دولي
جولة المصالحة الفلسطينية في القاهرة: هل هناك مبرر للتفاؤل؟
الطموحات تتخطى مجرّد رفع العقوبات
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 09 جولية 2018
تبدو مهمة مصر في إعادة إحياء المصالحة الفلسطينية بين حركتي "حماس" و"فتح" صعبة للغاية، في ظل الافتراق الواضح بين طرفي الانقسام الفلسطيني، وفي ظل المؤشرات القوية إلى أنّ جزءاً من "صفقة القرن" يستدعي عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة. وسبق لمصر أن دعت رسمياً حركة "حماس" لزيارة قريبة إليها، ومن المتوقع أنّ يكون على رأس الوفد رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية.
كذلك قام وفد من "فتح" بزيارة لأيام للقاهرة، وجرى بحث معمق بين الطرفين في حينه عن المصالحة والأوضاع السياسية المتدهورة. لكن "حماس" التي تسيطر على غزة منذ 11 عاماً، لن تسلم بسهولة بإنهاء حكمها حتى لو حصلت على جزء مما تريده، وأيضاً فإنّ للسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" هاجسا كبيرا من سلاح المقاومة في القطاع بخاصة سلاح حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
واتسعت في الأشهر الأربعة الماضية الهوة بين الطرفين عقب التفجير الذي استهدف موكب رئيس الحكومة رامي الحمدالله، شمال غزة، وتبادل الاتهامات بين الطرفين والتي أوصلت الأوضاع الداخلية إلى قطيعة شبه تامة، مشابهة تلك الفترة التي تلت الانقسام الفلسطيني مباشرة.
وبالنسبة لمصر، فإنّ لديها رغبة في الوصول إلى صفقة شاملة، منها المصالحة ومنها تبادل الأسرى ومنها تمكين الحكومة الفلسطينية في غزة ووقف المسيرات على الحدود، لكن أيضاً دون ذلك عوائق كبيرة في كل ملف منها، إذ إنّ تداخلها سيجلب تعثراً على أرض الواقع. ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ "مسؤولي ملف فلسطين في الاستخبارات المصرية جرى استبدالهم وتغييرهم قبل أسبوعين، ما يعني تعاطيا جديد مع الملف الفلسطيني، وأعيد اللواء أحمد عبد الخالق لقيادة الملف وهو الذي كان بقيادته في أوقات سابقة".
وعن هذا الموضوع، ذكرت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد" أن "التغيير الذي طرأ على تشكيل قيادة الملف الفلسطيني بجهاز الاستخبارات العامة لا يحمل توجهاً مصرياً جديداً تجاه القضية الفلسطينية، بقدر ما يمثل هيكلة جديدة للملفات الرئيسية بالجهاز، بعد تولي اللواء عباس كامل قيادة الجهاز بشكل رسمي وأدائه اليمين، بدليل أنه تم أيضاً تغيير مسؤولي الملف الليبي في الجهاز وليس الفلسطيني فقط". وأوضحت المصادر أن "كامل فضّل الاعتماد على قيادات جديدة، تتبع أسلوبه هو في الإدارة لكون مسؤولي الملف السابقين محسوبين على اللواء خالد فوزي رئيس الجهاز السابق، وهما اللواء همام أبو زيد واللواء سامح كامل. كما أنه فضّل الاعتماد على قيادات لا تدين بالولاء لغيره".
وتفهم مصادر فلسطينية معنية بجلسات المصالحة المقبلة من هذا التغيير، أنّ "مصر ترغب في إحراز تقدم حقيقي في ملف المصالحة، وتغيير المسؤولين عن الملف، في إشارة إلى حقيقة أخرى، لها علاقة باعتقاد المسؤول السابق عن الملف بأنّ حماس قدمت ما لديها للمصالحة وأنّ فتح هي التي تأخرت، وربما يكون هذا التغيير لإرضاء السلطة وحركة فتح".
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي في غزة، طلال عوكل، أنّ "الجولة المقبلة من الحوار الخاص بالمصالحة الفلسطينية بمثابة الفرصة الحقيقية والفرصة الأخيرة لكلا الطرفين، في ظل الظروف الصعبة التي تعصف بالقضية الفلسطينية".
وأوضح عوكل لـ "العربي الجديد" أن "الظروف الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية وتحديداً صفقة القرن والحراك الأميركي الذي يعمل بقوة حالياً تحت عنوان غزة، ومحاولة تقديم خيارات ذات طبيعة سياسية تجعل المواطن والمسؤول لا يستطيعان رفضها، تتطلب مصالحات فلسطينية داخلية ووقفة حقيقية للتصدي للصفقة".
و"تملك حركة حماس اليوم خيارات وأوراقا بعد استعداد إسرائيل لإبرام اتفاق غير مباشر معها لتخفيف الحصار أو رفع الحصار مقابل جنودها الأسرى، في الوقت الذي لا يمتلك الطرف الآخر أية أوراق إلا ورقة الشرعية وتحديداً حركة فتح والسلطة"، وفق عوكل.
ورأى أن "هناك تبدلاً نسبياً في الظروف لمصلحة حركة حماس من الجولة السابقة للمصالحة والتي كانت الظروف عموماً لمصلحة فتح، إذ إنّ حماس تشعر اليوم بأنها ليست مأزومة وأن لديها أوراقا". واعتبر أنه "وفقاً لتحليل منطقي لكل الظروف التي تعيشها القضية الفلسطينية، فإن النسبة الإجمالية لنجاح المصالحة تكون أكثر من 50 في المائة من خلال البدء بتنفيذ الاتفاق بشكل كامل بعيداً من الاشتراطات".
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي إبراهيم المدهون أنّ "الأوضاع في ملف المصالحة الفلسطينية ما زالت معقّدة ولن تخرج عن المحاولات المصرية التي ستُجرى خلال الفترة المقبلة أية نتائج ملموسة على الأرض". وأضاف المدهون لـ "العربي الجديد" أن "هناك محاولات كثيرة، وعلى كثرتها وتعددها إلا أنها غير قادرة على القيام بحلول جذرية، وذلك بسبب رئيسي يرجع إلى تدخلات الاحتلال الإسرائيلي في هذا الملف".
ولفت المدهون إلى أن "هذه المحاولات تصطدم، برغبة الاحتلال الإسرائيلي في الإبقاء على حالة الانقسام الداخلي وعدم تحقيق الوحدة الفلسطينية، كونه المعني بالإبقاء على هذه الحالة من أجل الاستمرار على الواقع الحالي وإبقاء حالة الضغط الاقتصادي على غزة من أجل تعزيز الضغط على حركة حماس".
وأشار إلى أن "هناك صعوبات كثيرة تعترض طريق إتمام المصالحة الداخلية إلى جانب التدخل الإسرائيلي، وهي إفرازات 12 عاماً من الانقسام التي أظهرت الكثير من الأمور التفصيلية بالإضافة إلى الاشتراطات لدى كل طرف. فالسلطة تشترط التمكين وحركة حماس تشترط استيعاب الموظفين الذين جرى تعيينهم بعد عام 2007".
وعن الاشتراطات التي وضعتها حركة "حماس" أخيراً والتي كان أبرزها رفع العقوبات عن القطاع من أجل البدء بجولة جديدة، اعتبر المدهون أن "الرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يوافق عليها أو غيرها". ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ "وفد حركة فتح الذي زار القاهرة قبل أيام أبلغ السلطات المصرية رسمياً أنّ السلطة لن ترفع الإجراءات (العقوبات) عن القطاع قبل تمكين الحكومة بشكل حقيقي وكامل، ولن تكون هناك بادرة حسن نية في هذا الملف بالذات".