دولي

صفقة ترمب.. هل ستنجح في تصفية القضية الفلسطينية؟

القلم الفلسطيني

كنا قبل عام كتبنا مقالًا عن تفاصيل "صفقة القرن" ونشرناه على موقع الجزيرة، وتجنُّبا لأي تكرار فإننا نناقش تطورات هذه الصفقة في أيامها الأخيرة.

"صفقة القرن"، هذه هي العبارة الأكثر تداولًا في الأخبار هذه الأيام، ولكننا نُفضل تسميتها "صفقة ترمب" لتصفية القضية الفلسطينية، عبر مشروع صهيوأميركي منسجم مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد" المنطلق من السلام الاقتصادي؛ لبناء مشروع سلام إقليمي يدشن تطبيعًا عربيا مجانيا مع "إسرائيل"، وإعادة رسم خريطة المنطقة بخلق محور جديد ضد إيران؛ محققًا الأمن لــ"إسرائيل" وشاطبًا العمق العربي لفلسطين.

صخب إعلامي وضجيج يصم الآذان في الحديث عن "صفقة القرن"؛ فلا تكاد تخلو وسيلة إعلام دولية أو عربية أو إسرائيلية من حديث عن مشروع دونالد ترمب، وتتباين وسائل الإعلام في قراءتها للصفقة أو في عرض تفاصيلها، ويبقى الغموض سيد الموقف، ولكن جيسون غرينبلات (مبعوث الرئيس الأميركي للسلام في الشرق الأوسط) أكد في إفادته الأخيرة أن صفقة القرن في مراحلها الأخيرة للإعلان الرسمي عنها.

مصطلح "صفقة القرن" مصطلح قائم على أساس تضليلي، إذ يَسُوق موافقة طرفين أو أطراف طالما أنه "صفقة"، وكذلك يحاول تمرير أن أطراف الصراع قد حصلت على مبتغاها؛ والحقيقة هي أنها مجموعة إملاءات مفروضة أميركيًّا، تنطلق من خلال انحياز كامل من إدارة ترمب تجاه "إسرائيل".

ويرافق هذا الانحيازَ تجاهلٌ لجميع الالتزامات السابقة وخاصة قضايا الحل النهائي، وفرض وقائع إسرائيلية على الأرض، وفرض حلول على الفلسطينيين وليس التفاوض معهم، مع احتفاظ مقصود بدرجة من الغموض البنّاء وفق فلسفة الإدارة الأميركية، مع محاولات لتمرير الصفقة عبر أطراف عربية تراها إدارة ترمب الأكثر مرونة في التعاطي مع الصفقة.

"مصطلح "صفقة القرن" مصطلح قائم على أساس تضليلي، إذ يَسُوق موافقة طرفين أو أطراف طالما أنه "صفقة"، وكذلك يحاول تمرير أن أطراف الصراع قد حصلت على مبتغاها؛ والحقيقة هي أنها مجموعة إملاءات مفروضة أميركيًّا، تنطلق من خلال انحياز كامل من إدارة ترامب تجاه "إسرائيل"" 

وللأسف لم تكن البيئة العربية مواتية مثلما هي اليوم لصفقة ترمب الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، حيث تنشغل بذاتها وبعض أطرافها منشغل بالرِّدة عن حرية الشعوب، ولأول مرة تُعقد قمة عربية تبشر بمصالحة تاريخية مع "إسرائيل" دون ضمان لحقوق الفلسطينيين!!

يقوم مخطط الصفقة على فوضى المنطقة القائم وسيولتها، ومن ثم إعادة تركيبها على قواعد سياسية جديدة، عنوانها تحالف إقليمي يضم "إسرائيل" كمركز، واعتماد إيران وحركة حماس وحزب الله أعداءً، ولذلك فإنّ عنوان هذه المرحلة الآسنة هو "التطبيع" الذي تلهث خلفه دول عربية كبرى.

وفي هذه المرحلة تجري أيضا محاولات لترويض غزة، ومحاولة لاحتواء حماس وإلا فاستئصالها عسكريا وأمنيا وضرب قوى الممانعة، واقتصاديًّا بالسيطرة المطلقة على ثروات المنطقة، وفي القلب من ذلك غاز البحر المتوسط.

ومشروع التصفية هذا إنضاج لمشاريع سابقة سعت لتعزيز الحاضنة لوجود "إسرائيل"، في ظل تهديدات وجودية متزايدة، وفي ظل قناعات أميركية راسخة بالسيطرة والهيمنة على العالم، ويمر عبر بوابة السيطرة على الشرق الأوسط.

وتُوظف "إسرائيل" ذلك إستراتيجيًّا في مصلحتها لتحقيق تصفية للقضية، باستثمار وجود أصحاب توجهات عنصرية متطرفة تسكن البيت الأبيض (جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات ومايك بينس ونيكي هيلي).

إدارة دونالد ترمب اليمينية تستثمر هذه اللحظة التاريخية -بشكل متسارع- عبر إجراءات فعلية، وتطبيق صفقة ترمب حتى قبل الإعلان عنها، مع تزايد مؤشرات قرب الإعلان الرسمي عنها، فضلًا عن إعلام أميركي يقترب من الإفصاح عن ملامحها متكاملة.

ويجرى أيضا عقد لقاءات عديدة مع أطراف ذات علاقة، ومنها لقاءات عربية معلنة وغير معلنة مع بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) شخصيًّا لتنسيق المواقف، كما كشفت ذلك وسائل الإعلام. هذا إضافة إلى التسريبات الإعلامية المقصودة لتحقيق غرض التشتت وخلط الأوراق والتنظير الاستباقي والإرباك.

وبقراءة لعدد من التسريبات والإصدارات -بما فيها تصريحات كوشنر والتقرير السياسي الذي قدمه صائب عريقات- ووفقاً لموقع "ميدل إيست آي" الذي قال إن واشنطن سلمت مشروع الصفقة لمحمود عباس (أبو مازن)؛ فإن ملامح الرؤية الأميركية لمشروع ترمب الصهيوأميركي لتصفية القضية الفلسطينية والمعروف بـصفقة القرن قائم على مسارات متعددة سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا.

وذلك عبر شطب القضايا الكبرى وعدم إخضاعها للتفاوض أو لوجهات نظر متعددة، ومن ذلك قضايا: القدس وحق العودة واللاجئين والمستوطنات وتبادل الأراضي والحدود وغور الأردن والسيادة على مناطق (أ وب وج)، وجميعها خاضعة للرؤية الصهيونية اليمينية، ولا تلبي أقل من الحد الأدنى فلسطينيًا، في تجاهل استعلائي للحق الفلسطيني والعربي، وتجاهل أيضا للقرارات الدولية والقانون الدولي الإنساني.

"بقراءة لعدد من التسريبات والإصدارات -بما فيها تصريحات كوشنر والتقرير السياسي الذي قدمه صائب عريقات- ووفقاً لموقع "ميدل إيست آي" الذي قال إن واشنطن سلمت مشروع الصفقة لمحمود عباس (أبو مازن)؛ فإن ملامح الرؤية الأميركية لمشروع ترامب الصهيوأميركي لتصفية القضية الفلسطينية والمعروف بـصفقة القرن قائم على مسارات متعددة سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا" 

صفقة ترامب تُسقط حل الدولتين، وتجعل القدس "عاصمة إسرائيل" وخارج الحسابات الفلسطينية، وتعويضها بـ"أبو ديس"، والغموض هو سيد الموقف بشأن الأماكن المقدسة مع حفظ حق العبادة، فحائط البراق مصلى لليهود، والمسجد لصلاة المسلمين، والنصارى يعتمدون "درب الصليب".

ومن ذلك ضم الكتل الاستيطانية في الضفة لـ"إسرائيل" بنسبة تصل إلى (15%)، ويكفي للدولة الفلسطينية مناطق (أ وب) على شكل كانتونات، وفي المقابل يتم إقرار فلسطيني/عربي بيهودية "إسرائيل"، وما تبقى من فتات قضايا الحل النهائي يخضع للتفاوض مجددًا

.............................................. يتبع

محمد المدهون

 

من نفس القسم دولي