الوطن
"نريد حكومة تحافظ على الثوابت وتجمع شتات الشعب الفلسطيني"
الدكتور عماد يعقوب حمتو أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة فلسطين في ضيافة "الرائد"
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 02 سبتمبر 2012
في هذا اللقاء الذي جمعنا مع الدكتور عماد يعقوب حمتو أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة فلسطين، تطرقنا من خلاله إلى جملة من القضايا التي تشغل الراهن العربي عامة والقضية الفلسطينية خاصة.
دكتور أولا مرحبا بك في الجزائر، وما سبب الزيارة؟
أهلا بكم، وأشكركم على هذه الاستضافة. وعن الزيارة إلى الجزائر، أنا هنا برفقة عدد من العلماء بدعوة من قافلة "أميال" التي تدعو إلى فك الحصار عن الشعب الفلسطيني، ولا أخفي عنكم بأنني أحب الجزائر.
على ذكر الحصار المفروض على فلسطين وقطاع غزة خصوصا، والمشاكل التي تتخبط فيها فلسطين في ظل الانشقاق الحاصل بين حركة "حماس" وحركة "فتح" رغم المحاولات الكثيرة في سبيل إصلاح الأمور وإحداث التوافق بينهما، فما موقفك من كل هذا؟
أنا شخصيا اعتقلت مرتين من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومرة من طرف الحكومة السابقة في قطاع غزة، وأعني حكومة "فتح"، وهذا بسبب مواقفي، فأنا لدي قناعات خاصة وأتكلم باسم الكل الفلسطيني دون التفرقة بين الحركات، وأنصح جميع الفرقاء بنبذ الاختلافات للوقوف على الهدف الأسمى ألا وهو القضية الفلسطينية، والتي لن تقوم لها قائمة في ظل هذه التفرقة والخلافات. وعن موقفي، أنا أقف مسافة واحدة من جميع الأحزاب لأنهم في نهاية الأمر أبناء شعبنا، وينبغي على الوطن أن يكون للجميع دون التعاطي مع حزب ما.
لكن في رأيك، من هو الأنسب لقيادة الحكومة الفلسطينية؟
نحن نريد حكومة كفاءات تحافظ على الثوابت الوطنية وتجمع شتات الشعب الفلسطيني، فلقد تذوقنا مرارة الانقسام وثبت أن الفرقة عذاب ولا تبني دولة.
وما السبيل لإنهاء الفرقة؟
أنا متأكد بأن هذه الفرقة هي مجرد غمة وستزول في حالة ما إذا توفرت النوايا الحسنة والعزائم القوية، لأن القضية الفلسطينية تراجعت عربيا وإقليميا وعالميا بسبب الفرقة، فالقضية الفلسطينية تعرضت لطعنات قوية وتجاوزتها. ومازالت قضايا المقدسات والحدود والحصار أهم من كل شيء، لذلك يجب على الدولة أن تكاتف الجهود من أجل النهوض بفلسطين، فإن وجدت أبي وجدي في ظل الاحتلال، لا أريد أن أرى ابني كذلك.
في ظل صعود الإخوان المسلمين في مصر إلى أعلى هرم السلطة وقيامهم بفتح معبر رفح بصفة دائمة، فهل يمكن للحكومة المصرية الحالية إعطاء الدعم أكثر للقضية الفلسطينية؟
لقد وعدت الحكومة المصرية الحالية بإعطاء دفع أكثر للقضية، ولكن العملية الأخيرة التي راح ضحيتها جنود مصريون على الحدود أثرت على الوعود المصرية، بالإضافة إلى أن إسرائيل موجودة ولا يمكن أن نتصور أن المعاناة ستنتهي، ونحن نتفهم ذلك، لأن اليهود لن يهدأ لهم بال دون تعكير صفو العلاقات المصرية الفلسطينية ويحاولون إفشال أي خطة حول الشعب الفلسطيني.
ماذا تقول عن حركة حماس الفلسطينية ودورها في المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني؟
يجب على حماس أن تخرج من فكر الحزب إلى فكر الدولة، وعلى جميع الحركات التي تمارس السياسة أن تكون جامعة وتخرج من الخندقة الضيقة في النظرة إلى الجماعات الإسلامية أو الأحزاب الأخرى، ويجب أن يطغى فكر الدولة التي لها وطن ودين واحد، والدين والوطن أكبر من المصالح الضيقة وأكبر من الجميع، وهنا استوقفني شيء، وهو أنه هنا في الجزائر لديهم عاطفة اتجاه الرمز الفلسطيني والكل الفلسطيني، بما في ذلك فتح وحماس، وأريد أن أؤكد على شيء هام والمتمثل في نصيحتي إلى الشعب الفلسطيني أن يستمع إلى صوت العلماء، وأن يتأثروا بمنهج الإسلام السمح، فنحن نضيع عندما نختزل الإسلام. أنا مدرك أن شعبنا موجود والحب موجود، لكن المشكل في تحريك هذا الحب فيما بيننا. فعلام نحتلف؟ وفيما نختلف؟ لكن هناك أمراض علينا أن نتخلص منها.
هناك عدة اتجاهات تذهب إلى الرأي القائل بأن أسباب الخلاف بين الحركتين تعود إلى أيادٍّ أجنبية تغذي التفرقة بين الإخوة، فهل تؤيد هذا الرأي؟
بالفعل هناك عدة محاور دولية تريد تنفيذ مخططاتها في فلسطين وإطالة أمد هذه الفرقة، والمواطن الفلسطيني هو الضحية، فذات مرة قال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في ذكرى الاحتفال بالذكرى 64 للعيد الوطني: "فلسطين تحتفل بذكرى الانشقاق الفلسطيني"، فنحن نطالب الفريقين أن لا تكون المصالحة عبارة عن شعارات، فلابد من مد جسور الثقة، ونأمل من الجزائر ومصر أن يكون لهما تأثير كبير في رص الصفوف ووحدة الكلمة والخروج من هذه الفرقة، التي أشغلتنا عن قضايانا.
في مؤتمر دول حركة عدم الانحياز المقام أخيرا في إيران، حاولت من خلاله دولة محمد أحمدي نجاد تبني القضية الفلسطينية وفتح أبواب حوار شامل بين الفرقاء في فلسطين، وهذا ما رفضه الرئيس المصري محمد مرسي، فما هو تعليقك حول هذا؟
لا يخفى علينا في أن إيران دولة كبيرة، وموقفها تجاه القضية الفلسطينية، أعتبره تغطية عن موقفها تجاه سوريا والقاضي بدعم النظام السوري وجرائمه في حق الشعب.
على ذكرك سوريا، كيف تحلل لنا الأوضاع السائدة هناك؟
لا نعلم ماذا يحدث في سوريا من خلال المقامرة بالشعوب، ونحن نغفل عن ما يدور. وهناك أطراف عربية تمارس برامج معينة مثل قطر وتريد أن يكون لها القيادة الأولى ولو عبر المتاجرة بدماء العرب، وبالتالي ليس ما يظهر هو ما يبطن، وأقولها بصراحة نحن أمام "سايس بيكو" ثانية في ظل هذا الصراع الطائفي.
لكن لا يمكن إخفاء جرائم النظام السوري؟
أنا ضد الأنظمة القمعية والطاغية، ومع كل شعب يرفع الظلم عن نفسه. فهذه حكومات خدماتية، وبالتالي هي في خدمة الشعب، وإن أراد الشعب التغيير، فلابد من الاستجابة لمطالبه، فالتغيير لا يولد الانهيار، فمثلا مبارك ذهب ومصر بخير، أنا أكره الدماء ونحن قوم قساة على بعضنا البعض، وهذا البأس بيننا حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجب الاحتكام إلى الديموقراطية.
في ظل هذا الحراك العربي وتكالب الحكومات الأجنبية، كيف يرى الدكتور عماد مستقبل الأمة العربية؟
نحن نتجه إلى الصدام، لأن الحرب أولها كلام، فهناك 30 محطة صراع بين السنة والشيعة، وهناك من يؤجج للحرب القادمة ويختفي صوت العقل والوحدة، لقد تحولت بوصلة الصراع من إسرائيل إلى إيران والغرب يغذي هذا الصراع السني الشيعي والمسلمون يتعاملون بعواطف ولم نأخذ الدرس بعد.
أين هو دور المرجعيات الدينية للوقوف حائلا في تطور الأمور نحو الأسوأ؟
في الأول كان للمرجعيات الدينية دور كبير في كل أمور الحياة، فالأزهر مثلا كان يعتبر مجلسا للثورة، وجاءت مرجعيات أخرى تحمل صورة الإسلام الدموي المرتبط بالعنف. لقد أصبحت لدى الحركات الإسلامية شهوة كبيرة للوصول إلى الحكم، وهذه الرغبة إذا جاءت قبل موعدها تريق الدماء وتكون نتائجها كارثية وتستدرج إلى نقطة الصدام.
يقول الكثيرون إن المرجعيات أصبحت في يد السلطة، فما هو تعقيبك؟
أريد أن أتحدث عن الأزهر بصفتي كنت طالبا فيه، فأنا أقول لك شخصيا بأن الأزهر ليس بيد السلطة، وهو حر في قراراته وفتاواه ومواقفه دون أدنى تدخل من السلطة في إبداء مواقفه.
في الآونة الأخيرة، انتشرت كثيرا ظاهرة إنتاج الأعمال السينمائية والتلفزيونية المتعلقة بسيرة الصحابة على شاكلة ما حدث مع مسلسل عمر بن الخطاب والذي أثار جدلا كبيرا بسبب تباين فتاوى العلماء حول تحريم مشاهدته، فما موقفك من كل هذا؟
نعم تابعت الضجة التي أحدثها مسلسل عمر بن الخطاب على غرار مسلسل يوسف عليه السلام، وأنا شخصيا لا أمانع تجسيد الصحابة في أعمال تلفزيونية، لأننا في الوقت الحالي لم يصبح تأثير الدعوة على الناس في خطابات مباشرة قويا، كما في الماضي، وأصبحت الناس تميل إلى الأسلوب الدرامي والسردي، وهو ما يتوفر في هذه الأعمال، بالإضافة إلى التشويق، ما يستقطب أكبر عدد من المتابعين، ولا أجد مشكلا في ذلك، فالأساليب والوسائل تغيرت.