دولي

هكذا تحدث كوشنر عن صفقته «التجارية»!!

القلم الفلسطيني

لعلها المرة الأولى التي يُتاح لنا من خلالها الاطلاع مباشرة على أفكار جاريد كوشنر -مستشار وصهر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب- فيما خصّ الملف الفلسطيني، لا سيما أنه المهندس الظاهر لما بات يعرف بـ «صفقة القرن».

نتحدث هنا عن الحوار المطوّل الذي منحه كوشنر لصحيفة «القدس» المقدسية، والذي نشر قبل أيام، وكشف من خلاله عن أفكاره بعد الجولة التي قام بها في المنطقة بصحبة مبعوث ترمب الآخر (غرينبلات).

في الحوار، قال كوشنر بالنص: «لا أريد التحدث عن تفاصيل الصفقة التي نعمل عليها، ولكن كما قلت في خطابي في القدس، إنني أؤمن بأنه من أجل الوصول إلى اتفاق، سيكسب الطرفان أكثر مما يعطيان، وسيشعران بالثقة بأن حياة شعبيهما ستكون أفضل حالاً بعد عقود من الآن، بسبب التنازلات التي يقدمانها».

منذ بداية الحوار وحتى منتهاه، يتضح أن كوشنر يتحدث عن صفقة «تجارية»، وهي كذلك فقط من جانب الفلسطينيين، وليس من الجانب الإسرائيلي، إذ على الفلسطيني أن يقدم تنازلات من أجل العيش، لأن العيش في الطرف الآخر «رغيد» بالطبع، لا سيما أنه يضيف إلى تقدم الاقتصاد وضعاً أمنياً مميزاً توفّره له سلطة الحكم الذاتي القائمة راهناً.

وبكل فجاجة، يذهب كوشنر إلى افتراض أن هذا الطرح (الاقتصادي) مقبول من طرف الشعب الفلسطيني، وهو افتراض يضيف الوقاحة إلى الجهل، لأن الشعب الفلسطيني لم يعرض قضيته يوماً في سوق المساومة التجارية، وإذا كانت فئة منه قد قبلت بهذه اللعبة على نحو ما عبر سلطة تقدم الخدمات الأمنية للاحتلال مقابل العيش، فإن جماهير الشعب لم ولن تقبل ذلك بحال.

يقول كوشنر: «أعتقد أن الشعب الفلسطيني أقل اكتراثاً بنقاط الحوار بين السياسيين، وأكثر اهتماماً ليرى كيف ستوفر هذه الصفقة له وللأجيال المقبلة فرصاً جديدة، والمزيد من الوظائف ذات الأجور الأفضل، وآفاق الوصول إلى حياة أفضل»، ثم يكرر مؤكداً: «نقاط الصفقة الفعلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن الخطة الاقتصادية التي نعمل عليها يمكن أن تظهر ما يأتي كجزء من صفقة، عندما يتم تحقيقها مع بعض الاستثمارات الضخمة التي تمتد إلى الشعبين الأردني والمصري أيضاً»، أي أنه هنا يساوم الأردنيين والمصريين أيضاً، وبالذات الأردنيين، لأن جوهر أطروحاته قد يكرّس مؤامرة الوطن البديل لاحقاً.

وحين سألته الصحيفة مرة أخرى عن الجانب السياسي للخطة، أجاب: «القضايا الأساسية التقليدية ضرورية، ونركز عليها بشكل مكثف، مع تقديرنا الكبير للاختلافات التاريخية بين الجانبين. نحن ملتزمون بإيجاد حزمة من الحلول يمكن للطرفين العيش معها»، لكنه يعقّب أيضاً ومباشرة قائلاً: «مجرد حل القضايا الأساسية دون خلق مسار لحياة أفضل لن يؤدي إلى حل دائم».

من يقرأ ما ورد آنفاً، والحوار الطويل مع كوشنر، يدرك أنه مجرد تلميذ صغير في مدرسة نتنياهو («هآرتس» قالت الأحد إن تفاصيل الصفقة (السياسية) كلها مأخوذة من أفكار نتنياهو)، ذلك أن فكرة «السلام الاقتصادي» هي فكرة نتنياهو منذ أكثر من عقدين، ما يشير هنا إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أن «صفقة القرن» قد لا تكون نهائية، إذا تعذر تمريرها، بل مرحلية بذات الصيغة التي طرحها نتنياهو قديماً، أي أن القيادة الفلسطينية، ومن ورائها الأنظمة العربية، قد لا تكون مضطرة إلى إعلان القبول بالتنازل عن القدس على سبيل المثال، إذ يمكن الحديث عن تركها إلى مرحلة لاحقة تبعاً لحساسيتها مع استمرار تهويدها، ومعها قضايا أخرى، مثل مساحة الأرض والسيادة (قضية اللاجئين خارج التداول طبعاً باستثناء مبدأ التعويض)، والانشغال بقصص الاقتصاد والاستثمار، ليتحوّل المؤقت بمرور الوقت إلى دائم، وهو هنا ذات طرح شارون «الحل المرحلي»، الذي سمّاه نتنياهو «السلام الاقتصادي». وفي الأثناء، يجري تطبيع علاقة الكيان مع الدول العربية، ويصبح الصراع مجرد نزاعٍ حدودي لا أكثر (يسمّى ذلك «الحل الإقليمي» أحياناً).

هذا بالطبع ينسجم أكثر مع جوهر الطرح الصهيوني العقائدي، لأن نتنياهو لن يقبل الاعتراف بأي شبر من الضفة الغربية كأرض فلسطينية، لأن ذلك ينسف الرواية الدينية للصراع، وكل ما هنالك هو أن يُترك للفلسطينيين أمر إدارة أنفسهم. هذه صفقة حقيرة وخطيرة، في حين قد يروّجها البعض بوصفها مرحلية لا تنطوي على تنازل عن الثوابت، فالحذر الحذر، وعلى الشعب الفلسطيني أن يكون مدركاً لحقيقة المؤامرة، سواء كانت نهائية أم مرحلية.

ياسر الزعاترة

 

من نفس القسم دولي