بدولة ذات سيادة بل وبسيادتها، وكأنه يعطي الأردن هدية مجانية لـ"إسرائيل"، وما يزيد الأمر غرابة أن الحديث حول هذا الأمر كان خلال استقبال وفد إسرائيلي، والأكثر غرابة أنه نوقش فعليًّا بين عباس وغرينبلات أي أنه ليس مجرد نقاش في ندوة بل حاز بحثًا مع صاحب فكرة صفقة القرن.
ولعلنا من حقنا أن نتساءل هل أصبحت القضية الفلسطينية رهينة لحقل تجارب محمود عباس الشخصية من مدريد إلى أوسلو إلى الدولة الواحدة التي أعاد طرحها قبل عام واحد، ثم اليوم يطرح الكونفدرالية مع الأردن ودولة الكيان؟ ثم هل جاء هذا الأمر نتيجة دراسة موضوعية وإقرار بفشل مسار حل الدولتين الذي لطالما قلنا بفشله، أم أنه اجتهاد جديد؟
وسؤال آخر: ما هو موقف فصائل منظمة التحرير التي من المفترض انها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني؟ هل ناقشت أم علمت بنقاش عباس غرينبلات حول الكونفدرالية؟ وما كان موقفهم سيكون لو أن حماس مَن طرح مثل هذه الفكرة؟ كم بيانًا تخوينيًّا وتشكيكيًّا سيصدر حينها؟ أم أن عباس له حصانة من الخطأ وهو يسير من فشل إلى فشل في كل مسار يدخله.
إن القضية الفلسطينية ليست ملكا لعباس كي يتصرف بها كما شاء والأرض الفلسطينية ليست "بيارة" الوالد ولا سهما في شركات أبنائه وأحفاده ولا سلعة يبيعونها ويتاجرون فيها كما يتاجرون في كل شيء، وإن دماء الشهداء لها من يحميها، وإذا كان رد المملكة الأردنية جاء سريعا في لطمة سياسية على وجه "القائد" فإن إرادة الشعب تملك الكثير لمنع المزيد من الإضرار بالقضية الفلسطينية على يد من يتاجرون بها.
منذ بدأ مصطلح التهدئة يعود إلى الواجهة وشرعت مصر بجهودها من أجل تحسين الحياة المعيشية للمواطنين في غزة واستضافت حوارات القوى والفصائل الفلسطينية، استمعنا إلى عشرات التصريحات من قادة السلطة بدءا من محمود عباس إلى القواسمة ومن بينها أن الأمر لن يتم إلا على جثثهم، وأن لا للتهدئة ولا لرفع الحصار ولا للاتفاقات مع الاحتلال لأن كل هذا يصب في إطار صفقة القرن، وحمي الإعلام حتى كاد حسين الشيخ يحلف بالطلاق على الهواء مباشرة أن الأمر لن يمر، واستمعنا إلى الهباش على المنبر يتحدث عن الأموال وأنها من حقه وجماعة المقاطعة، ولن يسمح بتحويلها لموظفي غزة إلا على الرقاب.
والغريب أن قادة السلطة وحركة فتح يصورون أن إنهاء العقوبات على غزة وتحسين حياة المواطنين فيها من كهرباء وماء وبنية تحتية وإيجاد فرص عمل إنما هو جوهر صفقة القرن؛ في مقاربة غريبة عجيبة، بينما صفقة القرن ذاتها هي التي أعلن أبو مازن رسميا بعد زيارته الأولى لترامب أنه جزء منها وأن ترامب بعد لقائه غيّر وبدّل بعض بنودها لصالح الشعب الفلسطيني، فهل ليطلعنا محمود عباس على ما بدله ترامب؟ وما هي البنود التي عدلت وما هي البنود التي لم تعدل بما أنه اطلع عليها ونوقشت معه؟ وبما أنه كان يجلس مؤخرا مع غرينبلات ويتحدث حول الكونفدرالية الثلاثية.
إن صفقة ترامب متعلقة بالقدس التي منعت السلطة متظاهرا واحدا أن يتظاهر يوم 14 مايو يوم أن نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس فيما غزة وحماس قدموا عشرات الشهداء، وهي قضية اللاجئين والأونروا التي تطرح الآن السلطة إلغاءها وأن تصبح ملفا تابعا للأمم المتحدة لإلغاء حق العودة وهي ذاتها القضية التي استبدلها محمود عباس ذاته بدلا من حديثه عن حق العودة بكلمة حل متفق عليه حول اللاجئين وهي الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة التي تحولت بقدرة قادر إلى كونفدرالية ثلاثية.
هناك نظرية في الإعلام اسمها قنابل الدخان، وهي التي يستخدمها إعلام السلطة الآن وتقوم بمهام قنبلة الدخان تمامًا؛ حيث تحاول إخفاء تحركٍ ما للقوات أو أن تثير اهتماما باتجاه في الاتجاه الآخر هو الحقيقي أي باختصار تقوم بلفت اهتمام المواطنين عن الحقيقة باتجاه وهم، وهو تماما ما يقوم به الإعلام الفتحاوي الرسمي الآن يتحدث عن قنبلة دخان أن صفقة القرن (مجهولة البنود) تطبق في غزة فيما الصفقة الحقيقية يجرى تطبيقها في الضفة وتصفية القضية فقضية القدس واللاجئين والسيادة يجرى القضاء عليها بمباركة رسمية مع قنابل دخان تجاه غزة ولفت الأنظار تجاه غزة وزيادة المعاناة على غزة لأن غزة بأهلها ومقاومتها وقيادتها لا تزال عصية على الكسر أو القبول بكل ما يجرى ترتيبه فتتحول إلى شاخص للسهام وقنابل الدخان.