دولي
ترامب وضمّ المستوطنات
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 19 فيفري 2018
اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالقدس عاصمةً لـ"إسرائيل"، ثم قرّر حَجْبَ ما يزيد عن نصف حصَّة الولايات المتحدة في ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)؛ فهل يمضي في هذا الاتجاه الذي يستهدف قضايا الحلِّ النهائي؟ ويفضي بذلك، مع السياسات والممارسات الاحتلالية على الأرض، إلى فرض شكل الوضع النهائي للقضية الفلسطينية؟
في جديد الأخبار، نفى البيت الأبيض تصريحات لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بأنه يجري، منذ مدّة، محادثات مع الإدارة الأميركية، بشأن إمكانية توسيع نطاق السيادة الإسرائيلية؛ لتشمل المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. وفي هذا دلالة واضحة على رفْض إدارة ترمب، على الأقل، توقيتَ هذه الخطوة الخطيرة. ولكن يبقى السؤال عن فرص ذلك، مستقبلا.
وحين سُئِل ترمب في لقائه مع صحيفة يسرائيل هيوم العبرية، المقرَّبة من نتنياهو، عن موعد خطّته للسلام، قال إنَّ الفلسطينيين غير معنيِّين، في هذه اللحظة، بصُنْع السلام، وإنه كذلك ليس واثقا تماما بأنَّ "إسرائيل" مَعْنيَّة بصنع السلام، ولذلك رأى أنه مضطر إلى الانتظار. وحين سُئل عن الاستيطان، قال: إنّ "المستوطنات دوما عقّدت عملية صنع السلام، وبالتالي على "إسرائيل" أنْ تعمل بحذر زائد في كلِّ ما يتعلق بها". فترمب لم يدْعُ إلى وقف الاستيطان، كما فعل، سلَفُه باراك أوباما، وإنْ كان سفيرُه في "إسرائيل"، ديفيد فريدمان، أعلن أنَّ مِن حقّ دولة الاحتلال الاستيطان في الضفة الغربية؛ لأنها أرضها. بل وجَّه انتقادات لصحيفة هآرتس العبرية لرفضها الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
وفي الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، سعى مُشرِّعون من الائتلاف الحاكم إلى الدَّفْع بمشروع قانونٍ يهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية على جميع مناطق المستوطنات في الضفة الغربية، لكن المشروع المعروف باسم "قانون السيادة" سُحِب، كما صرَّح متحدث باسم عضو رفيع في اللجنة الوزارية للتشريع، بناء على قرار نتنياهو؛ بهدف كسْبِ الوقت؛ لتنسيق الإجراء مع البيت الأبيض، أوّلًا.
وجاء الموقف الفلسطيني من فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، برفض أيِّ خطوة أُحادية الجانب، وأنَّ الخطوة لن تغيِّر في الواقع شيئا، لأنَّ الاستيطان كلَّه غير شرعي.
والقانون الدولي فعلا واضح وحاسم في عدم شرعيَّة المستوطنات، لكنّ القادة الإسرائيليين يؤمنون بأرض "إسرائيل" الكاملة، ولا يؤمنون لذلك بدولة فلسطينية، غربيّ نهر الأردن، كما سبق وأنْ أعلن نتنياهو عن ذلك، وكذبه في ذلك والدُه، أعلن يومها في خطابه الذي ألقاه في جامعة بار إيلان، في تل أبيب، في يونيو/حزيران 2009، عن استعداده للقبول بدولة فلسطينية، شريطة أنْ تكون منزوعة السلاح، وأن يكون ذلك بضماناتٍ دولية، وأن لا يكون ثمَّة رجوع لللاجئين الذين ينبغي، بحسب نتنياهو، أن تُحَلَّ مشكلتُهم خارج "إسرائيل"، كما اشترط اعترافَ الفلسطينيين بيهودية دولة "إسرائيل"، وأنْ تبقى القدس عاصمةً موحَّدة لدولة الاحتلال. وكانت تلك شروطا تعجيزية، مهَّدَتْ له، مع عوامل أخرى، التنصُّل مِن ذلك القبول؛ فرجع فعلا، لاحقا، عن ذلك القبول بدولة فلسطينية، ولم يخيِّب ظنَّ والدِه فيه.
كما أعلن، أخيرا، رئيس دولة الاحتلال، رؤوفين ريفلين، في "مؤتمر القدس" الذي تنظِّمه منظمة بيشيفاع اليمينية، دعمه ضمّ الضفة الغربية، وقال: "بصفتي رؤوفين ريفلين وُلِدتُ مع الاعتقاد بأنَّ أرض إسرائيل ملكٌ لنا تماما". ولكنه، وبصفته الشخصية، رأى أنَّ ذلك الضمَّ يستدعي مَنْحَ المواطنة الكاملة للفلسطينيين. وحرص ريفلين على أن لا يضفي على رأيه هذا الصفة الرسمية؛ فهو يعلم مقدار الرفض له، إذ المشكلة المعيقة أمام ضمّ الضفة الغربية كاملة إلى "إسرائيل" هي المعضلة الديمغرافية الفلسطينية، وخطرها على يهودية الدولة.
فما المتوقَّع مِن موقف ترمب؟ تصريحاتُه التي رأى فيها أنَّ البناء في المستوطنات لن يفيد في تحقيق السلام تلقي بعضَ التفسير على سَحْب نتنياهو مشروع القانون الذي يُجيز ضمَّ مناطق المستوطنات؛ لذلك لم يكن مُستبعَدا أنْ يميل ترمب إلى تأجيل هذه الخطوة، وأنْ ينصح "إسرائيل" باستيطانٍ مدروس، على وقْع أحوال المنطقة، والفلسطينيين، بما لا يفاقِم من عوامل الانفجار، وبما لا يضرّ بـ"إسرائيل" نفسها، (إذا افترضنا فيه عقلانيةً ما) كما ألمح لها في المقابلة الآنفة الذكر، في قوله إنَّ السلام هو مصلحة لدولة الاحتلال، وممتاز لها، ولا بدَّ من تقديمها تنازلات، بالإضافة إلى الفلسطينيين، لكن نتنياهو الذي سبق وأنْ تملَّص مِن ضغوط الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، سيكون أقدر على المضيِّ في الاستيطان، مع رئيسٍ أميركيٍّ يعلن رفْضَه الضغطَ على "إسرائيل"، أو السعي، أو السماح بإدانتها، وسيكون أقدر مع بيئةٍ عربيةٍ رسميةٍ، في غالبها تتسابق على التطبيع مع "إسرائيل"، وسط تضافُر في ذلك، من صحفيين وإعلاميين عرب، ووسط ملاحقة مَن يُعبِّر عن رفضه التطبيع، كما حصل مع الناشطة الحقوقية السعودية نهى البلوي التي اعتُقلت بعد انتقادها التطبيع مع دولة الاحتلال.
وفي قلب الفكرة، فإنّ تفكير بعض العرب الذي يرمي إلى وضْع البيض كلِّه في سلَّة "إسرائيل" ليس بالتفكير الآمن بالمرَّة، إذ هي ليست مطلقة القدرة، (ظهر ذلك، مثلا، في إيثارها التهدئة، بعد إسقاط طائرتها، من الأراضي السورية)، وهي نفسها، وبوصفها دولة احتلال، وبوعيها بمحيطها العربي والإسلامي الذي يمرّ بمرحلة تغيُّر مستمرة، وليست سطحية، تسعى إلى تخفيف العداء لها، في محيطها، تسعى، وتأمل، أنْ تغدو أكثر قبولا لدى الشعوب العربية؛ فهل يختار حكَّام عرب، ونخُبٌ عربية، الاتجاه المعاكس: بأنْ ينعزلوا عن شعوبهم، وأنْ ينسلخوا من بيئتهم؛ ليتماهَوْا مع العدوّ الذي طوى المبادرة العربية، وتجاوَزها، على ما فيها من تنازُلات، مع دولة الاحتلال، وهي في أبشع مراحل عدوانها؟!
وعموما، يبقى الموقفُ الأميركيُّ غيرَ معيق إعاقةً قاطعة للسياسات الاحتلاليَّة، ولتوجُّهاته بضمّ المستوطنات، ما دام التواطؤ قائما على منهجيَّة الأمر الواقع، وعلى عامل الزمن.