دولي
صفقة القرن وأوهام أبو مازن
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 أوت 2018
في الوقت الذي يتدافع فيه أطراف وجهات إقليمية ودولية، للنيل من صمود وتضحيات وحقوق شعبنا، وفى ظل أكبر جريمة دولية فرضت على شعبنا، عبر حصار مطبق، وحجم الآلام التي أصابت شعبنا والمأساة التي ألمت بظروفه الإنسانية من جراء هذه الجريمة، التي خلفت آثاراً كارثية خصوصا مع تصاعد الاعتداءات والجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني.
لم تقف المقاومة الفلسطينية مكتوفة الأيدي إزاء تلك الاعتداءات، فقد عملت على التصدي للإجرام الصهيوني والوقوف في وجه الآلة الحربية الصهيونية، والدفاع عن شعبنا بإمكاناتها المتواضعة، علاوة على سعي الفصائل المقاومة لمحاولة كسر إحدى حلقات الحصار، وإنقاذ شعبنا قبل فوات الأوان وتجنيبه الويلات والحروب.
يتعرض قطاع غزة لهجمة شرسة وممنهجة، طالت القيادات السياسية في غزة، وعلى رأسها حماس، واتهامها بتنفيذ صفقة القرن، في سعيها لتحسين الظروف الإنسانية، واللافت أن من يتصدّر لذلك رئيس السلطة، وفريقه العامل خصوصًا أعضاء تنفيذية منظمة التحرير.
لعلنا لا ننسى أن المنظّر الأول لهذه الصفقة هو رئيس السلطة، والذى سار في ركبها وعاشت في أحضانه منذ أكثر من 40 عاما، وناقشها بشكل مستفيض في كل لقاءاته ومفاوضاته مع الصهاينة وأطراف عدة، في مناسبات عدة، كثير منها كان يجرى خلف الكواليس، بعيداً عن الصخب الإعلامي. أبو مازن الذى تسبب بويلات لا حصر لها ألمّت بشعبنا، من وراء تفرّده بالقرار الفلسطيني، ومحاولة تغييب قواه الحية، والذهاب إلى أبعد مدى في التهاون والذل، والمقامرة بمصالح وحقوق شعبنا، لقد فاوض الصهاينة بمساحات مفتوحة ودون حدود، لم يلقَ بالاً لخطورة المؤامرة التي أصابت حقوق الشعب الفلسطيني، فإنه من يهن يسهل الهوان عليه!!
كان ولا يزال يستخف بالشعب الفلسطيني، وبكل قواه ومكوناته الحية، وما يثير السخرية أنه أعلن مقاطعة الإدارة الأمريكية، وعدم استقبال مبعوثيها، ووقف التنسيق الأمني، والتصدي لصفقة القرن، وفق ما يروج له إعلامه الرسمي، لتنزل اللعنات على شعبنا خصوصاً أهلنا في قطاع غزة، كان أولاها التهديدات التي أتبعها بعقوبات قاسية طالت كافة مناحي الحياة، ونقلت حياة الغزيين إلى حالة يرثى لها، وصنعت واقعاً إنسانياً يحاكى كارثة مكتملة الأركان، لم يكتفِ بذلك فحسب بل مارس مزيداً من الضغوط على كل الأطراف التي عنيت بتحسين الظروف الإنسانية في غزة.
فجولاته المكوكية هو وفريقه، لم يكونوا حمامة الرحمة بل كانوا غرباناً تصيح بنذير الخراب والدمار، لماذا تخدع شعبك يا أبا مازن وأنت ترسل رئيس مخابراتك في السر والعلن للقاء نظرائه الأمنيين وحتى بعض السياسيين لدى الإدارة الأمريكية، وتعقد مشاورات أمنية مع جهات صهيونية أنت وقادة الأجهزة في الضفة لملاحقة المقاومة، وتقليم أظفارها وتصفية أي ثورة في مهدها، والتي بدت رافضة لعملك وسلوك أجهزتك من خلال التنسيق الأمني، الذى جلب لك عاراً لا يمكن لكل صفحات التاريخ أن تتجاوزه في تاريخك أنت ومن معك؟
توقف يا أبا مازن للحظة وصارح شعبك، فقد سئمنا الأكاذيب، فشعبنا يدرك حقيقة ما يجرى، فإن صفقة القرن أعدت بتوقيع قلمك فور احترافك لعملك السياسي، وجرى تنفيذ أجزاء منها تحت إشرافك، بدءاً من سماحك بأن تكون القدس على طاولة المفاوضات، والحدود، والاستيطان، وحق العودة، وليس انتهاءً بتنازلك عن حقك الشخصي في العودة لموطنك (مدينة صفد)، والذى كان طعنة خائنة ومؤلمة في ظهر كل اللاجئين.
إن كل الذين تواتروا وتسابقوا من أعضاء منظمة التحرير سواء بمجلسها المركزي أو لجنتها التنفيذية، نحو توجيه الاتهامات للقوى السياسية في غزة، هم كالذي تلبّس بالجرم فحاول أن يمسح العار عن نفسه فألبسها لغيره، لم يكن هذا لباسنا، فأنتم تعلمون أن غزة استطاعت فرض نفسها، والجلوس بقوة ونديّة، في مجالس العزة والكرامة، وضربت الطاولة أمام الصهاينة وأعوانهم، ليفيقوا ويقفوا عند حدودهم ويستجيبوا تحت لغة البارود والنار، في صمود منقطع النظير وتمترس صلب حول الحقوق، ماذا أقول يا أعضاء المنظمة، بعد أن غيبكم أبو مازن تارة، وغيبكم كبر السن والتيه السياسي تارة أخرى، أين هذه المنظمة؟ الجامعة التي تأبى أن تجمع أبناءها!! لقد جرفها أبو مازن منذ سنين، وحاليًّا يجرى إنعاش هيكلها لاستغلال رمزيتها في النيل من صمود شعبنا، والتساوق مع أشرس صفقة دولية تنال من قضيتنا الوطنية، وأنتم ترتبون فيها مع رئيسكم اللمسات الأخيرة، فهذا يضمن لكم البقاء والإقامة الآمنة في المقاطعة وما حولها في المنطقة الخضراء، ذات الجدران العالية، التي تحجب أنظاركم، عن تطلعات شعبكم.
الجريمة التي ارتكبها رئيس السلطة من خلال موافقته على صفقة القرن من وراء شعبه، نلمس آثارها اليوم ونشاهد ضياع القدس، وابتلاع المستوطنات لأرضنا، وإنكار حق العودة، والسعي للتوطين، أو التعويض، والتنسيق الأمني، ومعاقبة شعبنا، هي عمل إجرامي يندى له الجبين، وسقوط سياسي ووطني لا يمكن معالجته في الوقت الراهن، فغزة لا يمكنها أن تكون شاهد زور على ضياع فلسطين، وعار عليك ما فعلت أنت ومن معك، وهنا أتساءل هل بقى في جعبتك شيء آخر، أم أنك تنوى صب مزيد من الغضب على غزة؟ وربما تسعى لقطع الهواء عنها، لأنها وقفت لك في الحلق، غزة التي تقف لوحدها وبقوة لإسقاط صفقة القرن التي رسمها أبو مازن مع الأمريكيين والإسرائيليين ويحاول خداع شعبنا عبر تصريحاته الرافضة لها.
أحمد أبو زهري