دولي
السفارة الأميركية إلى القدس في "سبعينية" إسرائيل
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 03 مارس 2018
أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديبلوماسية العامة، ستيفين غولدشتاين، يوم الجمعة الماضي، أن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، وافق على خطة نقل السفارة الأميركية لدى الكيان الصهيوني من تل أبيب إلى القدس الشريف، وأن تاريخ افتتاحها سيتزامن مع الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل في الرابع عشر من مايو/ المقبل. وحسب الخطة التي كُشِفَ عن بعض تفاصيلها أميركيا، فإن المنشأة التي تضم القنصلية الأميركية في القدس سيتم تحويلها إلى سفارة إلى حين بناء سفارة جديدة هناك قبل حلول نهاية عام 2019، في حين ستتحول السفارة الأميركية في تل أبيب، حاليا، إلى قنصلية. واستنادا إلى التفاصيل التي كُشِفَ عنها، فإن السفير الأميركي، ديفيد فريدمان، سينتقل مع فريق صغير من تل أبيب إلى القدس، لمباشرة مهامه من هناك، في حين سيبقى العدد الأكبر من موظفي السفارة في تل أبيب فيها حتى نهاية العام المقبل.
يثير ما سبق تساؤلات بشأن خلفيات التسارع الكبير في وتيرة تنفيذ قرار الرئيس، دونالد ترامب، حول الموضوع، والذي أعلنه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لكن ضمن سقف زمني أوسع، إذ كان تيلرسون قد أعلن حينها، أن تنفيذ قرار ترامب لن يكون العام الجاري، ولا حتى العام المقبل (2018)، على الأرجح. فما الذي تغير؟
بداية، من الناحية الإطارية، وضمن نسق أبعاد هذا الإعلان، فإن ما يجري يمثل ضربة موجعة
"مسؤولية النخب الفلسطينية في أن تتكاتف بشكل فوق فصائلي وفوق إيديولوجي" لطموحات القيادة الفلسطينية الرسمية التي رهنت مستقبل القضية الفلسطينية لهذا المسار العبثي. الآن، تقف هذه القيادة، وجها لوجه، أمام الحقيقة المُرَّةِ التي كان يعرفها الجميع منذ اليوم الأول لانطلاق محادثات مدريد أواخر عام 1991. وحدها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كانت، ولا تزال، بعد كل الكوارث التي جلبتها على القضية الفلسطينية، خلال الربع قرن الأخير، تتعشم الدولة والاستقلال من الوَهْمِ والعَدَمِ. الحقيقة التي لا مراء فيها اليوم أن ما تسمى "عملية السلام" قد أوجدت فئات وطبقات فلسطينية منتفعة من قيام سلطة فلسطينية، يشتكي محمود عباس نفسه، ويا للمفارقة، من أنها تعمل لصالح إسرائيل، وأنها رفعت عنها كلفة الاحتلال. طبعا ما لم يقله عباس في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، أخيرا، أن ذلك مرتبط، إلى حد كبير، بأن المستفيدين من هذه السلطة، فلسطينيا، أثروا ويتمتعون بحمل بطاقات "في آي بي" الإسرائيلية، وهم سيقاومون أي محاولةٍ لإسقاط مشروع "احتلال الديلوكس"، حتى ولو كان من قبل عباس نفسه، الذي لا يستبعد التخلص منه، كما فعلوا من قبل مع الرئيس الراحل، ياسر عرفات.
لنعد الآن إلى أسباب تعجيل إدارة ترامب في تنفيذ قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس العام الجاري بدل المقبل. الإجابة السريعة البسيطة أن هذا الإعلان يمهد لنية الإدارة إماطة اللثام، قريبا، عن "صفقة القرن"، والتي تمثل، حسبما سُرِّبَ إلى الآن، كارثة على المشروع الوطني الفلسطيني، بل وترهن حلَّ الدولتين بموافقة إسرائيل! ما يؤكد هذا الاتجاه في التحليل إعلان السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، الأسبوع الماضي، أن إدارة ترامب تقترب من إعلان خطتها العتيدة. الملاحظ هنا أن إعلان كيلي جاء بعد يومين من خطاب عباس أمام مجلس الأمن الدولي (20/2)، والذي طالب فيه بمظلة دولية لرعاية المفاوضات، بدل المظلة الأميركية، حيث للمفارقة الثانية، يعد هو أحد أبرز مهندسي فرضها فلسطينيا! أما كيف يتسق هذا التحليل هنا، فعلينا أن نتذكّر أن كيلي كانت قد هزأت بعد أيام من إعلان ترامب قراره حول القدس، أواخر العام الماضي، ممن عارضوا ذلك الإعلان، أميركيا ودوليا، بأن السماء لم تسقط، كما كان المنبهون يحذّرون الإدارة. وقد أعادت كيلي المعاني نفسها تلك في تصريحاتها الأسبوع الماضي، عندما غمزت من قناة وزراء ومستشارين في إدارة ترامب، عارضوا إعلانه عن القدس، وثبت خطأهم الآن، كما لمّحت.
للأسف، كلام كيلي صحيح. لم تسقط السماء، حتى فلسطينيا. أم ترانا نسينا أن القيادة الرسمية الفلسطينية لم تجتمع إلا بعد شهر تقريبا من قرار ترامب أواخر العام الماضي في دورة المركز المركزي الفلسطيني في رام الله، شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وهي لم تنفذ حتى قراراتها في ذلك الاجتماع، خصوصا لناحية وقف "التنسيق الأمني" مع إسرائيل، والذي لا تزال رموز السلطة، وفي مقدمتهم عباس، يباهون به من دون خجل ولا وجل! لقد أثبتت القيادة الرسمية
"لا ينبغي أن نقبل بتذرع القيادة الفلسطينية الرسمية بالوضع العربي الكئيب اليوم" الفلسطينية حسابات ترامب والدائرة الضيقة حوله، وأحرجت حتى المؤسسات السياسية الرسمية الأميركية، كالخارجية والدفاع والاستخبارات المركزية، التي قدمت تنبؤاتٍ مغايرة عن تداعيات الرد الفلسطيني والعربي والإسلامي المتوقع على ذلك القرار. عندما أعلن ترامب قراره بشأن القدس والسفارة الأميركية أواخر العام الماضي، قال إنه يؤدي خدمة للسلام بفعله ذاك، إذ إنه يزيل عقبة كأداء، هي ملف القدس، من طريق محادثات السلام المعطلة. أيضا، كان مسؤول أميركي رفيع حينها قد قلل من حجم الغضب الفلسطيني الرسمي، حيث قال إن المفاوضين الفلسطينيين لن يلبثوا أن يعودوا إلى طاولة المفاوضات، بعد أن تهدأ السكرة وتأتي الفكرة، وشخصيا لا أستبعد ذلك أبدا. الأدهى أن التخبط الفلسطيني الرسمي في موضوع القدس يقابله إصرار ولؤم في إبقاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، عبر استمرار قيادة السلطة الفلسطينية في حصار قطاع غزة وخنقه وخنق أهله، بغرض تركيعهم وإخضاع القطاع لمعادلات التنسيق الأمني ذاتها مع إسرائيل، على الرغم من أنهم يعترفون بأنهم يؤدون خدمات مجانية لاحتلالها!
أعلم أن الوضع العربي مُحْبِطٌ وَمُحْبَطٌ. ولكن منذ متى لم يكن الحال كذلك، مع ضرورة الإقرار بأنه الأسوأ اليوم. مع ذلك، لا ينبغي أن نقبل بتذرع القيادة الفلسطينية الرسمية بالوضع العربي الكئيب اليوم. نحن الفلسطينيين مطالبون برفع غطاء الشرعية المزعوم عن القيادة الحالية التي أوصلتنا إلى هذا الدرك الأسفل من الحال، وإطلاق مشروع فلسطيني توافقي جديد يحدّد أساليب النضال، وخطواتنا المستقبلية. هذه قيادة فاشلة، وهي لا تقبل الاعتراف بذلك، وهي لن تعترف، والأميركيون والإسرائيليون يعرفون ذلك ويراهنون عليه. ومن ثمَّ، فإنها مسؤولية النخب الفلسطينية في كل أماكن وجودها أن تتكاتف بشكل فوق حزبي وفوق فصائلي وفوق إيديولوجي، لإعادة بناء قواعد مشروعنا الوطني. إننا أمام محطة مفصلية في تاريخنا تكاد تأتي على ما تبقى لنا من وَعْيٍ بشأن فلسطين، وإن لم نترفع عن الصغائر، فإننا نكون متواطئين في وأد قضيتنا.
أسامة أبو ارشيد