دولي

هل تغيرت قواعد الاشتباك في سوريا؟

القلم الفلسطيني

يمثل التصعيد المفاجئ الذي شهدته الجبهة السورية الإسرائيلية مؤخرا، اختبارا لمدى فاعلية قواعد الاشتباك التي ظلت سائدة على مدى ثلاثة أعوام في سوريا.

والسؤال الذي بات يطرح نفسه حاليا بقوة: هل يؤسس إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية النفاثة لتغيير قواعد الاشتباك التي ظلت سائدة والتي كانت تقوم على تحقيق مركبات خارطة المصالح الإسرائيلية في سوريا، التي تشمل: تمتع "تل أبيب" بهامش حرية مطلق في سوريا وتمكنها من المس بمخازن وإرساليات السلاح، التي تدعي "تل أبيب" أنها تأخذ طريقها داخل سوريا إلى حزب الله في لبنان، إحباط جهود إيران لمراكمة نفوذ داخل سوريا، وفي الوقت ذاته الحرص على ألا يسهم الجهد الحربي الإسرائيلي داخل سوريا إلى إشعال مواجهة شاملة يشارك فيها حزب الله انطلاقا من لبنان.

ومما ساعد "إسرائيل" على ضمان التسليم بقواعد الاشتباك، كما تراها "إسرائيل"، عاملان أساسيان، وهما، أولا: اعتراف روسيا بخارطة المصالح الإسرائيلية وسماحها "لتل أبيب" باستنفاذ جهدها الحربي بدون أية درجة من التشويش. ثانيا: انطلاق "تل أبيب" من افتراض مفاده أن على رأس أولويات طهران وحزب الله هو العمل على ضمان استقرار نظام الأسد، بحيث إن أية مواجهة مع "إسرائيل" يمكن أن تفضي إلى نتائج عكسية.

من أجل بناء توقع بشأن قواعد الاشتباك في سوريا مستقبلا، يجب أن نعرف ما إذا كان قد حدث تحول على موقف روسيا من الجهد الحربي الإسرائيلي في سوريا وهل موسكو، ضاقت ذرعا من مواصلة "إسرائيل" عملياتها في الأجواء السورية

من هنا، فإنه من أجل بناء توقع بشأن قواعد الاشتباك في سوريا مستقبلا، يجب أن نعرف ما إذا كان قد حدث تحول على موقف روسيا من الجهد الحربي الإسرائيلي في سوريا، وهل موسكو ضاقت ذرعا من مواصلة "إسرائيل" عملياتها في الأجواء السورية.

إلى جانب ذلك، فإن "تل أبيب" تخشى أن قيام إيران بتسيير الطائرة بدون طيار التي اخترقت الأجواء الإسرائيلية، وإقدام المضادات الأرضية السورية على إسقاط النفاثة الإسرائيلية، أن يكون نتاج الثقة التي اكتسبتها إيران بعد نجاحها في ضمان استقرار نظام الأسد، وتمكنها من تحويل مسار الصراع لصالحه.

ونظرا لأنه لا يوجد أجوبة مؤكدة على هذه الأسئلة، فإن "إسرائيل" تحاول مجددا استعادة قدرتها على العمل بشكل حر في سوريا من خلال إيصال رسائل غير مباشرة لموسكو بأنها قادرة على المس بمصالحها الاستراتيجية في سوريا، وتبديد الإنجازات التي حققتها موسكو على مدى ثلاث سنوات من التدخل المباشر، حيث تلوح "إسرائيل" بأنها يمكن أن توجه ضربات قوية لنظام الأسد والقوات الإيرانية والشيعية التي تعمل إلى جانبه؛ بحيث يؤدي الأمر إلى إحداث تحول على اتجاهات الصراع في سوريا، وهو ما يبعد موسكو عن الاستفادة من نتائج استراتيجيتها في سوريا.

إلى جانب ذلك، فإن الإسرائيليين يلوحون بأنهم يمكن أن يقنعوا الأمريكيين بتكثيف التدخل في سوريا بشكل يؤثر على قدرة الروس على الحفاظ على مصالحهم هناك. 

من هنا، فإن تواصل التهديدات الإسرائيلية بمواصلة شن الغارات في العمق السوري، يهدف إلى الضغط أيضا لاستعادة قواعد الاشتباك السابقة، وعدم السماح لإيران بتغييرها.

وعلى الرغم من أنه لا يوجد ما يؤشر إلى حدوث تحول على موقف موسكو من العمليات العسكرية الإسرائيلية في العمق السوري، إلا أن موسكو لا يمكنها في المقابل الصدام مع الإيرانيين من أجل استرضاء "إسرائيل"، حيث إن موسكو تعي أن القوات البرية التي توفرها إيران هي التي تضمن بقاء ميل موازين القوى لصالح نظام الأسد في سوريا. 

إلى جانب ذلك، فإن المستقبل سيمثل دليلا على مدى جدية تهديدات كل من إيران ونظام الأسد بالرد على كل جهد حربي إسرائيلي يمس بالسيادة السورية.

المستقبل سيمثل دليلا على مدى جدية تهديدات كل من إيران ونظام الأسد بالرد على كل جهد حربي إسرائيلي يمس بالسيادة السورية

لكن على الرغم من التهديدات الإسرائيلية، إلا أن "تل أبيب" تحاول أن تضمن نجاح ضغوطها على موسكو تحديدا بحيث تعمل على استعادة قواعد الاشتباك السابقة، حيث إن الكابوس الذي تخشاه "إسرائيل" هو أن تندلع مواجهة شاملة يشارك فيها حزب الله انطلاقا من لبنان.

ويمثل الموقف اللبناني الموحد الرافض لاستغلال "إسرائيل" احتياطات الغاز في بلوك 9، الذي تؤكد بيروت أنه يمثل جزءا من مياهها الاقتصادية، عاملا آخر من عوامل مخاوف "إسرائيل" من اندلاع مواجهة مع الإيرانيين في سوريا.

ويعزى الخوف الإسرائيلي من تبعات اندلاع مواجهة مع إيران، تؤدي إلى مواجهة شاملة يشارك فيها حزب الله انطلاقا من لبنان، إلى إدراك "تل أبيب" أن عمقها المدني غير جاهز لتحمل آثار الحرب، ولا سيما تبعات سقوط عشرات الآلاف من الصواريخ التي يمكن أن يطلقها الحزب على العمق الإسرائيلي.

فحسب التقديرات السائدة، فإن مثل هذه الحرب يمكن أن تحدث أضرارا استراتيجية كبيرة في العمق الصهيوني.

صالح النعامي

من نفس القسم دولي