دولي

المصالحة والتلاعب الإسرائيلي

القلم الفلسطيني

لقد تزايدت في الأيام الأخيرة التحليلات والتقديرات بأن "إسرائيل" عادت لتضع العقبات والعراقيل أمام تقدم المصالحة، مما يسمح للسلطة وحركة فتح المترددة والمعنية بالتباطؤ باستخدام هذا الأمر ذريعة إضافية وقد تكون مقنعة للبعض، من أجل التهرب من المسؤولية الوطنية القاضية بضرورة تحقيق خطوات جدية باتجاه المصالحة، ومن أهمها رفع العقوبات عن غزة وصرفها لرواتب الموظفين.

فكيف تمارس "إسرائيل" ألاعيب التعطيل مع أنها سمحت بانطلاقة المصالحة دون أن تستخدم أوراقها الكثيرة لتعطيلها؟!

يمكن القول بدرجة عالية من المعقولية إن "إسرائيل" وخاصة المستوى الأمني والعسكري فيها معنية بخطوات محدودة وبسيطة باتجاه المصالحة لخدمة مصلحة "الأمن القومي" بعدم التصعيد في "الجبهة الجنوبية"، أما المستوى السياسي والذي وافق على المصالحة على مضض وبشروط تعجيزية نظرية وغير واقعية كالتخلي عن سلاح المقاومة واعتراف المقاومة بـ"إسرائيل"، خضع بذلك لتقديرات المستوى الأمني، سيعمل كل ما باستطاعته من أجل التلاعب في مسار المصالحة وتحويله "وبرضى جزئي من بعض الأطراف الفلسطينية" إلى موضوع ابتزاز للطرف المعني بها بصورة أكبر، أي فصائل المقاومة.

إن من أهم أشكال التلاعب والابتزاز الإسرائيلي هو موضوع صرف رواتب الموظفين في غزة، فـ"إسرائيل" تمتلك أوراق ضغط في هذا الموضوع، من خلال تحكمها بنقل أموال الضرائب للسلطة على سبيل المثال، ولكنها وفي المقابل لن تسمح بتحول الأمر لسبب في التصعيد الكبير، لذا فمن المرجح أن تحول هذا الموضوع ومعه المصالحة إلى عملية استنزاف وابتزاز مستمرة ومرهقة لضرب الروح المعنوية للشعب الفلسطيني من خلال ضرب الروح المعنوية للموظفين، وذلك من خلال استخدام تكتيك "صرف الرواتب بالقطارة "، وسيستمر ذلك إلى أن تستطيع قوى المصالحة تغيير هذه المعادلة.

أما الشكل الثاني من أشكال الابتزاز والتلاعب الإسرائيلي فيتعلق بمساومة المقاومة الفلسطينية بتقديم تنازلات في ملف الجنود الأسرى المعتقلين في غزة، حيث يتوقع الكثير من المحللين أن تقدم الحكومة في "إسرائيل" طلبات في هذا المجال من خلال الوسيط المصري، على الرغم من تقديراتها بأن احتمالية استجابة المقاومة لها تميل إلى الصفر، فقد أظهرت المقاومة ثباتاً واضحا على مواقفها الرافضة للمساومة، وخاصة في إصرارها على أن هدف احتجاز الجنود هو إطلاق الأسرى فقط ، وأن مسار التبادل منفصل تماماً عن بقية المسارات كمسار المصالحة والإعمار.

وأخيرا وعلى ضوء محاولات التلاعب والابتزاز الإسرائيلي في موضوعي الرواتب و تبادل الأدوار، إضافة إلى رغبة السيد الرئيس أبو مازن في استمرار "السير في المكان" حتى التمكين غير الواضح، فمن المتوقع أن يبقى الوضع الحالي في غزة محتقنا إلى درجة عدم الانفجار، لا من ناحية توقف المصالحة و لامن جهة الحرب مع "إسرائيل"؛ هي منزلة ما بين المنزلتين ولعبة خطيرة يصعب التحكم بها، حتى حدوث ما يكسر هذه المعادلة كقرار إسرائيلي غبي وغير مدروس بالتصعيد على سبيل المثال.

عبد الناصر عيسى

 

من نفس القسم دولي