دولي

دعوات صهيونية لتغيير التعاطي مع غزة بعد "مسيرة العودة"

اعتبرت خطوة هائلة في النضال الفلسطيني

ليمور: ليس من مصلحة إسرائيل الانجرار لمواجهة جديدة ضد غزة

 

دعا معلّقون إسرائيليون، دوائر صنع القرار في تل أبيب، إلى استخلاص العبر من تداعيات "مسيرة العودة"، وتغيير نمط تعاطيها الحالي مع قطاع غزة، وخرج عشرات الآلاف من سكان قطاع غزة، في "مسيرة العودة" قرب السياج الحدودي، بذكرى "يوم الأرض"، فاستهدفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى استشهاد 16 فلسطينياً وإصابة مئات آخرين، في أسوأ يوم من أعمال العنف الإسرائيلي، منذ حرب غزة عام 2014.

وقال أودي سيغل معلّق الشؤون السياسية في قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، إنّ "مسيرة العودة نسفت المسوغات التي تقدمّها الحكومة الإسرائيلية لتبرير تقليلها من شأن الفلسطينيين ومقاومتهم وتصويرهم على أنّهم يمثلون "مشكلة هامشية"، وفي مقال نشره موقع صحيفة "معاريف"، رأى سيغل أنّ "مسيرة العودة وما رافقها من أحداث، دلّلت على أنّ القضية الفلسطينية هي شأن إسرائيلي داخلي، ولن تزول من تلقاء ذاتها"، وأوضح أنّ "الوقائع دلّلت على عدم صوابية الافتراض السائد في إسرائيل، أنّه بإمكان الإسرائيليين أن يعيشوا حياة طبيعية، في الوقت الذي تتدهور فيه الأوضاع في غزة".

ولفت سيغل، إلى تكرار عمليات تجاوز الجدار الحدودي عند القطاع، مشدداً على أنّ "هذه العمليات حطمت أسطورة الجدار، ووضعت حداً لشعار (نحن هنا وهم هناك) فلا يمكن أن نحيا بشكل طبيعي، في الوقت الذي يعيش الغزيون في جهنم"، وأضاف أنّ "مسيرة العودة، تمثّل بداية العصف بالمنطلقات الرئيسية التي تحكم توجهات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة"، معتبراً أنّ "السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، تعكس نمط تعاطي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الهادف إلى عدم الإقدام على خطوات كبيرة يمكن أن تهدّد مستقبله السياسي"، في ظل قضايا الفساد التي يواجهها.

وفي السياق، قال يوآف ليمور معلّق الشؤون العسكرية في صحيفة "يسرائيل هيوم"، إنّ "الأوضاع في غزة، يمكن أن تتدهور بشكل كبير، بسبب ردة فعل قوات الاحتلال على فعاليات مسيرة العودة التي ستتواصل".

وفي تحليل نشره موقع الصحيفة، حذّر ليمور من أنّ "المسيرة يمكن أن تفضي إلى انفجار الأوضاع الأمنية في غزة بشكل غير مسبوق، على الرغم من أنّ كلاً من حركة حماس وإسرائيل، غير معنيتين بمواجهة شاملة"، ورأى أنّ "الحذر الذي تبديه كل من إسرائيل وحماس، لن يمنع من خروج الأوضاع عن إطار السيطرة، بسبب محدودية تأثيرهما على المشهد".

ولفت ليمور، إلى أنّ "مواصلة إسقاط عدد كبير من القتلى، يمكن أن تفضي إلى تفجّر الأوضاع في ساحات أخرى"، مشدّداً على أنّه "ليس من مصلحة إسرائيل الانجرار لمواجهة جديدة ضد غزة، في الوقت الذي لا يوجد فيه بالأفق تصور لحل مشكلة القطاع بشكل أساسي".

من ناحيته، قال الجنرال آفي بنياهو، الناطق الأسبق بلسان الجيش الإسرائيلي، إنّ "إسرائيل هي التي ستدفع ثمن غياب الأمل لدى الفلسطينيين في قطاع غزة، في ظل تعاظم مستويات البطالة والفاقة واليأس".

وفي مقال نشره موقع "معاريف"، شدّد بنياهو على أنّ "اليأس الذي يسود قطاع غزة، يمثّل مصدر تهديد على إسرائيل"، معتبراً أنّ "إسرائيل غير مطالبة فقط بالتعامل بحزم مع الأوضاع في قطاع غزة، بل عليها التحلّي بالحساسية، وتقديم حلول سياسية وإنسانية للواقع هناك".

وفي سياق متصل، امتدحت الكاتبة الإسرائيلية اليسارية كاولينا ليندسمان، المقاومة الشعبية الفلسطينية، قائلة إنّ "غيابها هو ما يضمن تواصل الاحتلال"، ووصفت ليندسمان، في مقال نشرته "هارتس"، "مسيرة العودة"، بأنّها "خطوة هائلة في النضال الفلسطيني"، منتقدة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، لأنهّم عملوا على "دفع المسيرة نحو العنف، من خلال التعليمات التي صدرت باستهداف المشاركين فيها بالرصاص الحي بهدف قتلهم".

ولفتت إلى أنّ "نتنياهو معنيّ بالتصعيد، لأنّ هذا يسوّغ لليمين الإسرائيلي التشبث بمواقفه الرافضة لتحقيق تسوية للصراع، إلى جانب أنّ ذلك يخدم هدف الحكومة الإسرائيلية في عرض الفلسطينيين كعنيفين ورافضين للسلام"، وأشارت ليندسمان إلى أنّ "التدهور نحو العنف، يخدم أهداف نتنياهو الشخصية، المتمثلة في صرف الأنطار عن التحقيقات التي تجريها معه الشرطة في قضايا الفساد"، مشدّدة على أنّ الفلسطينيين الذين يشاركون في "مسيرة العودة"، "يدافعون عن إنسانيتهم".

 

جيش الاحتلال في مسيرة العودة بين شهوة القتل وهاجس الخوف

 

الجيش الإسرائيلي الذي بدا مضطرباً لحد الهلع في التعامل مع عشرات الآلاف من المدنيين الذين لفّوا رقابهم فقط نحو السلك الفاصل من مسافة مئات الأمتار رفع القوة النارية في التعامل مع المسيرات السلمية على حدود غزة، وبدا متجهّزاً لكافة السيناريوهات حسب ما أدلى بذلك وأشرف شخصياً (آيزنكوت) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.وأمام عقدة المستوطن الإسرائيلي الأمنية التي يحاول التخلص منها أمام جيش دولته المدجج بالسلاح؛ حاول الأخير ممارسة القتل المباشر، لكن أدواته القتالية ونيرانه المفرطة عكست فشلاً أمنياً وممارسة ستجلب مزيدا من الإخفاق للجيش ومستوطنيه أمام العالم.

ربما تتفوق "إسرائيل" بجيشها المتطور عتاداً وتكنولوجيا على جيوش الإقليم من حولها في معارك كلاسيكية، لكن جيشها ظهر أمس في مسيرة العودة مضطرباً وهو يواجه كتلة بشرية عزلاء من السلاح تطالب بحقها في العودة إلى فلسطين.

الرصاص الحي من بنادق القناصة المتطورة كانت نجم العرض الذي وزع فيه الجيش قنابل الغاز المسيل للدموع شديدة التأثير من بنادق وطائرة بدون طيار ثم توّج العدوان بإطلاق قذائف مدفعية على الحدود.

وكان آيزنكوت قد طالب قبل أيام باستخدام الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين الفلسطينيين، وهو ما يؤكد مخطط الاحتلال لإيقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوف الفلسطينيين بعد أن استخدم نيران القناصة بكثافة يوم الجمعة وقتل وأصاب المئات.

وتمثل تصريحات قادة الاحتلال بشكل واضح النية المبيتة للقيام بعمليات القتل المبرمج للفلسطينيين العزل، وهو ما خالف القانون الدولي الإنساني.

ويؤكد اللواء واصف عريقات الخبير العسكري، أن الجيش لم يتعامل مع مسيرة العودة على أنها سلمية شعبية، بل تعامل أن المشاركين مدججون بالسلاح، لذا نشر عددا كبيرا من الجنود والقناصة، وطالب مستوطني غلاف غزة بحمل السلاح وإطلاق النار بتعليمات مفتوحة.

ويتابع: "كانت أكثر من 750 إصابة بالرصاص الحي ورصاص القناصة ما يؤكد تصميم الجيش إيقاع أكبر عدد من الخسارة البشرية لردع المحتجين بعد فشلهم في ردعهم بوسائل حرب نفسية وبث دعاية تخويف، وقد أربكهم حديث الأطفال والشيوخ أن رصاص الجنود لن يخيفهم".

أما محمد مصلح الباحث في الشئون الإسرائيلية فيرى أن العقيدة الأمنية لجيش الاحتلال تحمل هاجساً أمنياً تدفعه للتضحية بكل شيء حتى يحافظ على الثقة بين المواطن الإسرائيلي والجيش.

الاعتماد على سلاح القناصة وإطلاق غاز مسيل للدموع من طائرات، يؤكد حسب تحليل الباحث مصلح أن الاحتلال مستعد للقتل، وأن آيزنكوت كان جادًّا حين صرّح استعداده لكل السيناريوهات.

ويصف الخبير عريقات تصرف جنود وقناصة الاحتلال بأنه كان تصرف القلق وليس المرتبك فقط لكن الكم البشري الهائل الذي تواجد بشكل سلمي أزعج الجيش، فهو لم يتوقع استجابة سكان غزة فأصابه الرعب من فكرة اجتياح الحدود مستقبلاً .وتنوعت الوسائل القتالية التي استخدمها الجيش بكثافة بين الغاز المسيل للدموع، ورصاص القناصة، ما عكس فشل توقعات الأمن الإسرائيلي، وقد نقلت وسائل الإعلام حسب رؤية الخبير عريقات شكلاً وحدوياً فلسطينياً خلف العلم الفلسطيني.

ويتابع: "تاريخياً الجيوش لا يمكن أن تواجه الشعوب فهي ربما توقع خسائر وتؤثر فيها لكن لا يمكن أن تحد من تأثيرها، وأتوقع محاولتهم استخدام مزيد من القوة النارية لمنع المسيرات السلمية لكنهم سيفشلون" .

 

من نفس القسم دولي