دولي

حماس.. المواجهة أم الحوار؟

القلم الفلسطيني

يحتاج تحقيق الأعمال الوطنية الكبيرة إلى التخطيط والجهد في التفكير للوصول إلى الأهداف بأسرع وقت، وأقل جهد ممكن، فضلا عن دراسة إمكانية تحقيق هذه الأهداف في الوقت المناسب لذلك.

والشعب الفلسطيني الذي يملك قضية كبيرة وعظيمة، قضية تتحصن بكثير من الحق، تملك أقوى أوراق هذه القضية، وهي اللاجئين، إلا أننا لم نعد نرى لهذه القضية موقعا متقدما في النشاط السياسي للقوى والفصائل، فضلا عن سلطة الحكم، وذلك على الرغم من أن قضية اللاجئين باتت في مقدمة أجندة الاستهداف الدولي من خلال الجهود المخططة والمتدرجة لتصفية أكبر شاهد على النكبة الفلسطينية، وهي منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا). 

وذلك فيما يحتفل العدو بمرور 70 سنة على إقامة كيانه المزعوم فوق الأراضي الفلسطينية المغتصبة، يتناسى الفلسطينيون أن عدداً من الأجيال تعاقبت في العالم طوال هذه السنوات السبعين، ما بات يفرض علينا بذل مزيد من الجهود في توعية أجيال العالم المتعاقبة في العالم بهذه القضية، عبر إثارتها في كل المحافل الدولية والمؤتمرات، ووضعها في مقدمة جدول المؤتمرات العربية والإسلامية.

قد تجد أجيال العالم الصاعدة، والتي تربت على ثقافة الأكشن الأميركية، في المعاناة اليومية وشلال الدم النازف، ضالتها، وهي تتابع قضية احتلال الأرض بالقوة القهرية والمعاناة اليومية المصاحبة لها، ما يستلزم تسليط العدسات إليها باستمرار، ما يتطلب مزيدا من الجهود الإعلامية المنظمة الموصلة إلى إصدار جملة من القرارات الدولية الملزمة، أو على الأقل المحرجة للعدو وأعوانه.

المبادرة في عالم متحرك هو أبسط مبادئ أي قيادة سياسية ناجحة في عالمنا المعاصر، لإرغام الآخرين على ردة الفعل المطلوبة، من دون الالتفات إلى تعليقات الآخرين. 

وقد يسعى العدو بطرق مباشرة أو عبر وسطاء إلى جر حركة حماس نحو معارك الحوار واللقاءات غير العلنية، والمحادثات البناءة عبر وسطاء، يبدون كأنهم حلفاء، لكنهم ليسوا كذلك.

ولأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أهم لاعب أساسي على الساحة الفلسطينية، وبات المهتمون بصناعة الأحداث في المنطقة يعترفون بدورها، ويسعون إلى إشراكها، بل توريطها في النشاطات الدبلوماسية، يجب أن تسعى "حماس" إلى استثمار جماهيريتها وحضورها الشعبي، وأوراق قوتها في المحافل الدبلوماسية، لتحقيق إنجاز سياسي يلبي متطلبات المقاومة في وقتٍ لا تغفل فيه حاجات الشعب.

لا يعتبر شعبنا الفلسطيني، بكل مكوناته، المقاومة بحد ذاتها، هدفا، بل مجرد وسيلةٍ مهمةٍ نحو التحرير واستعادة الحقوق.

واستنادا إلى تجارب العدو المريرة مع المقاومة، ربما بات يكفي "حماس"، ومعها مختلف القوى والفصائل، التلويح بقوة بهذه الورقة، لتحقيق إنجازات من دون الحاجة إلى الاستماع إلى قرقعة تلقيم المدافع والبنادق.

قادت الجرأة التي صاحبت قرار تفجير الحدود مع مصر إبان عهد حسني مبارك إلى حراك سياسي ودبلوماسي، أفشل جهد سنوات من الحرب والحصار لإخضاع المقاومة، وربما حان الوقت لموجة أخرى من القرارات الجريئة غير المتهورة.

تقود "حماس" اليوم أوسع حراك شعبي منذ سنوات، ونعني مسيرات العودة التي باتت اليوم في أوج نشاط سياسي على مستوى المنطقة، وتتبوأ موقع متقدم في واجهة البرامج الإخبارية ليس حول أعمال المقاومة فقط، وإنما أيضا بشأن القضايا السياسية التي أثارتها الجهود الأميركية المحمومة، في إطار تنفيذ ما تسمّى صفقة القرن. 

وقمة النجاح في قطف ثمار مسيرات العودة اليوم هو الارتكاز في الحوار السياسي مع العدو وأعوانه، على قاعدة سياسية وطنية مكونة من مجموع قوى وفصائل المقاومة، وعدم تكرار تجربة حركة فتح بالتفرد بارتكاب أكبر وأخطر خطيئة تدميرية بحق قضيتنا الفلسطينية منذ سنة 1948، وهي التوقيع على اتفاق أوسلو، بمعزل عن المجموع الوطني الرافض لها. 

كما يجدر العمل على تجسيد الوحدة الوطنية الحقيقية، وتجاوز الانقسام الذي تتكئ عليه حركة فتح في استمرار سلطة العار والتنسيق الأمني في رام الله، على الرغم من انتفاء المبررات الوطنية لوجودها.

صحيح أن الساحة الدولية أغلقت أمام الفلسطيني، بفعل الانحياز السافر للإدارة الأميركية لجانب إسرائيل، وهيمنة يمين صهيوني على مراكز صناعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وتزامن ذلك مع تراجع الدور الأوروبي، الباهت أصلاً، وانصراف الروسي إلى أولويات أخرى جعلته أقرب إلى الأجندة الإسرائيلية. وصحيح أن ما جرى من خرابٍ في الساحة العربية أصاب القضية الفلسطينية في مقتل، وقد تخلى عرب كثيرون عن قضيتهم الأولى، صاغرين أو مجبرين، لكن كل هذا العطب في الساحتين الدولية والعربية لا تكفي مواجهته بالحرد أو الصمت. 

على القيادة الفلسطينية، أو بتعبير أصح على الممسكين بزمام القرار الفلسطيني، مغادرة مربعات الحرد والصمت، والتحرّك بالفعل الحقيقي لوقف جرافاتٍ تسعى إلى تسوية الحقوق الفلسطينية بالأرض، وإحالة الفلسطيني إلى متسوّل أقصى مطالبه "فتح معبر" أو "فرصة عمل". وخطة التحرّك الفلسطيني ينبغي أن تبدأ أولاً بمصارحة الشعب الفلسطيني بحقيقة ما يجري في الكواليس وفي الغرف المغلقة، وعدم التغطية على الدول العربية المتورّطة في صفقات تصفية القضية الفلسطينية، فالصمت على الدول المتورطة بتصفية الحقوق الفلسطينية مشاركة بالجريمة، مشاركة بالتواطؤ. أما التغطية على المواقف العربية المتخاذلة، من قبيل زعم الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة "إن الموقف العربي أجهض ما تسمى صفقة القرن" فهو تورّط كامل، فليس سراً أن دولاً عربية وازنة تقف في الخندق الأميركي الإسرائيلي، للتخلص من القضية الفلسطينية، بل وتطالب الفلسطيني بقبول الفتات أو "يخرس". واستنكار الصمت هنا لا يخص قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بل يمتد الى السلطة الحاكمة في قطاع غزة، إذ من غير المقبول من حركة حماس "الصيد في المياه العكرة"، أو الاكتفاء بالحرد لتحقيق مكاسب فصائلية على حساب الثوابت والحقوق الوطنية.

كما ينبغي شروع كل المجموع الوطني، في مختلف أماكن وجوده، في حوار استراتيجي لتبني مشروع وطني موحد واضح المراحل والجداول الزمنية، على مختلف المستويات، مع مراعاة الخيارات المختلفة، والسير بها بشكل متواز.

عماد عفانة

 

من نفس القسم دولي