دولي
"صفقة القرن" ثمرة خبيثة لنجاح سياسة الأمر الواقع
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 31 جانفي 2018
كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن صفقة القرن الأمريكية لحل الصراع العربي "الإسرائيلي"، والتي يُنتظر الإعلان عنها قبيل منتصف هذا العام. واستناداً إلى العديد من التصريحات والتسريبات يمكن اختزال أهم معالم تلك الصفقة في النقاط التالية:
أولاً: قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومنقوصة السيادة براً وبحراً وجواً لصالح الشراكة الأمنية مع الكيان الإسرائيلي الذي سيضطلع بدور أساسي في الإشراف الأمني على الحدود والمعابر.
ثانياً: القدس عاصمة لدولة "إسرائيل"، وبلدة أبو ديس قرب القدس عاصمة لدولة فلسطين، إضافة لضم الكتل الاستيطانية إلى الكيان الصهيوني، والتي تقدر حسب بعض التسريبات، من 10 إلى 15% من مساحة الضفة الغربية.
ثالثاً: تسوية ملف اللاجئين الفلسطينين بالعودة إلى الدولة الفلسطينية الوليدة وبالتوطين في دول العالم، ما يفتح المجال للحديث عن توسيع قطاع غزة باتجاه سيناء لاستيعاب الديموغرافيا الفلسطينية المكتظة.
رابعاً: اعتراف الفلسطينيين والعرب بدولة "إسرائيل" كوطن قومي للشعب اليهودي، وفتح باب التطبيع والشراكات الاقتصادية والأمنية معها.
تلك العناوين تشمل الكثير من التفاصيل الإجرائية، إضافة إلى السؤال عن الشخصية القانونية للكيان الفلسطيني الناشئ بصفته دولة مستقلة أم دولة اتحادية مع الأردن وفقاً لصيغتي الفيدرالية أوالكونفدرالية.
هنا قد تختلف الآراء لناحية قدرة تلك الخطة المسماة "صفقة القرن" على اجتياز عتبة النجاح، أخذاً بالاعتبار عدم توازنها، ومدى إجحافها بالفلسطينيين وحقوقهم الوطنية وفقاً للقانون والقرارات الدولية ذات الصلة.
النقاش الاستباقي لاحتمالات نجاح أو فشل صفقة القرن التي لم تر النور بعد، يدفعنا للاهتمام بالبيئة السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً، ومدى تأثيرها على مستقبل صفقة القرن؛ فالوضع الفلسطيني الداخلي صعب جداً سياسياً واقتصادياً وأمنياً..، لغياب قيادة جماعية موحدة، ولسير سلطة أوسلو وحركة فتح في طريق معاكس لتوجهات القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى عبر تمسكها بالتسوية السياسية والتنسيق الأمني مع الاحتلال رغم الفشل الفاضح لهذا المسار.
في ذات السياق، فإن مواقف الدول العربية المؤثرة على القضية الفلسطينية كالسعودية ومصر، تتساوق مع سياسات الإدارة الأمريكية؛ فالرياض مارست ضغوطاً على السلطة للقبول بصفقة القرنكاستحقاق لوراثة محمد ابن سلمان للعرش، كما أن القاهرة لن تقف ضد الإدارة الأمريكية ومشاريعها لحاجتها لها في تثبيت حكم الرئيس السيسي الذي يواجه مشاكل داخلية معقدة.
الأهم من ذلك أن تمسك السلطة الفلسطينية والرئيس عباس بالتسوية السياسية خياراً يتيماً لحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، يعني القبول عاجلاً أو آجلاً بواشنطن وسيطاً للسلام، بحكم رعايتها الحصرية لمسار التسوية برغبة إسرائيلية، ما سيشكل عامل ضغط إضافي على فريق أسلو؛ لأن استمرار رفض الرئيس عباس للوساطة الأمريكية، دون التغيير في استراتيجيات المواجهة، سيعني كسب الاحتلال الإسرائيلي للجولة، معززاً برضا الإدارة الأمريكية التي حسمت من وجهة نظرها الموقف من القدس، والتي بدأت بالعمل مع الاحتلال الإسرائيلي على شطب حق العودة عبر سياسة الأمر الواقع من خلال تقليص واشنطن لمساعداتها السنوية لوكالة الأونروا، والتهديد بوقفها كاملة والتي تقدر بنحو 350 مليون دولار سنوياً ما دفع مفوض عام وكالة "الأونروا" السيد بيير كرينبول للقول: "إن الوكالةلن تكون قادرة على الاستمرار في تقديم خدماتها نهاية هذا العام لأكثر من 5.3مليون لاجئ فلسطيني"، ما سيفجر مشكلة إنسانية كبير جداً، قد تواجهها واشنطن والاحتلال الإسرائيلي بفتح ملف توطين اللاجئين الفلسطينين في الدول المضيفة والدول الغربية الغنية.
لا تبدو صفقة القرن وصفة سحرية لحل أطول صراع في التاريخ الحديث، ولكنها قد تُحدث أثراً نوعياً في المسار بتغولها على أهم ملفات التفاوض كالقدس واللاجئين وتصفيتهما عبر سياسة الأمر الواقع وبالقفز عن القرارات الدولية التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به طالما أنها مجرد كلمات غير مشفوعة بالقوة العسكرية والاقتصادية.
كما أن التعويل على صحوة الرئيس عباس وقيادة السلطة الفلسطينية، أمر في غير محله، بحكم السلوك والتجربة، والقناعات السياسية لديهم، إضافة إلى ارتباط مصالحهم الشخصية والفئوية باستمرار وجود السلطة الفلسطينية المرتبطة بشراكات أمنية واقتصادية عضوية مع الكيان الإسرائيلي.
ولذلك، لم يبق أمام الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، إلا المقاومة والمواجهة بمعزل عن أحلام المصالحة الوطنية، لأنها مجرد فكرة جميلة في زمن قبيح.
أحمد الحيلة