دولي
عريقات و"أوسلو سيندروم"
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 مارس 2018
حمدنا الله، وقد مَنَّ على أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، بالشفاء، ونجاح عمليته الجراحية التي أجراها في الولايات المتحدة الأميركية لزراعة رئتين، بعد أن عانى أشهرا من فشلٍ في عمل رئتيه. وفرحنا ونحن نرى "أبو علي" يعود إلى أولاده وأحفاده سالماً معافى، يباشر عمله في مكتبه في مدينة أريحا بنشاط وأريحية.
عاد الدكتور صائب عريقات، قبل أيام، إلى موقعه "كبيرا" للمفاوضين الفلسطينيين، على الرغم من توقف المفاوضات مع إسرائيل، أو هكذا يُروج.
من موقعه المسؤول، سبق أن نعى عريقات عملية السلام، أكثر من مائة مرة على الأقل، ولطالما ردد في السنوات الأخيرة أن إسرائيل لا ترغب في السلام، وإنما ترغب في فرض شروط على الفلسطينيين، بحيث تحصل على الأمن من دون أن تعطي أي شيء، غير أن نبرة كبير المفاوضين ذهبت إلى أبعد من ذلك أخيرا، وهو يتحدث بمرارة عن الفشل المزمن الذي أصاب مشروع السلطة الفلسطينية التي نتجت عن اتفاق أوسلو، فيقول، في مقابلة مع القناة الثانية الإسرائيلية، إن "الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني هو وزير الجيش أفيغدور ليبرمان، أما رئيس الوزراء الفلسطيني فهو منسق شؤون المناطق يوآف مردخاي".
عريقات الذي تحدّى الموت، عندما كان على سرير المرض، وعاند الفشل الرئوي، ظهر يائساً، محبطاً في حديثه مع الإعلام الإسرائيلي، وهو يتنبأ بـ"اختفاء السلطة الفلسطينية برمتها قريباً"، فاقداً الأمل بإمكانية "الحياة لهذه السلطة".
وعن سر هذا التغير في موقف مؤلف كتاب "الحياة مفاوضات"، قال عريقات إن أحد الشبان طالبه، قبيل إجرائه عملية زراعة رئة قبل أشهر في الولايات المتحدة، بعمل "زراعة لسان جديد، بدلاً من مواصلة خداع الفلسطينيين طوال هذه السنوات"، موضحا أنه "بات مقتنعاً بهذه الفكرة".
ويبدو أن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي عاد من أعتاب الموت، قرّر المصالحة مع النفس، والمصارحة مع شعبه والاعتراف بلسان جديد، لعله ينجو بذلك من الفشل السياسي المزمن، تماما كما نجا من الفشل الرئوي، ويستحق، بذلك "حمداً لله" جديدة، على سلامة العودة من نوبة "أوسلو سيندروم" التي طالت.
لم يغضب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، من عريقات، كما توقع الأخير، ولم يزعل مما قاله عريقات عبر شاشة إسرائيلية، عندما أنزل مكانته من "فخامة" الرئيس إلى مجرد "شاويش" عند أفيغدور ليبرمان، ويوآف مردخاي، بل لم يتأخر أبو مازن كثيراً عندما أكد، من على أعلى منبر دولي، أن السلطة الفلسطينية بلا سلطة، وتعمل عند الاحتلال.
الآن، بعد تعافي عريقات من "أوسلو سيندروم"، واعتراف عباس أمام مجلس الأمن الدولي بفشل مشروع السلطة الفلسطينية التي وُلدت بعملية قيصرية، من زواج غير شرعي بين احتلال غاصب وشعب محتل. وبعد كل ما سمعناه من "المأذون" الأميركي من إصرار على نقل سفارته إلى القدس، ودعم للاستيطان، يُطرح السؤال، ماذا بعد؟ هل لا تزال في رأس أبو مازن أوهام، وهو يرى هذا الانحدار العربي الزاحف نحو التطبيع المجاني مع إسرائيل؟ أم أن الرئيس الفلسطيني، لا يزال، وهو يتقدم إلى العقد التاسع من العمر، يراهن على ما بعد عهد دونالد ترامب، ونيكي هيلي، وجيسون غرينبلات، وجاريد كوشنر، وديفيد فريدمان؟ وكأن سبعين سنة لم تعلمنا أن "أميركيا يذهب يُسلم لأسوأ منه".
ثم ألا يستدعي الوصول إلى كل هذه الخلاصات، بعد 25 سنة من الفشل، مراجعة فلسطينية شاملة، لا تقتصر على الاستراتيجية، أو التكتيك، أو النهج، بل تبدأ بفسح المجال لطاقات فلسطينية جديدة وشابة، تتولى القيادة نحو أفق مختلف، يُخرج الشعب الفلسطيني وقضيته من غرفة العناية الفائقة. يحتاج الشعب الفلسطيني عملية جراحية عاجلة، تستأصل ما أصابه من أورام خبيثة، وتفتح رئتيه على هواء غير مسموم، لعله ينتصر بذلك على "أوسلو سيندروم"، كما انتصر عريقات على الفشل الرئوي.
نواف التميمي