دولي

لماذا لم تشارك بمسيرة العودة فبكيت؟!

القلم الفلسطيني

حين طفت (على) المحتشدين أرقب تفاصيل صغيرة. طفلٌ وامرأة وشيخ وشاب، خيمة وضحكة، أتأمل الوجوه والعيون التواقة لوطن يحتويها كما احتوته، ويمنحها كما منحته، ويضمها كاحتفاظها له بالقلب والعيون، رجعت بذاكرتي لأول الفكرة حينما كانت حلما تواصينا وأسهمنا مع بعض الشباب، ودعونا وكَتبنا ونظّرنا لمسيرة محتشدة واحدة، تقلب أساسات المعادلة رأسا على عقب، لم أتوقع أن أصل للمرحلة أشاهد فيها حلم المسيرة واقعا متجسدا لا تشوبه شائبة، لقد نجح شعبنا كما لم ينجح من قبل. لقد تفوقنا على أنفسنا.

مسيرة مكتملة الأركان، قوية البنيان، نقية الصف ممتلئة بالطاقة والحيوية، عظيمة الحشد، لا يتغيب فيها أحد، متنوعة المشارب والألوان، القائد والجندي، الكاتب والمُثقف والمبدع والعامي الهائم في ملكوت الوطن، المُقاتل والعسكري والميداني والصانع والمزارع، الرجل البسيط والمرأة العاملة، والمسؤول مع أبنائه وأحفاده، الجميع هنا ليقولوا إننا فلسطينيون دون تمييز، وهذا ما أخاف الاحتلال، وحاول مواجهة الفكرة بالترهيب والتخويف والتدمير واختراق الحسابات وتغيير المسارات وحرفها، والاتصال بشركات الباصات وتهديدها، ثم بالقتل. القتل البارد لخيرة شبابنا.

واتبع الاحتلال وسيلة قذرة جدا؛ حيث قام باستجلاب فرق موت وقتل وقنص متطرفين منحرفين نفسيا، وعظم من الإصابات فبلغت أعدادها بالمئات، وانتقى خيرة الشباب ليغتالهم أمام مرأى العالم. هو يريد ضرب فكرة السلمية في مهدها، يريد جرنا للمربع الأسود الذي يتقنه، مربع الموت والتدمير والصراع المعتمد على تكنولوجيا التوحش، ونحن في مسيرتنا هذه نريد التمسك بمربع الحياة والبناء والأغاني، ورفع العلم وإبراز هويتنا وتمسكنا على هذه الأرض سيدة الأرض.

أثبت شعبنا أنه أوعى من حرف مساره لما يريده عدوه، ورغم بعض الأقلام والأصوات التي بررت للاحتلال القتل وأعفته من المسؤولية وحملت الضحية مسؤولية القنص والقتل، إلا أن مسيرات العودة كتبت مقدمة جديدة لا يمكن تغافلها، نحن على هذه الأرض أقوى وأقدر، وبقاؤنا أضمن ونَفسُنا أطول، فماذا يريد الاحتلال أن يفعل لشعب يحب الحياة ويتمسك بها، ويسير إليها ما استطاع سبيلا؟!

لا شك أن كل من شارك بمسيرة العودة بطل وقائد في ميدانه، وكل من تخلف لأي عذر ندم واسترجع وعزم على أن يعود في المرة القادمة، وهذه طبيعة الأحداث المصيرية العظمى، ملهمة تكبر مع كل يوم رغم ما فيها من تضحيات وآلام، فنورها أشد من ظلمة الرصاص الإسرائيلي القاتل، وقطرات الدم النازفة من خيرة شبابنا ستحيط الاحتلال باللعنات.

مسيرة العودة عصا موسى خرجت لتأكل مؤامراتهم وصفقاتهم وانحرافاتهم وبيعهم، حيث الحقيقة أمام زيف "التبلّي" على شعبنا، هي القوة أمام الضعف و"التوهان" هي صوت بلال يوم الفتح، وهدير المعتمرين بأمان واطمئنان ونصر دون سلاح وقتال.

وليكن اعتصاما مفتوحا لا يتوقف. تحج إليه الأجساد والقلوب وعيون العدسات، ويتجدد المشهد مع كل جمعة ثائرة، حتى تأتي ذكرى النكبة السبعون، ليخرج شعبنا على صعيد واحد وينادي بالعالم أجمع؛ آن أوان التحرك والوصول، وقد انكشف كل شيء، ولم يتبقَّ إلا خاتمة القوة والقصة.

حملت مسيرة العودة الكبرى أكثر من رسالة ومدلول استراتيجي انعكست إيجاباً على مسار القضية الفلسطينية التي تمر اليوم أصعب مراحلها في ظل إدارة أمريكية تعمل ضمن أجندة واضحة لتكريس واقعًا جديد على حساب الشعب الفلسطيني الذي عانى وعلى مدار 70 عامًا من التشريد والحرمان والألم.

ثمانية اعتبارات استراتيجية اعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وأخذ الشعب الفلسطيني يستلم زمام المبادرة من جديد في تحدٍ واضحٍ لكل من يحاول العبث بالقضية على حسابه مقدما خدمة مجانية للكيان الصهيوني

فالاعتبارت الثمانية هي:

1. اعادة مسيرة العودة الكبرى قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم المشروع بالعودة إلى القرى والبلدات التي اقتلع منها بسبب الاحتلال الصهيوني.

2. إن مسيرة العودة الكبرى حملت عدة رسائل مهمة للمجتمع الدولي أن الشعب الفلسطيني ما زال متمسكا بأرضه ومقدساته ولن يتنازل أو يفرّط أو يقبل باي حل لا يعيد للشعب الفلسطيني حقه المشروع بفلسطين كل فلسطين.

3. مسيرة العودة الكبرى كانت بمثابة الصفعة الكبرى للمشروع الامريكي تجاه القضية الفلسطينية ـ "صفقة القرن" التي يراد منها تصفية القضية الفلسطينية وانهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين من بوابة انهاء عمل وكالة غوث وشتغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا".

4. اعادة مسيرة العودة الكبرى الاعتبار للقضية الفلسطيننية على المستوى الدولي والاقليمي والمحلي لا سيما أبرزها المعاناة التي يعاني منها اهالي قطاع غزة نتيجة للحصار الخانق عليها من قبل المحتل الصهيوني وقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يقدّر عددهم ما يقارب الـ 5 ملايين لاجئ فلسطيني في العالم.

5. سلمية مسيرة العودة الكبرى قابلها رد صهيوني اجرامي جعل مجلس الامن الدولي والاتحاد الاوروبي يطالب بالتحقيق وأجبر بالحديث بايجابية عن القضية الفلسطينية لا سيما أبرزها حق العودة.

6. عززت مسيرة العودة الكبرى من فكرة العمل الفلسطيني المشترك بعيداً عن جدلية السلطة والحكم، والعودة لأصل القضية وهو التحرر من الاحتلال.

7. جعلت مسيرة العودة الكبرى الكيان الصهيوني يتخبط يميناً ويساراً أمام السلاح الجديد الذي ابتكره الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في المواجهة الميدانية مع هذا العدو المتغطرس الذي ظن أن السكان في غزة قد ركنوا إلى اليأس والإحباط.

8. خصصت الصحافة العبرية “الإسرائيلية” مساحة كبيرة من تغطيتها لمسيرة العودة الكبرى في دلالة واضحة على تخوف الكيان الصهيوني لهذه المسيرة حيث عبرت صحيفة "معاريف"، بأن الأزمة في غزة التي عبرت عنها مسيرات الأمس تستلزم انتباه "إسرائيل"، لأنها من ستدفع ثمن المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع.

إبراهيم المدهون

 

من نفس القسم دولي