دولي
صفقة القرن في مهب الخلافات والمنافسة العربية
رشّحت "هآرتس" مصر باعتبارها الطرف الذي من شأنه قبل غيره إفشال صفقة ترامب
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 26 جوان 2018
حكومة الاحتلال تتجه لتغذية النزاع الفلسطيني الداخلي عبر العقوبات على موظفي غزة
حتى قبل إعلان خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب "لتسوية" النزاع الإسرائيلي العربي الفلسطيني، التي يُطلق عليها "صفقة القرن"، بدأت تطفو إلى السطح خلافات عربية-عربية داخل المعسكر المسمى إسرائيلياً "محور الدول العربية السنّية" المؤيدة مبدئياً لخطة ترامب، من شأنها في حال تفاقهما أن تؤدي إلى إفشال الخطة الأميركية.
وقد يكون هذا كله وارداً في الحسبان بمعزل عن الموقف الفلسطيني المناهض للخطة، الذي من شأنه لوحده أن يُفشل الخطة، التي أقرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الجمعة، أنها لا تستوفي الشروط الدنيا المقبولة فلسطينياً، لافتة إلى أن الخطة تتحدث عن أقل من دولة، وعن إعلان قرية أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية.
ويأتي ذلك في ظل الترويج الإسرائيلي لتنازلات عربية عن "المبادرة السعودية" التي اعتُمدت في قمة بيروت العربية عام 2002، وهو ترويج مدعوم بتسريبات لتصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشأن إمكانية التنازل عن القدس المحتلة في سياق صفقة شاملة. بينما رشّحت صحيفة "هآرتس"، عبر محللها للشؤون العربية، تسفي برئيل، دولة مصر باعتبارها الطرف الذي من شأنه، قبل غيره، إفشال صفقة ترامب، على خلفيتين، الأولى موضوع إعمار غزة وبناء مشاريع تنموية واقتصادية في سيناء لخدمة قطاع غزة والاقتصاد المصري، مقابل تعاون سياسي مع حركة "حماس" وسلطتها في القطاع، والثانية إفشال الخطة برمتها في حال أصرّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على رفض الدعوات المصرية لإتمام المصالحة الفلسطينية.
ويلتقط برئيل موضوع القدس، وتصريح المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، بعد لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري ومدير المخابرات المصرية عباس كامل، مع المبعوثين الأميركيين جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات، ليشير إلى أن مصر لا تؤيّد الفكرة السعودية بأن تكون أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية.
ومع أن كوشنير زعم في مقابلة مع صحيفة "القدس" الفلسطينية أن الانطباعات التي خرج بها من لقاءاته في العالم العربي هي أن الدول العربية تتحدث عن دولة فلسطينية عاصمتها القدس، إلا أنه من الواضح أن التباين في مواقف دول "المحور السنّي" على خلفيات أخرى قد تكون السبب الأساسي في إحباط "صفقة القرن" حتى قبل طرحها.
فإلى جانب الفوائد التي تخدم المصالح الاقتصادية والسياسية المصرية التي تحدث عنها برئيل، في ظل التعاون المتعاظم بين سلطة "حماس" وبين نظام عبدالفتاح السيسي، فإن لمصر حسابات أخرى تتعلق باحتمالات التأثير سلباً على مسار التجارة البحرية من قناة السويس، خصوصاً أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير المواصلات في حكومته يسرائيل كاتس، عمدا أمس إلى تكرار الإعلان بشكل بارز وملفت عن اتفاق على إطلاق مشروع سكة حديد بين إسرائيل والسعودية، عبر الأراضي الأردنية، كجزء من مظاهر التقارب بين إسرائيل ودول "المحور السنّي المعتدل"، وللتدليل على الفوائد المحتملة للطرفين والمقدّرة بأكثر من مئتي مليار دولار، بحسب زعمهما. لكن نتنياهو وكاتس تجاهلا، عن سابق إصرار، حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد أعادت تشغيل وتوسيع خط سكة الحجاز التاريخية في المقطع الواصل بين حيفا وبيسان القريبة من الحدود الأردنية في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2016. كذلك تجاهل الاثنان أن حركة النقل البري بين إسرائيل والأردن قد تعاظمت عشرات المرات منذ تعطل حركة النقل والتجارة البرية بين الأردن ودول الخليج وتركيا عبر الأراضي السورية، وتحوّل ميناء حيفا ليصبح الميناء الرئيس الذي يتم عبره منذ سنوات نقل البضائع والصادرات التركية إلى الأردن ودول خليجية، ونقل الصادرات الخليجية إلى تركيا وأوروبا عبر عمّان.
ويشي إبراز هذا التصريح الصادر عن كاتس ونتنياهو بمحاولة إسرائيلية لتوجيه رسالة إلى مصر، التي ترفض وضع قيود على حركة نقل البضائع منها إلى غزة عبر معبر رفح، وتصر حالياً على تقاطع مصالحها الأمنية في سيناء مع مصالح حركة "حماس" في كسر الحصار الإسرائيلي. الرسالة الإسرائيلية هي أن بإمكان إسرائيل والسعودية التوصل إلى اتفاقيات تجارية، ولو عبر طرف ثالث، من دون الحاجة إلى توقيع اتفاقيات ثنائية، لتعزيز حركة النقل البري عبر الأردن إلى ميناء حيفا، ومنها لأوروبا، بشكل قد يؤثر سلباً على العائدات المصرية من مرور التجارة البحرية للسعودية من قناة السويس.
في المقابل، فإن برئيل أشار أيضاً إلى عقدة القدس ومكانتها من وجهة النظر الأردنية، باعتبار المكانة الخاصة للأردن في القدس المحتلة أحد مصادر شرعية النظام الأردني. ولفت إلى أنه على الرغم من تطمينات نتنياهو في زيارته السرية الأسبوع الماضي إلى عمّان بالتزام إسرائيل بالمكانة الخاصة المنصوص عليها في الاتفاق الأردني الإسرائيلي، إلا أن الأردن يتخوّف من قيام إسرائيل بمنح مكانة مشابهة للسعودية، بما ينهي "وحدانية" المكانة الخاصة التي يتمتع بها النظام الهاشمي، من وجهة النظر الإسرائيلية على الأقل، في الحرم القدسي وفي بقية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.
وتتجه حكومة الاحتلال في المرحلة الحالية، إلى تغذية النزاع الفلسطيني الداخلي، عبر إبراز خطوة العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية في رام الله على موظفي غزة، واستغلال التوتر الحاصل بين سلطة رام الله وبين دول "الرباعية العربية"، خصوصاً مصر، التي تضطلع بدور متعاظم في كل ما يتعلق بقطاع غزة ومشاريع إعادة الإعمار، أو إطلاق مشاريع تنمية بدعم أميركي وتمويل خليجي، وسط تفاهم ضمني أو غير رسمي مع سلطة "حماس" في غزة، مقابل موقف المقاطعة الذي تتبنّاه السلطة الفلسطينية في رام الله.
الخارجية الفلسطينية تهاجم كوشنر: جاهل بالتاريخ ومتجاهل لحقائق الصراع
إلى ذلك أكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أن تصريحات ومواقف جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، "تنم عن جهل مُطبق بحقائق التاريخ وتجاهل متعمد لحقائق الصراع".
وقالت خارجية فلسطين، في بيان لها وصلت نسخة عنه إلى "العربي الجديد"، إن "تصريحات كوشنر لا تعدو كونها تكراراً مُملاً لمواقف الإدارة الأميركية، ومحاولات فاشلة لتسويق هذه المواقف وفك العزلة عنها، تارة من خلال التلويح بالإغراءات الاقتصادية و(عائدات صفقة القرن) على شعوب المنطقة، والعمل على تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية اقتصادية إنسانية ليس لها أي بعد سياسي، وأخرى عبر مُحاولات خلق فجوة بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وبين الفلسطينيين وقيادتهم من جهة أخرى".
وتابعت الخارجية الفلسطينية: "اختار كوشنر في تصريحاته الصحافية التغطية على حقيقة الموقف الأميركي المنحاز بشكل أعمى للاحتلال وسياساته الاستيطانية التوسعية، وتجاوز حقيقة أن الرئيس ترامب هو من بدأ العدوان على الشعب الفلسطيني وحقوقه، وتخلى بذلك عن الدور الأميركي في رعاية عملية سلام ومفاوضات ذات معنى".ورأت الوزارة الفلسطينية أن "تصريحات كوشنر لا يمكن أن تصدر إلا عن شخص مبتدئ في السياسة، خاصة عندما يُحاول تحريض الشعب الفلسطيني على قيادته، وجعل الأزمة تتمحور حول ما يصفه بـ(تعنت) القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، دون أن يوضح المؤشرات التي بنى عليها هذا الموقف، ومتوهما بقدرته على إسقاط رغباته السياسية على الموقف الفلسطيني، مُتجاهلا حقيقة أن الشارع الفلسطيني يدعم القيادة التي تلتزم بثوابت الموقف الفلسطيني ولا تتنازل عنه، وهذا هو حال الرئيس محمود عباس".