دولي

النمر الأسود في القدس!

القلم الفلسطيني

نتذكر في هذه الأيام النحسات أبطالاً قدموا إلينا من أطراف الدنيا نالوا شرف الدفاع عن القدس ولم يجعلوها لقمة سائغة بأيدي المحتلين، وقاتلوا ببسالة في مواجهة قوى فتاكة ومنظمة جداً، حتى سلّموا الأمانة للجيوش العربية التي خيبت آمالهم وانهزمت في سرعة مريبة.

محمد طارق الإفريقي قائد أسمر طويل القامة قاد أربعين معركة مسجّلة في جبهتي غزة والقدس لمنع اليهود من الاستيلاء على فلسطين عام 1948م، ولد في نيجيريا عام 1885م عند أخواله النيجيريين وتعلم لغتهم الهوساوية، ونشأ بين ليبيا حيث بلدُ أبيه ونيجيريا، وانتقل مع والديه إلى سوريا ثم تركيا ودرس هناك في كليتها الحربية عام 1914م ، حصل على الجنسية السورية وتزوج امرأة سورية وأنجب منها ابنته الوحيدة نعمات.

ما نعرفه عنه أنه ضابط عسكري قويّ ومحترف شارك مع الجيش العثماني في حروب البلقان وشرق أوروبا، وكان سعيداً بمساندة الجيش الإثيوبي في حربه ضد الغزو الإيطالي لأنهم أفارقة مثله كما يقول وكتب عن المعارك كتاباً، وشارك أيضاً في معارك الثوار الليبيين ضد الاحتلال الإيطالي لبلادهم.

كان زملاؤه يلقبونه بالنمر الأسود (لجرأته واقتحامه المخاطر وسرعته في الهجوم والمناورة واقتناص الفرص ومباغته العدو ليلاً وبشراسة). 

انتقل إلى السعودية في أول أيام تأسيسها على يد الملك عبد العزيز آل سعود وبعد استيلائه على الحجاز، حيث طلب الملك عبد العزيز من الرئيس السوري شكري القوتلي الاستعانة بخبرة الإفريقي في تأسيس نواة الجيش السعودي، وعند وصوله سلّمه رئاسة أركان الجيش السعودي وكان أول رئيس أركان لهذا الجيش وكان برتبة مقدم وكان ذلك عام 1358 هـ وبقي هناك خمس سنوات ثم عاد إلى سورية بعد خلافات مع بعض القيادات العسكرية السعودية، لكنه بقي على صلة جيدة بالملك عبد العزيز. 

انتقل من سوريا إلى فلسطين وكلفه الشيخ محمد أمين الحسيني مفتي فلسطيني ورئيس الهيئة العربية العليا بالمشاركة الفاعلة في جهود الدفاع عن فلسطين، لاسيما أن الإفريقي كان ممن شارك في المؤتمر الإسلامي الأول في القدس عام 1931م، فعمل مستشاراً حربياً للقائد حسن سلامة في يافا أوائل عام 1948م ، ثم انتقل مع القائد حسن سلامة إلى جبهة غزة في مركز قيادتها في المجدل وكانت قواتها لم تتشكّل فيها بما ينبغي وقاد معاركها حتى سقطت هذه الجبهة لعدم وجود سلاح كافٍ وقوة العدو في نهاية أبريل عام 1948.

كلفه الحاكم العسكري للقدس آنذاك أحمد حلمي باشا بقيادة منطقة من مناطق القدس في 11-7-1948 التي كانت تعاني بعض مناطقها من عدم وجود قيادة عسكرية لها، وأوكل إليه قيادة المناضلين الفلسطينيين الذين لم ينخرطوا في صفوف جيش الجهاد المقدس وعددهم 520 مجاهداً؛ واتخذ الإفريقي مقر قيادته على خط النار لرفع معنويات المقاتلين في الوقت الذي تحولت فيه القوة العسكرية في القدس إلى مجموعات دفاعية بعد أن سقطت جميع المواقع الاستراتيجية، وكانت أولى المعارك في "النبي داود" ودير أبي طور، وتحدث الإفريقي بألم أن "الباشا" لم يتحرك عن كرسيه طيلة أيام القصف اليهودي على القدس، وتحدث بألم عن زيارة بعض الزعماء العرب للجبهة ووعودهم الكاذبة بدعم المجاهدين في القدس الذين كانوا يعانون من حالة مزرية ثم استقال الإفريقي في 22-10-1948 بعد أربعة أشهر من القتال متعللاً بتردي حالته الصحية بعد إصابته في كمين يهودي، مبدياً تألمه من حرمانه من شرف الدفاع عن المدينة المقدسة ولاسيما منطقة جبل المكبر، ثم انضم إلى عائلته في دمشق ووجه للمجاهدين من هناك رسالة يدعوهم فيها للاستبسال في القتال والصبر ...

لم تنقطع صلته بفلسطين، فقد عاد إليها في 28 (يوليو) 1953 عائداً من (لاغوس) إلى فلسطين بطريق جبل طارق على رأس وفد المؤتمر الإسلامي العام الموفد من بيت المقدس لجمع التبرعات من أمراء المسلمين في (نيجيريا) مسقط رأسه.

عاد الإفريقي للعمل في السعودية مستشاراً في الجيش السعودي، ومديراً للعمليات حتى أصيب بجلطة تسببت له بالشلل، فطلب الإذن بالرحيل إلى سوريا فوافق الملك عبد العزيز، واشترى له بيتاً، والتزم براتبه حتى توفي الإفريقي في دمشق بعد مدة قصيرة .

أسامة الأشقر

 

من نفس القسم دولي