دولي
الفلسطينيون.. والخيارات الاستراتيجية
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 24 ديسمبر 2017
المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية الآن من محاولات للتذويب والتفكيك لم تعد تحتمل أي خطأ فلسطيني، بل إن هذه المرحلة تحتاج لمراجعة نقدية تقويمية لكل الخيارات المتاحة والممكنة، التي يمكن أن تدفع في إتجاه التخلص من الاحتلال الإسرائيلي.
ولذلك فإن الخطوة الأولى التي لا تحتاج للتحليق في سماء الشعارات والعبارات والتصريحات غير الواقعية تحديد أهداف هذه المرحلة بشكل واقعي وقابل للتحقيق، وبناء على تحديد الهدف أو أهداف المرحلة تحديد عناصر القوة المتاحة فلسطينياً، والإعتماد كلياً على عنصر الفعل الفلسطيني، وهو العنصر الحاسم في تحقيق الأهداف الفلسطينية، فبعد سبعين عاماً على نشوء القضية، وعلى الرغم من كل التضحيات الفلسطينية لا بد من الإقرار بأن الهدف الأساس بقيام الدولة وإنهاء الاحتلال لم يتحقق حتى الآن.
ولعل الأسباب كثيرة، لكن أهمها فلسطينياً عدم الوضوح في الأهداف، وتضارب وتصارع الخيارات الفلسطينية، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، وتحديداً عقد الإنقسام الذي تسبب في التراجع الواضح للقضية الفلسطينية، ونرى بعضاً من ملامحه ان القضية الفلسطينية لم تعد القضية الرئيس على المستوى العربي والدولي، وذلك بسبب بروز العديد من القضايا التي باتت تشكل أولوية إقليميا ودولياً، بل ان كل دولة أصبحت منشغلة بأولوياتها على حساب القضية، وهو ما يحتم فلسطينياً مراجعة الخيارات والآليات.
لم تعد هذه المرحلة وفي ظل كل المعطيات والمحددات الإقليمية والدولية للقضية تحتمل التكرار بنفس اللغة والخطابات السياسية السابقة من شعارات كانت بعيدة عن الواقع.وأولى متطلبات هذه المرحلة توحيد مؤسسة صنع القرار السياسي الفلسطيني ودعمها بكل عناصر القوة، فصانع القرار يحتاج لموقف داعم لقراره، وهو بدوره مطلوب منه توسيع دائرة المشاركة والتشاور السياسي، وتوسيع مساهمة مؤسسات البحث والتفكير للإرتقاء بالقرار السياسي إلى أعلى درجات الرشادة والصوابية، وتقليل فرص وإحتمالات الخطأ.
والأمر الثاني توفر البنية المجتمعية الفلسطينية الداعمة والحاضنة للقرار السياسي لأنها من تدفع أثمان القرار السياسي.
ولتحقيق هذه المتطلبات لا بد من مراجعة وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس من التعددية والتشاركية، والذي تحكمه رؤية سياسية وإستراتيجية تتلاءم وأهداف المرحلة الإنتقالية. ولا يجوز التفكير بما هو أبعد من ذلك. وهذا يتناقض مع أبسط إمكانات تحقيق الأهداف.
ولعل أحد الأخطاء السابقة ان القرار الفلسطيني الموحد كان غائبا، وكل فصيل يعتقد انه على صواب، وثانيا التفكير بمنهاجية المطلق والغيبي والطوباوي، والتفكير كان يسبق القدرة والقوة على تحقيقه. وهذا أحد أهم أسباب الفشل السياسي.
لو عدنا للواقع السياسي القائم فإن الهدف الواقعي والذي قد يجد التأييد دوليا هو المطالبة بالحق في قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الهدف لا بد ان يكون واضحا في هذه المرحلة، وخصوصا ان هذا القرار تدعمه الكثير من قرارات الشرعية الدولية، ولا تستطيع إسرائيل ولا حتى الفيتو الأمريكي أن يحول دون ذلك.
وهذا الهدف هو الذي يحدد ويفرض الخيارات الكفيلة بتحقيقه فلسطينيا. إذن الأساس في تحقيق هدف الدولة لا بد أن يكون فلسطينيا أولا، ثم يأتي الدعم الإقليمي والدولي، ولنا في تجربة المهاتما غاندي ونيلسون منديلا نموذجا واضحا. وهنا تأتي أهمية توافر القيادة التاريخية والوطنية الملهمة والمعبرة عن قضيتها.
والعنصر الثاني في نجاح الأهداف توفير البنية القوية والقادرة على إستيعاب وتفهم قرارات القيادات الوطنية لقناعتها بالأهداف المعلنة. وهنا التساؤل وقبل إستعراض الخيارات وإلإستراتيجيات تحديد عناصر القوة الفلسطينية من قوة ناعمة وذكية وحتى قوة صلبة، والتركيز على أهمها في هذه المرحلة.
وهنا تبرز أهمية عناصر القوة الناعمة والذكيه وهي كثيرة ومتنوعه. والإبتعاد عن الجانب المسلح لأنه يرتبط بالعنف والإرهاب المنتشر والذي تعاني منه كل الدول. والإبتعاد عن اي شكل من أشكال العنف المسلح كعسكرة المقاومة مثلا، وهو ما يعطي إسرائيل الفرصة لإجهاض المقاومة الفلسطينية ، وهو ما حدث فعلا في السنوات السابقة.
إسرائيل دولة قوة، ومن الأهمية بمكان التعامل مع عناصر الضعف في إسرائيل وخصوصا في المكونات الأخلاقية والديموقراطيه خاصة وأن اسرائيل تحاول أن تقدم نفسها كدولة أخلاقية ديموقراطيه.
وهنا أهمية الربط بين هذه المكونات و الاحتلال. المطلوب إبراز أشكال الاحتلال وسلوكياته، وهذا يتطلب مقاومه تتسلح بعناصر القوة الناعمة والذكيه.
وبقدر إبراز التضحيات السلمية والمدنية للمقاومة بقدر إبراز الأحتلال بكل أشكاله، بقدر خلق الضغط الدولى المطلوب لوضع حد لهذا الإحتلال.
والمقاومة بهذه الصورة لا تكفي ولا بد من موازاتها بالخيارات الدولية بإحياء وتفعيل الشرعية الدولية ووضع الدول عند مسؤولياتها الدولية ، والتمسك بخيار السلام وآداته المفاوضات وتفويت الفرصة على أي إتهامات للجانب الفلسطيني على أنه لا يريد السلام والمفاوضات .
المفاوضات خيار دولي، ولا يكفي أن نقول ان المفاوضات لم تعد خياراً قائماً. هذا تفكير غير صحيح، ولا يكفي ان نقول فقط أن الولايات المتحدة لم تعد دولة راعية للمفاوضات المطلوب تحديد الرؤية التفاوضية الفلسطينية المدعومة دولياً.
كل هذا يعني شيئاً واضحاً التكامل في الخيارات والقدرة على تحمل التبعات والتداعيات التي تترتب على أي خيار. هذا هو أساس نجاح الخيارات ، ليس في توفرها ولكن بالقدرة على تحمل تداعياتها وتبعاتها.
ناجي صادق شراب