دولي

صفقة ترمب.. هل ستنجح في تصفية القضية الفلسطينية؟

القلم الفلسطيني

... على الفلسطينيين التخلي عن حلمهم وحقهم في العودة وفق طموح كوشنر في صفقة ترمب من خلال مسمى دولة فلسطين، وستُعاد إليها بضعة آلاف ضمن مشروع "لمّ الشمل"، بينما تمضي أميركا في تقليص مساعداتها للأونروا على طريق إنهائها.

بعد ذلك ستتم العودة إلى خيار التوطين للفلسطينيين وخاصة في الأردن، ومنح الدول المستضيفة رشوة مجزية، وبوجود "دولة" ينتهي دور منظمة التحرير الفلسطينية بإغلاق مقرها في واشنطن، فلا حاجة للتحرير ولا لمنظمته.

الأمن الإسرائيلي هو الهمّ الأكبر للصفقة، ووجود دولة فلسطينية يلزم معه نزع السلاح منها باستثناء قوة شرطية تحرس حدود "إسرائيل"، وربما يتسع ذلك إلى محور أمني إقليمي يضمن احتفاظ "إسرائيل" بصلاحيات الأمن القصوى.

ومن ذلك أمن الأغوار، وأمن الموانئ والممرات الأمنية، وسيطرة أمنية على المياه الإقليمية والأجواء، وعلى الموجات الكهرومغناطيسية، والتعاون المشترك لملاحقة "التطرف الفلسطيني" الذي يهدد الأمن الإسرائيلي!!

لغة كوشنر المستخدمة في الترويج للصفقة تشي بأنّها صفقة تجارية، عبر الترغيب الاقتصادي للفلسطينيين باعتبار السلام الاقتصادي هو المدخل إلى الأمن، عبر معالجة لأزمات اقتصادية والترهيب بعقوبات اقتصادية وسياسية حال المعارضة للصفقة، بالإفقار الممنهج ورفع اليد عن مشروع السلطة الوظيفي.

وهذا ينسجم مع رؤية نتنياهو الذي يضع مع كوشنر دومًا اللمسات الأخيرة لملامح الصفقة؛ ولكن تخوفهم قائم من غزة الملتهبة، خاصة مع ما حدث في 14 مايو/أيار الماضي (مسيرات العودة الكبرى)، ومن هنا تتصاعد لغة معالجة حاجات غزة الإنسانية.

غزة هي الأكثر غموضًا في مشهد الصفقة التي بدأت أحاديثها تتفتق عن "غزة الكبرى" وضم أراضٍ من سيناء، ويزعم وزير إسرائيلي بأن نتنياهو يتبنى رؤية السيسي لدولة فلسطينية في سيناء؛ ذلك أن مشروع تبادل الأراضي بنطاقه الواسع غير ممكن، ويجرى التفكير الآن في نطاق ضيق مع مصر عبر إقامة منطقة حرة على حدود غزة، ستتطور بميناء ومحطة توليد طاقة ومطار، والبعض يربطها بتوسيع المنطقة العازلة في شمال سيناء إلى (1500 كم)؛ وفق محافظ شمال سيناء.

وتربط منظمة رايتس ووتش عمليات التهجير الواسعة في شمال سيناء بمشروع تبادل للأراضي يصل إلى (720 كم)، مما دفع خالد عليإلى التلويح برفع دعوى قضائية لوقف صفقة القرن ووقف تفريغ رفح من أهلها باسم الحرب على "الإرهاب".

لكن مصر -وفقاً لصحيفة جيروزاليم بوست- ما زالت تعارض هذا المشروع، ويبدو أن لا ذكر خاصًّا لها في النسخة الجديدة من مشروع تصفية القضية الفلسطينية، ولعلّ مشهد الأزمات المتلاحقة في غزة هو بيت القصيد للقبول بأي صفقة، أو ربما الذهاب في اتجاه فرض حلول بالقوة العسكرية على غزة التي تبدو الشوكة الأصلب في مواجهة صفقة ترمب.

يتزايد حراك كوشنر/غرينبلات بزيارات سرية وعلنية للرياض والقاهرة وتل أبيب لإخراج صفقة ترمب؛ وعلى ذمة غرينبلات فإن الصفقة الآن في مراحلها النهائية، ومن ذلك السعي لخلق نخب إعلامية وفكرية تسارع لترويج العلاقة مع الاحتلال عبر تطبيع مُعلَن في شتى المجالات بما فيها المجال العسكري.

وستجعل الصفقة من إيران العدو الرئيسي للعرب، وسيتم إقناع قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية بالتنازل أكثر عن مشروعهما السياسي، عبر ابتزازهما بتوفير القيادة البديلة.وبعض الأطراف العربية تتجاوب تحت وَهْم مجابهة إيران والمحافظة على الحكم، بينما تتخوف أطراف من النتائج مثل الأردن باعتبار المقدسات والوصاية الأردنية عليها ومخاطر الوطن البديل، أو إلحاق كانتونات الضفة به سواء بصيغة فدرالية أو كونفدرالية؛ بينما يبدو عباس في موقف حرج بسبب سقوط مشروعه السياسي.

لن يستطيع أي طرف أو قوة فرض صفقة ترمب على الفلسطينيين، وطالما لا يوجد طرف فلسطيني يقبل ذلك فلن تمرّ الصفقة. ويؤكد ذلك بعض الأكاديميين الإسرائيليين الذين حذروا أميركا و"إسرائيل" والأطراف العربية المساهمة في الصفقة، بأنهم سيكونون أمام الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، كما حدث حينما رفض عرفات في كامب ديفد عرضًا أكثر تقدمًا من صفقة ترمب، فرفضها الفلسطينيون وفجّروا انتفاضة الأقصى.صفقة ترمب تمس قضية فلسطين كقضية مركزية وفي القلب منها القدس، وتستهدف وعي الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بحقوقه وخاصة حق العودة؛ وذلك يستدعي إعادة الاعتبار لصناعة الوعي العام بمركزية القضية الفلسطينية، وبناء موقف فلسطيني موحَّد وصامد بمصالحة جادة في مواجهة مشروع التصفية، وكذلك استنهاض الشتات الفلسطيني، هذا فضلًا عن النضال القانوني والدولي والإنساني.

وفي الميدان؛ فإن القدس والضفة وغزة لها دور خاص في تفعيل أدوات المقاومة كافة، سواء بانتفاضة القدس أو مسيرات العودة، أو غيرهما من أساليب النضال التي هي من حق الشعوب التي تقع تحت الاحتلال. وسياسيًّا لا بد من بناء حلف القدس -كجبهة خارجية قوية- من دول وازنة، تقف في وجه الهيمنة الأميركية وفرضها لهذه الصفقة التي تنتقص من حقوق العرب والفلسطينيين.

محمد المدهون
 

من نفس القسم دولي