دولي
موقع الضفة الغربية من مسيرة العودة
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 أفريل 2018
هذه المرة ما يحدث في غزة ليس حرباً على غرار الحروب الثلاث السابقة التي شنها الاحتلال الصهيوني عليها، ونفذ خلالها سلسلة من المجازر الدموية، مع تدمير مبانيها ومنشآتها. هذه المرة تترجم غزة غضبها عبر نمط كفاحي جديد يشترك فيه جمع من جمهورها وليس فقط نخبتها المسلحة.
ولذلك فعندما يتم الالتفات إلى الساحات الفلسطينية الأخرى ينبغي عدم انتظار فعاليات تضامنية مع غزة، لأننا أمام حالة مختلفة يبدو المطلوب فيها مختلف أيضا، ويمكن اختصاره بالقول إنه يتمثل في حاجة تلك الساحات لأن تتضامن مع نفسها أولا، وأن تحاول التغيير، وأن تبادر لاعتماد نمطها الكفاحي الخاص الملبي لأولوياتها والمساهم في رفد مسيرة النضال الفلسطينية الكبرى بفعلها، والذي قد لا يكون بالضرورة مشابهاً لما يجري على حدود غزة، لأن الفارق الهائل بين غزة وبقية الساحات الفلسطينية خصوصاً الضفة والقدس والداخل الفلسطيني والشتات، إضافة لاختلاف واقع كل ساحة من هذه عن غيرها يقول إن الاستنساخ الكامل لنمط كفاحي في ساحة ما قد لا يكون بالضرورة ملائماً لها، لكن الملائم لجميع الساحات بلا استثناء أن تنشأ فيها حالة مقاومة للاحتلال تعيد ترتيب الوعي وتعبئة النفوس وشحن الهمم بواجباتها وصرفها عما يشدها نحو الاتجاهات المضادة لها.
هناك من يرى أنه حين يطالب ساحة مثل الضفة الغربية بأن تأخذ دورها في الفعل فإن عليه أن يستثني من النداء السلطة الحاكمة فيها وتنظيمها المتمثل بحركة فتح، ومع أن أصحاب هذا الرأي ينطلقون من فهمهم لحقيقة مشروع السلطة المفارق لكل حالة كفاحية، إلا أن تحييدها عن المطالبة لا يبدو حكيماً لعدة أسباب، أهمها أن هذا يعفيها من المسؤولية ويجعل اتهامات التقصير محصورة في الأطراف الضعيفة والمستنزفة في هذه الساحة، وهو ما تريده السلطة، أي تصوير أن المشكلة ليست فيها، وأنها لا تعارض المقاومة الشعبية، وهو ما يجعل الهجاء ينصب على عامة الجمهور المتهم بالخضوع واللامبالاة، وليست السلطة التي أوصلته بسياساتها إلى هذه الحالة.
ثمة فرصة ذهبية أمام السلطة وحزبها لاستعادة شيء من ثقة الشارع بها في الضفة، ثقة حقيقية وليست من طراز تلك المبايعات التي تجبر الناس على تسجيلها لصالح رئيسها
صحيح أن جزءاً من الجمهور فيه سمات سلبية بدأت تظهر وتتفشى، لكن هذا لم يأت من فراغ، ذلك أن سياسات التيئيس الممنهجة التي اعتمدتها السلطة في الضفة منذ أكثر من عشر سنوات قد فرخت آثاراً كارثية، منها إعراض قطاع كبير من الجمهور عن أشكال الحراك الشعبي، إما لقناعتهم بعدم جدواه، وإما لخوفهم من تبعات المساءلة التي تشترك فيها السلطة والاحتلال، وإما لانهيار ثقتهم بخطاب السلطة التي تفعل ما يناقض خطابها دائما، ولهذا فهي تعجز عن حشد الناس وتعبئتهم لأجل أية قضية، وقد شاهدنا كيف كانت الفعاليات التي ينظمها حزب السلطة هزيلة عقب قرار ترمب بشأن القدس. وصحيح أنه في اللحظات الفارقة لن يكون من الصواب تبرير عجز الجمهور وتأخره عن الفعل، لكن هذا لا يمنع من تفسير سلوكه بمحاولة فهم أسبابه على الأقل، وهذا كله لن يمنع من وجود فئة غير قليلة تبحث بالمجهر عن أسباب تبرر انسحابها وغيابها واكتفاءها بالمشاهدة.
فيما يخص السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، نلاحظ أن بعض مسؤوليها يحاولون تجيير الحراك في غزة لصالح مشروعهم عبر الادعاء أنه حراك يطبق رؤية السلطة للمقاومة الشعبية، لكن أحداً لا يجرؤ على الإجابة على السؤال الأهم في هذا المشهد وهو: لماذا لا تطلق السلطة في الضفة -حيث تسيطر- حراكاً شعبياً سلمياً واسعاً وليس موسميا؟ ثمة فرصة ذهبية أمام السلطة وحزبها لاستعادة شيء من ثقة الشارع بها في الضفة، ثقة حقيقية وليست من طراز تلك المبايعات التي تجبر الناس على تسجيلها لصالح رئيسها لكي تبدو في أنظار خصومها ذات سطوة وسيادة وشرعية جماهيرية.
ومعالم هذه الفرصة تتشكل من اتجاهها نحو تفعيل حقيقي للعمل الجماهيري ضد الاحتلال، لكن هذا ينبغي أن يكون مشفوعاً أو مسبوقاً بخطوات أخرى أهمها كف يدها عن ملاحقة مختلف أشكال العمل الوطني والتنظيمي، وتقديم بوادر حسن نية كبيرة في هذا الاتجاه، ووقف حملاتها الإعلامية والسياسية والأمنية ضد خصومها السياسيين داخليا، لإثبات أنها معنية فعلاً بفتح صفحة جديدة تواجه بها صفقة القرن وما تقول إنها مؤامرات أمريكية وإسرائيلية على قيادتها، وتطلق عبرها يد عمل شعبي فاعل، على أمل أن يستعيد الجسد الفلسطيني عافيته في جميع الأماكن التي يتوزع عليها، بعد أن ثبت أن هذه العافية لا تكون موفورة إلا حين يكون الفلسطيني مقاوماً لعدوه ومنشغلاً بمعركته الطويلة لأجل تحرره منه، أي حين يكون في مكانه الصحيح ومنهمكاً بأولويته الكبرى.
لمى خاطر