دولي

الدور التركي في القدس وانعكاسه على علاقة "إسرائيل" وتركيا

وسائل الإعلام الإسرائيلية تعتبر أردوغان القوة المحركة وراء الأنشطة التركية في القدس

لا زالت العلاقة مع الدولة التركية أمراً ذو أهمية بالنسبة لـ "إسرائيل"، على الرغم من تقدمها ونموها على صفيح ساخن، حيث إن التعاون العسكري والتجاري بين الدولتين والذي يمتد لأكثر من 60 عاماً ليس بدعة حزب العدالة والتنمية، وبالتالي لا يمكن لهذه التوترات المؤقتة نسبياً والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالساحة الفلسطينية وقضيتها أن تضع نقطة النهاية لتلك العلاقات.

لم تخلُ الآونة الأخيرة من التصريحات التي تحمل في طياتها تخوفات إسرائيلية – كانت حبيسة الصدور- حول زيادة النشاط والنفوذ التركي في مدينة القدس المحتلة، والذي بدوره يعزز من التأييد لتركيا في ظل التراجع الملحوظ لشعبية الدول العربية، ولاسيما الأردن صاحب الوصاية على المسجد الأقصى، فعلى ما يبدو بأن مذاق وجبات الإفطار التي تقدمها وكالة الإغاثة التركية "تيكا" خلال شهر رمضان  في باحات المسجد الأقصى لم تنل إعجاب قادة المؤسسة الإسرائيلية وآخرين، فبدورها تسعى الأخيرة وبشكل حثيث إلى تقييد وتقنين دور تلك الوكالة وقريناتها ذات الصبغة التركية، من العمل بحرية في الأراضي المحتلة بشكل عام والقدس على وجه الخصوص.

قد يتبادر إلى ذهن القارئ عن ماهية وطبيعة النشاطات التي تقدمها الحكومة والجمعيات الخيرية التركية في القدس؟ سوف أذكر هنا ما استطعتُ جَمعهُ وتِبيانه من نشاطات وفعاليات للمؤسسات التركية غير الحكومية، ناهيك عن المواقف الحكومية التي لا مجال لذكرها في هذا المقال:

أولاً: لا يخفى على أحد في أصقاع الأرض المواقف الحكومية التركية وما تلتها من أفعال وخطوات تصب في صالح القضية الفلسطينية، حيث لعبت القيادة التركية دوراً بالغ الأهمية على المستوى الدولي والمحلي وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي، ومحاولتها في بلورة وتشكيل موقف عالمي موحد ضد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، حيث كان آخرها طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة بصورة مُهينة في أعقاب المجزرة التي نفذتها "إسرائيل" بحق المتظاهرين على الحدود في قطاع غزة يوم 14/5/2018.

ثانياً: شكل قرار هيئة الشؤون الدينية التركية في عام 2015 الذي يقضي بإدراج المسجد الأقصى ضمن برنامج المعتمرين الأتراك قبل التوجه إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة، - وإن كان في ذلك نقطة خلاف بين المجتهدين - إلا أنها تشكل خطوة دعم مهمة لمدينة القدس على وجهه الخصوص.

ثالثاً: علاوة عما ذكر، جاءت قرارات شركات الطيران والسياحة التركية القاضية بتخفيض أسعار تذاكر السفر إلى القدس خطوة داعمة أيضاً، وذلك بهدف تمكين أكبر عدد من الأتراك من زيارة القدس والمسجد الأقصى، وقد لاقت هذه الخطوة الدعم من الحكومة ورواد شبكات التواصل الاجتماعي.

رابعاً: تنفيذ بعض النشاطات والفعاليات من الجمعيات الخيرية التركية الناشطة في جميع أرجاء العالم، مثل تقديم وجبات الإفطار للصائمين والمعتكفين في المسجد الأقصى طيلة أيام شهر رمضان، وإقامة الأمسيات الثقافية، ومبادرات غرس الزيتون في القدس والتي دعت لها جمعية "الشباب الواعد في تركيا"، وتمثل هذه النشاطات جملة تحديات لـ "إسرائيل" والتي تسعى الى قطع الأواصر بين القدس والمسلمين، وإنهاء أي مَعلم إسلامي على قدمٍ وساق.

ذلك كُلهُ أثارَ حفيظة "إسرائيل"، ودفعها لإعلان مواقف علنية آخذة بالتصاعد كانت قد أخفتها المصالح تجاه تلك الأنشطة المعلنة، ولكن الذي يدور في الأروقة السياسية يتمثل بجملة من المخاوف الإسرائيلية حول استغلال الحركات الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس لهذه الجمعيات، بهدف نقل الأموال الى الضفة الغربية، حيث تعتبر "إسرائيل" بأن تركيا هي الطريق الأسهل بالنسبة لتلك الحركات في نقل أموالها، وكان قد ارتفع منحنى التصريحات عقب اعتقال الفتاة التركية "إبرو أوزكان" تحت ذرائع واهية ومضحكة، إلا أن لها انعكاسات ليست بالهينة في المستقبل القريب.

وسائل الإعلام الإسرائيلية – والتي بدورها تعتبر الرئيس رجب طيب أردوغان القوة المحركة وراء الأنشطة التركية في القدس - لم تعد تخفي هي أيضاً قلقها من تعاظم الدور التركي، حيث كشفت النقاب عن خطة أطلقت عليها اسم "خطة بالدُرج" والتي أعدها مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بهدف الحد من النفوذ والنشاط التركي بالمدينة المحتلة وبساحات المسجد الأقصى، هذا يعني بأننا سنشهد في الأيام القادمة خطوات عملية وقرارات حكومية بهذا الصدد منها :

تكثيف إصدار قرارات الاعتقال والاستجواب بحق النشطاء والزائرين الأتراك أثناء عودتهم إلى بلادهم وإلزام الزوار الأتراك بعددٍ معين من الأيام لزيارة القدس، كما حدث مع الفتاة "إبرو أوزكان" والتي اعتقلت في الحادي عشر من حزيران الماضي، أثناء عودتها إلى بلادها بحجة تعريض أمن الدولة للخطر وبناء علاقة ونقل أموال الى منظمة إرهابية.

تقييد أنشطة بعض المؤسسات والجمعيات التركية العاملة في القدس، وتضييق الخناق عليها، مثلما حصل مع مؤسسة تيكا التركية والتي تتهمها "إسرائيل" بالتواصل مع شخصيات لها علاقة بالحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة.

فرض شروط ومعايير خاصة معقدة وملزمة يتم من خلالها منح التصاريح والسماح للجمعيات والمنظمات التركية بإقامة نشاطات وفعاليات داخل القدس، وفرض غرامات باهظة على المخالفين للتك الشروط.

فتح المجال أمام منظمات ومؤسسات عربية أخرى منافسة تحظى بدعم مالي ضخم، كبديل للجمعيات التركية الناشطة في القدس.

ختاماً، إن ما يقع على عاتقنا نحن كفلسطينيين في هذه الجزئية هو التأييد والدعم لمثل هذه الفعاليات والأنشطة التي تهدف بشكل رئيسي إلى تعزيز صمود المواطن المقدسي في أرضه - وإن اقتصر ذلك على تعليق صورة صغيرة للمسجد الأقصى في ساحة عامة- ، بصرف النظر عن الدولة ولونها أو موقفنا الشخصي من الحزب الحاكم، والابتعاد عن المناكفات السياسية داخل الساحة الإقليمية والتي تؤثر بالسلب على مستقبل قضيتنا العالمية.

 

من نفس القسم دولي