دولي
ماذا يعني الدفاع عن الوساطة الأمريكية؟
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 30 جانفي 2018
تكتسب التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مؤتمر «دافوس» الاقتصادي، والتي جزم فيها بأن القدس باتت خارج المفاوضات خطورة كبيرة ومضاعفة. ونظرا لأن ما صدر عن ترمب جاء خلال لقائه بنتنياهو، فإن هذا يدلل على أن هناك تنسيقا أمريكيا يهدف للتمهيد لتطبيق صفقة القرن.
فقد أفصح ترمب عن موقفه هذا بتهديد صريح بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية في حال ظلت ترفض التفاوض مع "إسرائيل" على أساس صفقة القرن.
لكن ما هو أخطر من ذلك يتمثل في حقيقة أن الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية الهادفة لتوفير الظروف أمام تطبيق صفقة القرن تتمثل في محاولة فرض حقائق على الأرض. فحسب قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، فإن ترمب بعد أن أخرج قضية القدس من دائرة التفاوض سيعلن قريبا عن إخراج الحديث عن حق العودة للاجئين من دائرة التداول في أية تسوية مستقبلية للصراع.
ومن الواضح أن هذه المواقف تشي بحجم الخداع الذي مارسه نائب الرئيس الأمريكي مايكل بنيس خلال زيارته للمنطقة، عندما ادعى أن الولايات المتحدة تدعم حل الدولتين. فمن الواضح من تصريحات ترمب من أن الإدارة الأمريكية و"إسرائيل" تتعاونان بشكل منهجي من أجل تصفية أية فرصة لجعل هذا الحل ممكنا.
بعد أن وصل بنس إلى "إسرائيل"، أرسل المزيد من الرسائل التي تؤكد عزم إدارته على محاولة فرض «صفقة القرن» الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وضمنها حل الدولتين.
فبعد أن وصل بنس إلى "إسرائيل"، أرسل المزيد من الرسائل التي تؤكد عزم إدارته على محاولة فرض «صفقة القرن» الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وضمنها حل الدولتين.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار المكاسب الهائلة التي تجنيها "إسرائيل" من صفقة القرن، والتي تم الكشف عنها في وثيقة قدمها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات للرئيس محمود عباس وتم تسريبها لقناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة أواخر الأسبوع الماضي، فإن هذا يدلل على خطورة الوقوف موقف المتفرج حيال السياسات والسلوك الأمريكي.
فحسب ما نشرته صحيفة «هارتس»، فإن الولايات المتحدة ستبلغ "إسرائيل" موافقة واشنطن على أي قرار يمكن أن تتخذه حكومة نتنياهو بشأن ضم أية مساحة من الضفة الغربية لـ"إسرائيل".
وقد تكون الخطوة الأولى التي ستقدم عليها "إسرائيل" استنادا إلى «صفقة القرن» ستتمثل في ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لـ"إسرائيل".
وقد ضاعفت الحركات التي تشكل الائتلاف اليميني الحاكم في "تل أبيب" من حراكها الهادف لسن تشريعات تقنن ضم ليس فقط التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، بل منطقة «ج»، التي تمثل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية.
في الوقت ذاته، فإن القرارات المتسارعة التي تتخذها حكومة نتنياهو بشأن تعزيز الاستيطان اليهودي تحديدا في منطقة «غور الأردن» تعني أن "إسرائيل" عازمة على إخراج هذه المنطقة، التي تشكل 25-28% من مساحة الضفة الغربية من دائرة التفاوض؛ مما يدلل على أن تحذيرات عريقات من أن الخطوة الثانية لـ"إسرائيل" استنادا لصفقة القرن ستتمثل في ترسيم الحدود الشرقية للضفة، على اعتبار أن حسم مصير منطقة «الغور» يعني حسم مصير هذه الحدود، تحذيرات في مكانها.
أخطر ما يمكن أن يصدر عن أية حكومة عربية يتمثل في المحاججة بأنه لا بديل عن الوساطة والتدخل الأمريكي في عملية التسوية، فقد يخشى أن هذا الموقف يمثل إضفاء شرعية عربية على الموقف الأمريكي الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.
ومن الواضح أن كلا من الأمريكيين والإسرائيلين قد صاغوا بنود «صفقة القرن» بحيث تفضي عمليا إلى مواصلة "إسرائيل" السيطرة على كل الضفة الغربية وليس فقط 10% كما تنص وثيقة عريقات لأول وهلة.
ويتضح من وثيقة عريقات أن صفقة القرن تمنح "إسرائيل" وحدها التحكم في جدول انسحابها من الضفة الغربية، بحيث إن انسحاب جيش الاحتلال من أية بقعة في الضفة الغربية يتوقف على تقدير "تل أبيب" بأن السلطة قادرة على حفظ الأمن في هذه البقعة.
ومن الواضح أن طابع الموقف العربي الرسمي يمثل أحد أهم مركبات البيئة التي تسمح للإدارة الأمريكية بمواصلة مخططها الهادف إلى إملاء صفقة القرن. فمن أسف، فإن نظم الحكم العربية ليس فقط لا تحرك ساكنا إزاء المخطط الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية، بل إن هناك ما يدلل على انخراط في محاولات لدفع الفلسطينيين للتعاون مع هذا المخطط.
لكن أخطر ما يمكن أن يصدر عن أية حكومة عربية يتمثل في المحاججة بأنه لا بديل عن الوساطة والتدخل الأمريكي في عملية التسوية، فقد يخشى أن هذا الموقف يمثل إضفاء شرعية عربية على الموقف الأمريكي الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية.
صالح النعامي