دولي

خفض التمويل الأميركي… بداية لخنق "الأونروا"

تجميد واشنطن للأموال المخصصة للفلسطينيين سيؤدي إلى أسوأ أزمة تمويل هذه الهيئة

تعامل ترامب مع هذا الملف لتحقيق هدف استراتيجي إسرائيلي

 

أكّد المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، كريس غونيس، الأربعاء، أن قرار الولايات المتحدة الأميركية تجميد عشرات ملايين الدولارات المخصصة للوكالة، سيؤدي إلى أسوأ أزمة تمويل للوكالة منذ تأسيسها، وقال غونيس لوكالة "فرانس برس"، إن "الولايات المتحدة أعلنت أنها ستساهم بمبلغ 60 مليون دولار أميركي لميزانية البرنامج. حتى هذه اللحظة، لا يوجد أي مؤشرات أخرى على تمويل محتمل"، وأشار غونيس إلى أن "هذا التخفيض الكبير في المساهمة سيؤدي إلى أسوأ أزمة تمويل في تاريخ الوكالة".

قررت واشنطن، الساعات الماضية "تجميد" نصف الأموال المخصصة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في رسالة تحد جديدة إزاء الأمم المتحدة وضربة قوية للفلسطينيين، وأعلنت وزارة الخارجية أنه ومن أصل 125 مليون دولار من المساهمات الطوعية لهذه الوكالة للعام 2018، أكّدت واشنطن دفع "شريحة أولى" بقيمة 60 مليون دولار خصوصاً لدفع الرواتب في المدارس والمرافق الصحية في الأردن والضفة الغربية وقطاع غزة.

ويأتي القرار الأميركي ضمن سلسلة قرارات انحازت للكيان الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين. فبعد أن اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول الماضي بالقدس عاصمة لإسرائيل فأثار استنكار الأسرة الدولية والفلسطينيين، هدّد في مطلع يناير/كانون الثاني الحالي بوقف المساعدة المالية الأميركية.

وترجم ترامب تهديده وقطع بالفعل أكثر من خمسين بالمئة (65 مليون دولار من أصل 125 مليونا) من التزام بلاده بموازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). 

وزعمت الإدارة الأميركية أنها اتخذت هذا الإجراء بدافعين: حمل الوكالة على "القيام بإصلاحات" في جهازها وأدائها. ثانياً، حث بلدان أخرى، خاصة العربية الغنية، على المساهمة بحصة أكبر في هذه الموازنة، إذ "لا يصح" أن يبقى العبء الأكبر على واشنطن، كما قالت المتحدثة الرسمية في وزارة الخارجية، هيذر نويرت.

لكن هذا التسويغ مفضوح وغير قادر على حجب الطابع السياسي لهذه الخطوة. فالسياق الذي حكمها، يضعها في هذه الخانة. ولم يكن أمراً عرضياً أن يسارع السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون ديرمر، إلى الترحيب بقرار الإدارة، ولو أنّه يمثّل نصف خطوة.

الموافقة على تسديد نصف المبلغ، تمّت بعد تدخل وزيري الخارجية، ريكس تيلرسون، والدفاع، جيمس ماتيس، وإقناع الرئيس بالإبقاء على شيء من التمويل للوكالة، خلافاً لما توعّدت به السفيرة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، التي كادت أن تجزم، قبل أيام، بالوقف الكامل للتمويل. فهي في مواقفها المتعلقة بالفلسطينيين تعاكس تيلرسون، وتحاكي مواقف السفير الأميركي في إسرائيل، دافيد فريدمان.

وعقب القرار، ندّدت منظمة التحرير الفلسطينية بالقرار الأميركي، معتبرةً أنه "يستهدف الفلسطينيين الأكثر ضعفاً ويحرم اللاجئين من حقهم في التعليم والصحة".

 

الموافقة على تسديد نصف المبلغ، تمّت بعد تدخل وزيري الخارجية، ريكس تيلرسون، والدفاع، جيمس ماتيس

 

ترجمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديدها وقطعت بالفعل أكثر من خمسين بالمئة (65 مليون دولار من أصل 125 مليون) من التزامها بموازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). زعمت بأنها اتخذت هذا الإجراء بدافعين: حمل الوكالة على "القيام بإصلاحات" في جهازها وأدائها. ثانياً، حث بلدان أخرى، خاصة العربية الغنية، على المساهمة بحصة أكبر في هذه الموازنة، إذ "لا يصح" أن يبقى العبء الأكبر على أميركا، كما قالت المتحدثة الرسمية في وزارة الخارجية، هيذر نويرت. 

لكن هذا التسويغ مفضوح وغير قادر على حجب الطابع السياسي لهذه الخطوة. فالسياق الذي حكمها، يضعها في هذه الخانة. ولم يكن أمرًا عرضيًا أن يسارع السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون ديرمر، إلى الترحيب بقرار الإدارة، ولو أنّه يمثّل نصف خطوة.

الموافقة على تسديد نصف المبلغ، تمّت بعد تدخل وزيري الخارجية، ريكس تيلرسون، والدفاع، جيمس ماتيس، وإقناع الرئيس بالإبقاء على شيء من التمويل للوكالة، خلافاً لما توعّدت به السفيرة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، التي كادت أن تجزم، قبل أيام، بالوقف الكامل للتمويل.

فهي في مواقفها المتعلقة بالفلسطينيين تعاكس تيلرسون، وتحاكي مواقف السفير الأميركي في إسرائيل، دافيد فريدمان. وبهذا بدا وكأن وزير الخارجية، وبدعم من ماتيس، كسب هذه الجولة ضد هيلي، واستعاد بعض المبادرة لتأكيد حضوره ودوره في ساحة السياسة الخارجية.

لكن في الحقيقة لم تكن هناك جولة. فالرئيس اضطر إلى أن يصغي للوزير لأنه "بحاجة الآن إلى تيلرسون" للاهتمام بالملفات الخارجية، حسب مصدر مطلع. فالبيت الأبيض في موقع دفاعي خانق على أكثر من جبهة داخلية.

التحقيقات الروسية صارت على أسوار البيت الأبيض، والعاصفة التي أثارتها ملاحظة الرئيس العنصرية لم تهدأ بعد، فضلاً عن احتمال توقف العمل في الدوائر الرسمية مع حلول منتصف يوم غد الجمعة إذا رفض الكونغرس الموافقة على الشق المستحق من الموازنة، ما يقطع التمويل عن كافة الأجهزة الحكومية.

ثقل هذه المتاعب، ساهم في تعزيز وضع تيلرسون. وتبدّى ذلك في دوره مع ماتيس والآخرين في حمل الرئيس، قبل أيام، على التراجع بشأن النووي الإيراني.

لكن تراجعات الرئيس ترامب اضطرارية ومؤقتة، وفي أحسن أحوالها معلّقة، وبالذات في موضوع "الأونروا". فهو تعامل مع هذا الملف لتحقيق هدف استراتيجي إسرائيلي: شطب قضية اللاجئين من خريطة الصراع؛ لأنها تنطوي على تذكير دائم باقتلاع شعب وابتلاع أرضه. مطلب إسرائيلي تبرعت الإدارة بوضعه موضع التنفيذ. الرئيس ترامب قالها من دون مواربة في إحدى تغريداته: "ندفع لهم الملايين –أي للفلسطينيين– وهم يرفضون الدخول في مفاوضات سلام مع إسرائيل. فلماذا نستمر في الدفع؟". وقف الدفع بالنهاية يتحقق في تغييب "الأونروا" بالموت البطيء، عن طريق اعتماد سياسة التمويل بالقطارة المتناقصة، وبما يكفل تذويب وتجويف دورها.

تقول الخارجية إن الإدارة "جمّدت" النصف، لغاية أن يتبيّن لها مدى جدية الوكالة في "إصلاح أوضاعها". لكنها في الواقع قطعت المبلغ وإلى غير رجعة. فهي لم تذكر أي شيء عن مثل هذا الإصلاح، ولا هي أفصحت عن مآخذها في هذا المجال، أو تقدمت إلى "الأونروا" بقائمة للجوانب المطلوب إصلاحها، وعليه فإن الحديث عن تجميد المبلغ لا يستقيم في غياب شروط مربوطة به، الأمر الذي يكشف عن عدم وجود نية لتسديده لاحقاً، وبحيث يكون الخطوة الأولى في عملية قطع شريان الحياة عن "الأونروا" تمامًا. 

"99 % من قصة اللاجئين مزيفة"، يقول دانيال بايبس، أحد عتاة المتحدثين بلسان إسرائيل في أميركا. ويضيف : "أقترح على الرئيس ترامب العمل مع القدس -يعني إسرائيل– لتقديم العون للفلسطينيين؛ بشرط أن تقر الغالبية العظمى منهم بأنهم ليسوا الآن ولم يكونوا يوماً لاجئين". هذا هو بيت القصيد.

 

من نفس القسم دولي