دولي

المجلس الوطني الفلسطيني وشرعنة الهيمنة والانقسام

القلم الفلسطيني

الذين راهنوا على أن الرئيس محمود عباس وقيادة فتح لن يعقدوا المجلس الوطني الفلسطيني إلا في إطار المصالحة والتوافق الفلسطيني، كانوا مخطئين. 

وفي الحقيقة؛ عباس وقيادة فتح انسجموا مع أنفسهم ومع تجربتهم عندما تجاوزوا اتفاقات المصالحة في 2005 و2011، وما تلا ذلك من تفاهمات بالدوحة 2012، والشاطئ 2014، وبيروت مطلع 2017، والقاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 2017.

 وهو ما يعكس سلوكاً تاريخياً في الهيمنة على القرار السياسي الفلسطيني طوال خمسين عاماً.

تواجه قضية فلسطين أشد مخاطر التصفية في تاريخها، وهي أحوج ما تكون لقيادة وطنية توحد الشعب الفلسطيني والأمة خلفها، ولكننا لا نرى أمامنا إلا سلسلة من التصرفات المحبطة.

ففي الأشهر الأخيرة مثلاً؛ جرى تشديد العقوبات على قطاع غزة بدلاً من رفعها، وتم رفض دعوة الإطار القيادي المؤقت لمواجهة قرار دونالد ترمب بنقل السفارة الأميركية للقدس والتصدي لـ”صفقة القرن”؛ كما فُرّغت قرارات المجلس المركزي من محتواها، واستمر التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي. 

ومع ذلك تُصرُّ هذه القيادة على عقد المجلس الوطني المنتهي الصلاحية بخلاف كافة التوافقات الفلسطينية.

القيادة الحالية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية -كأي قيادة عربية أو “عالمثالثية” في بيئتنا التي تقودها أنظمة شمولية- تتحدث باسم الجميع وغصباً عن الجميع.

وهي لا تستطيع أن ترى نفسها جزءاً من منظومة شراكة حقيقية قائمة على التكافؤ والندية، لأن ذلك قد يُضعف قدرتها على التحكُّم، أو يُرسلها ذات يوم إلى صفوف المعارضة.

الاستثناء الوحيد الذي أكدت فيه قيادة فتح “ديمقراطيتها” هو انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 2006 التي فازت فيها حماس، و”تابت” بعدها قيادة فتح من هذه التجربة؛ بعد أن قامت بتعطيل المجلس التشريعي وإفشال الحكومة التي شكلتها حماس، وبجمع الصلاحيات في يد رئاسة السلطة، وبتشكيل حكومة للسلطة تفتقر للشرعية الدستورية وفق أنظمة السلطة نفسها.

وحتى الانتخابات البلدية المحلية التي تقرر إجراؤها في سبتمبر/أيلول 2016 تدخلت قيادة فتح (عبر بعض أتباعها) لإيقافها، بعد أن ظهرت توقعات قوية بفوز حماس بكثير من البلديات الرئيسية في الضفة الغربية وقطاع غزة. 

ولم يتم إجراء هذه الانتخابات إلا في السنة التالية بعد التأكد من انسحاب حماس منها.

وعباس وقيادة فتح منسجمون أيضاً مع التزاماتهم تجاه اتفاقات أوسلو ومسار التسوية السلمية وتجاه الطرف الإسرائيلي، لأن دخول خط المقاومة في المجلس الوطني الفلسطيني وفي بُنية منظمة التحرير، بحجمه الحقيقي الذي يزيد على نصف الشعب الفلسطيني (ومعه خط داخل المنظمة نفسها يدعم هذا الاتجاه)؛ سيتطلب إعادة النظر في اتفاقيات أوسلو ومسار التسوية، وسيعيد الاعتبار لخط المقاومة.

كما سيعيد ترتيب أولويات المشروع الوطني الفلسطيني، وقد يُقدم نمطاً قيادياً ومؤسسياً جديداً. وهو ما سيربك الصورة التي تحرص قيادة فتح -حتى الآن- على تقديمها عن منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية؛ حيث ترى أن الصورة “المقاومة” الجديدة ستضرُّ بالمصلحة الفلسطينية وفق حساباتها الحالية.

إذ قد يُحدث ذلك مزيداً من خنق السلطة الفلسطينية وإضعافها، وانحساراً لمنظمة التحرير في البيئة الدولية وسحباً لاعتراف أميركا ودول العالم الغربي بمنظمة التحرير؛ وانهياراً لـ”حل الدولتين”… إلخ.

قيادة فتح منسجمون أيضاً مع البيئة العربية والدولية التي تعادي أو تخاصم تيارات “الإسلام السياسي”، وهي تيارات قوية وفاعلة وذات شعبية واسعة في الساحة الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي)، ويرون أن وجود هذه التيارات بقوة في الأطر التشريعية والقيادية الفلسطينية، سيسبب لهم مزيدا من المشاكل والصعوبات.

كانت اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني قد عقدت اجتماعاً لها في السفارة الفلسطينية ببيروت يوميْ 10 و11 يناير/كانون الثاني 2017، برئاسة رئيس المجلس سليم الزعنون؛ حيث اتفقت على عقد مجلس وطني يضم كافة القوى الفلسطينية، وأكدت ضرورة “تجسيد الوحدة الوطنية” في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

واتفق المجتمعون على أن يُعقد المجلس القادم وفقاً لإعلان القاهرة 2005، ووفقاً لاتفاق المصالحة 2011؛ عبر انتخابات حيثما أمكن، والتوافق حيث يتعذر ذلك. 

واتفق أعضاء اللجنة على الاجتماع في الشهر التالي، غير أن هذه اللجنة لم تجتمع حتى كتابة هذه السطور (24 أبريل/نيسان 2018).

وفي سلوك لم يعد مُستغرباً؛ أوصت اللجنة المركزية لحركة فتح -في اجتماع برئاسة عباس يوم 9 أغسطس/آب 2017- بعقد جلسة للمجلس الوطني لانتخاب لجنة تنفيذية ومجلس مركزي، والمصادقة على برنامج العمل السياسي للمرحلة القادمة؛ وتحدثت أوساط قيادية في فتح عن عقد المجلس في سبتمبر/أيلول 2017 في رام الله.

وقد أثار ذلك مخاوف واعتراضات العديد من الفصائل الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. ويظهر أن قيادة فتح قررت تأجيل عقد المجلس بعد حالة الانفراج المؤقت التي شهدتها الساحة الفلسطينية بين فتح وحماس، فيما يتعلق بملف المصالحة واستلام سلطة رام الله لإدارة قطاع غزة.

عادت قيادة منظمة التحرير (عملياً قيادة فتح) لتقرر في 7 مارس/آذار 2018 عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في 30 أبريل/نيسان 2018؛ متجاوزة بذلك الاتفاق الذي تمّ في بيروت في يناير/كانون الثاني 2017، ودونما تشاور مسبق مع الفصائل الرئيسية خارج الإطار الحالي لمنظمة التحرير، والتي يُفترض أن يعقد المجلس الجديد بالتوافق معها.

بل إن هذه الفصائل لم تتم دعوتها للمشاركة الرسمية في هذا المجلس. لقد كان مضمون القرار واضحاً بتجاهل كافة اتفاقيات وترتيبات المصالحة، وبالإصرار على استمرار فتح في قيادة منظمة التحرير وفق المسلكيات السابقة.

…. يتبع

محسن محمد صالح

 

من نفس القسم دولي