دولي
حرب الفيسبوكيين في غزة
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 10 فيفري 2018
عند سماع هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية في سماء قطاع غزة، تعود الذاكرة إلى حروب ثلاث، شنتها إسرائيل على قطاع غزة المحاصر، إذ لا يمكن النوم وصوت الطائرات يطوف في المكان. حرب نفسية تبدأ بالدوران في عالم الفضاء الأزرق على صفحات "فيسبوك". نشطاء وكُتاب ومحللون وغيرهم يبدأون حلقات التأويل والعويل بقرب الحرب على غزة.
هذا الواقع المفروض على سكان القطاع، وهو بمثابة الهاجس، خصوصا بعد حادثة إطلاق صواريخ عشوائية "مجهولة النسب والهوية" إلى محيط مستوطنات غلاف غزة بين حين وآخر، وتبدأ الطائرات الإسرائيلية بعدها بمسلسل الرد وإطلاق الصواريخ على مواقع المقاومة الفلسطينية.
يعيش سكان قطاع غزة هذا الحال منذ أربع سنوات تقريباً، أي بعد انتهاء حرب عام 2014، وسط تكهنات وتوقعات باندلاع حرب جديدة في غزة، فنحن ننقل الأخبار عن وسائل الإعلام الإسرائيلية وصفحاتهم المشبوهه التي تبث سموم الحرب النفسية في أوساط المجتمع الفلسطيني، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، نحن نعيش هاجس الحرب لحظة بلحظة، فبعد كل تصريح لمسؤول إسرائيلي، نبدأ بسيل من التحليلات والتكهنات بشان مستقبل قطاع غزة في ظل حرب إسرائيلية جديدة، وكيف ستبدأ الحرب؟ ومن أين ستبدأ وما هي المناطق المستهدفة؟ وما هي حجم الإنجازات التي سوف نحققها من خلال حرب جديدة؟
بالعودة إلى الخلف، وبعد توقيع اتفاق الهدنة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وبحضور وفد تفاوضي من الفصائل الفلسطينية المقاومة برعاية مصرية في 26 أغسطس/ آب 2014، جاء في الاتفاق الذي أعلنته وزارة الخارجية المصرية، أنه "حفاظا على أرواح الأبرياء وحقنا للدماء واستنادا إلى المبادرة المصرية، من العام 2014 وتفاهمات القاهرة 2012، دعت مصر الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى وقف إطلاق النار الشامل والمتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل، بما يُحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية ومستلزمات إعادة الإعمار والصيد البحري انطلاقا من 6 أميال بحرية، واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الأخرى خلال شهر من بدء تثبيت وقف إطلاق النار".
مما سبق، نجد أن نقاط الاتفاق تملصت منها إسرائيل فيما بعد، فلم يتم كسر الحصار عن قطاع غزة والسماح بإدخال مواد البناء وغيرها إلا وفقا للمنظومة الدولية، ولم يتم السماح للصياديين بالعمل بحرية في بحر غزة، ولم يتم إنشاء مطار في غزة لُيسمح لسكان القطاع بالتنقل بحرية، بينما تم الحفاظ على أمن الحدود قدر المستطاع ووقف عمليات إطلاق الصواريخ على إسرائيل من جانب المقاومة.
ليست الحرب على غزة حلاً للمشكلات الإنسانية والاقتصادية الصعبة كما وصفها رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، غادي ايزنكوت، حيث قال في تصريحات صحفية مؤخراً، "أن الوضع في قطاع غزة صعب، ويزداد سوءاً"، لافتاً إلى أن "احتمالات اندلاع الحرب خلال عام 2018، ترتفع بسبب الأزمة الإنسانية المتصاعدة في القطاع".
تلك التصريحات بمثابة إلقاء طفل رضيع من الطابق العاشر، ويُطلب منه أن يعتني بنفسه في أثناء السقوط، وألا يبكي وأن يبتسم لأنه يطير في الهواء، وفي الوقت نفسه، لا يدري بحتمية مصيره. هذا هو التفسير المنطقي لتصريحات رئيس أركان جيش العدو، ايزنكوت، فبدلا من التهديد بحرب ضد قطاع غزة، كان يجب السماح بإدخال البضائع والمواد الغذائية عبر المعابر وتحسين جودة الكهرباء ووقف التهديدات والمناورات العسكرية بالقرب من حدود القطاع.
تهديدات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة لم تتوقف منذ انتهت حرب 2014، فلا يترك جنرالات الحرب في إسرائيل مناسبة إلا وذكر قطاع غزة وكأنه منجم من البارود قد ينفجر بين حين وآخر في وجه إسرائيل، لكن الواقع يقول غير ذلك تماماً، فهناك مليونا إنسان يعيشون ظروفاً اقتصادية وإنسانية معقدة جداً، وبالكاد يجدون قوت أولادهم من الطعام والماء، وأنهكهم الفقر والحصار وانقطاع الكهرباء، وباتت مقومات الحياة في شوارع غزة معدومة، وهناك إغلاق مستشفيات نتيجة نفاذ الوقود منها، وهناك توقف مشاريع إغاثية وإنسانية دولية عديدة، فمن ستحارب إسرائيل في قطاع غزة؟
نساء فقيرات أنهكن من المرض وتوقف الأدوية والمساعدات الطبية، وأخريات فقيرات أنهكن من توقف المساعدات الدولية والأغذية والمعونات.. إضافة إلى ذلك، ستقصف إسرائيل المدارس التابعة لوكالة الغوث، بحجة وجود صواريخ محاذية لها، وستقصف المستشفيات، بدافع وجود أنفاق أسفل منها، وستدمر البنية التحتية للمراكز الحكومية والمؤسسات المدنية، وستضرب الأبراج السكنية والعمارات، وتقتل الأطفال وتروعهم.
أشرف أبوخصيوان