دولي

فتح وحماس والفصائل

القلم الفلسطيني

تمثل حركتا فتح وحماس السواد الأعظم من جماهير الشعب الفلسطيني، وتسيطران معاً على انطباعات الرأي العام، وتكتسحان دائمًا استطلاعات الرأي. 

فتح الحركة الشعبوية العظيمة التي تحظى بالتأييد الأكبر لدى عموم الشعب الفلسطيني، لا تزال تعاني من أزمتين متناقضتين، تتعلق الأولى بفقدانها الثقة بنفسها وبغيرها، وتتعلق الثانية بالثقة المفرطة، الانطوائية، في أحيان عديدة. في المقابل، حركة حماس، والتي تصغر "فتح" بحوالي عقدين، استطاعت أن تصبح رقمًا مهمًا في المجتمع الفلسطيني، على الرغم من اعتراف بعض قادتها بأخطاء الماضي، والتي كان أهمها تسبّبها بالانقسام الفلسطيني الذي لا يزال يشطر الخريطة الفلسطينية إلى شطرين. لكن، ماذا فعلت "حماس" لتحظى بتأييد قيادة حركة الجهاد الإسلامي وقيادة قوى اليسار الفلسطيني؟ الجواب ببساطة، حركة حماس هي "حركة مؤسسات"، فعلت ما لم تفعله حركة فتح في العصر الحديث، جذبت كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني حولها، شاركتهم في شؤون غزّة، عرضت عليهم حقائب وزارية وإدارية، على الرغم من رفضهم المشاركة بأي حكومة قادتها "حماس" في السابق، لكنها أعطت لهم المساحة كي ينتقدوها، يواجهوها، بل ويهاجموها في مواقف وسياسات كثيرة، وهي تقابل ذلك بترحيب كثير، ومن دون أدنى مشكلة. بينما لا تتقبل حركة فتح رؤية غيرها يقود الشعب الفلسطيني، ترفض الشراكة، تعوّد قادتها على قدح قادة الأحزاب الأخرى، والتقليل من شأنهم، وهي، في  الوقت نفسه، تعتبر حركة الرجل الأوحد، الآمر، الناهي. 

هل "فتح"، منذ رحيل الرئيس ياسر عرفات، جلست مع أي فصيل فلسطيني، للتباحث أو التشاور لحل قضية مصيرية، أو لأخذ رأيه في قرار وطني؟ الإجابة بكل بساطة لا، عندما كانت تجلس مع أي فصيل فلسطيني كانت تريد منه أن يكون صنمًا "أصم.. أبكم.. أعمى"، ويصادق على القرارات، وينضم لطابور المصفقين. 

هذا الوضع بالتأكيد لم تقبله الفصائل الفلسطينية، ورأت في أي وجودٍ لها بجلسات قيادة فتح، شاهد زور، وهذا ما سيدعو الجبهة الديمقراطية على سبيل المثال، في الأيام المقبلة، إلى عدم المشاركة في فعاليات المجلس المركزي الفلسطيني، على الرغم من مشاركتها في المجلس الوطني أخيرا، وأسباب الديمقراطية كثيرة بالمناسبة، أولها أنها لم تنل ما كانت تصبو إليه، بأن تصبح الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، بعد حركة فتح، وبديلًا للجبهة الشعبية. 

الأمر الثاني أن "الديمقراطية" شعرت بإحراج شديد من وعود "فتح"، بإنهاء الإجراءات الاقتصادية المفروضة على قطاع غزة، وكذلك سحب ملف دائرة شؤون المغتربين من ممثلها في اللجنة التنفيذية، تيسير خالد، فبعد أن ظنت الجبهة الديمقراطية أنها ستحصل على حقيبتين في اللجنة التنفيذية "حال تعبئة أحد شواغر اللجنة من الديمقراطية"، ها هي بلا أي حقيبة، ولن تشارك في المجلس المركزي، ليصبح المجلس فتحاويًا خالصًا، لعدم مشاركة الجبهة الشعبية، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي. 

مشهد غريب، عندما قادت حركة حماس اجتماع الفصائل الفلسطينية، للحديث عن الهدنة مع إسرائيل، قبل أيام، فيما كانت قيادات "فتح"، جالسة مثل بقية الفصائل "المدعوّة" لتستمع لما تم اقتراحه على حماس، حول التهدئة. قاد الاجتماع هو الضفاوي حسام بدران، بينما المستمعون هم القادة الغزيون من حركة فتح والجبهات وحركة الجهاد الإسلامي، بل وعلى حساب حمساويي غزة، خليل الحية وصلاح البردويل، وكأن "حماس" تقول: لا فرق من يقود، بل عند القرارات المصيرية، الضفة الغربية، وقطاع وغزة مصير واحد. 

خلال الأشهر الماضية، حضرت عشرات الجلسات والمؤتمرات التي كان يقودها زعيم حركة حمتس في قطاع غزة، يحيى السنوار. كنت أرى تقديرًا كبيرًا من قيادات الفصائل لحركة حماس، لعقد تلك الجلسات، على الرغم من أن "فتح" لم تحضر أغلبها. في المقابل، كم جلسة عقدت فتح في الوطن، بعيدًا عن اجتماعات الخارج والمخيمات؟ الإجابة ولا جلسة، والسبب أن قيادتها الحالية ترى نفسها أكبر، وأقوى، وأفهم، من الآخرين.

لم يكن هذا الأمر يحدث في عهد الرئيس ياسر عرفات، فعلى الرغم من التباينات الواضحة ما بين حركة فتح واليسار والإسلاميين، آنذاك، كان عرفات يجمع الجميع حوله، ويتخذ القرارات، بما فيها تلك الوطنية السياسية المصيرية، بل لم يكن يقبل أي صوت فتحاوي، قبل أصوات الفصائل الأخرى، كي لا يحسب عليه أنه قمع صوتًا أو فصيلًا لصالح حركة فتح، والسلطة الفلسطينية. لذا المطلوب أن تجلس مع الشعب الفلسطيني وقواه، وألا تنسى أنها حركة شعبوية، قبل أن تصبح حركة مؤسساتٍ، يسير خلفها الملايين.

صلاح سكيك

 

من نفس القسم دولي