دولي
جيلو في خطر!!
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 نوفمبر 2017
اجتمع أعضاء ما عرف عن نفسه بالتحالف الإسلامي لمكافحة ما يعدونه إرهابا في إحدى العواصم العربية لوضع الخطط والاستراتيجيات لمحاربة ما يعدّونه إرهابا يهدد تلك الأنظمة عبر الحرب المخابراتية والعملياتة والمالية.
وأكثر ما أثار الانتباه هي تلك الصور التي عرضت على شاشات المؤتمر التي يظهر فيها مقاتلون فلسطينيون يقاتلون دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي ببنادق خفيفة خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000م احتجاجا على تدنيس مجرم الحرب الإسرائيلي أرئيل شارون للمسجد الأقصى المبارك، وبالقرب من المقاتلين جدار مكتوب عليه بالعربية: (جيلو في خطر).
لم يكن هذا المشهد مفاجئا لكاتب هذه السطور، لأن هذا الحدث لم يكن طارئا على الخطاب السياسي والإعلامي والأمني العام لبعض الأنظمة الرسمية العربية التي تحاول تسويق نفسها وتثبيت أركانها في ظل هشاشة الاستقرار السياسي في منطقة تعادي فيها الأنظمة إرادة الشعوب، وتسعى لاستجلاب شرعيات من قوى دولية عبر تملقها وتبني خطابها ومفهومها لقضايا ما يسمى الإرهاب، حتى لو كان ذلك بتبني خطاب الاحتلال الإسرائيلي تجاه قضايا الأمة، وبالأخص قضيتها الأولى فلسطين، ولذلك لم يكن اختيار صورة المقاتل الفلسطيني الذي يقاتل الدبابات الإسرائيلية بتصميم على مشارف مدينة القدس المحتلة وعلى مرمى حجر من المسجد الأقصى المبارك مصادفة، ولم يكن اختيار الصورة وبجانبه الشعار المكتوب (جيلو في خطر) إلا ليرسل رسالة واضحة للاحتلال الإسرائيلي أن معركة تلك الأنظمة المتصهينة هي نفس معركة الاحتلال الإسرائيلي بتجذير الاستيطان وحمايته وتمكينه من المسجد الأقصى ومدينة القدس؛ وفي دفع الأخطار التي تهدد المشروع الاستيطاني الكولونيالي الإحلالي في فلسطين.
تسعى تلك الأنظمة منذ فترة إلى شيطنة الفلسطينيين ونضالهم ضد الاحتلال عبر العديد من الوسائل، ومنها تفعيل لجان إلكترونية مخابراتية لمهاجمة وتشويه الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية وعبر تمجيد الاحتلال والترويج بأن له أحقية في فلسطين، بل وصل الحد إلى نفي بعض المتصهينين لوجود فلسطين والفلسطينيين؛ في تجن واضح على الجغرافيا والديموغرافيا والدين والتاريخ، وفي حركة يائسة لمناقضة المنطق والحقائق والمسلمات الغير قابلة للنفي والتشكيك.
تبث بعض الجهات المخابراتية التابعة لهذه الدول مسلسلا كرتونيا _منذ فترة_ يسمى بوحدة (النمر) يظهرون أنفسهم فيه وكأنهم أبطال خارقون يقومون بعمليات خاصة وخارقة في عمق الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة، ويتخيلون أنفسهم يقومون بقتل أفراد المقاومة بحركات خارقة، ويحاولون إظهار رجال المقاومة بمظهر الأشرار وبأن القطاع هو مركز الشر في العالم، في انسجام واضح بينهم وبين الرؤية الإسرائيلية التي تتمنى لو تفيق وتجد قطاع غزة وقد ابتلعه البحر، وتتمنى رؤية رجال المقاومة الفلسطينية إما قتلى أو أسرى .
اللافت في البرنامج الذي بثت منه عشرات الحلقات التي تتخيل نفسها فيه وهي تحقق (بطولات خارقة) حيث يعكس المسلسل خللا واضحا في شخصيات مريضة ومختلة وطنيا وأخلاقيا ووطنيا ودينيا، فأهم حقيقة في هذه الأفلام الكرتونية أنها تظهر صبيان يتوهمون فحولة يترجمونها في مسلسل كرتوني للتسويق للأطفال، فحتى الإنتاج والتسويق يظهر قناعة من أنتجوه بأنهم لم يغادروا مربع الخيال إلى تمثيل فيلم بمقاتلين يتمنون _ على الأقل_ أن يهزموا مقاتلا واحدا من المقاومة الفلسطينية!!
إن من أهم أسباب إنتاج هذا المسلسل الكرتوني، وغيره من الخطابات والدعاية والتصريحات، يقع في إطار تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتحطيم صورتها في العقل العربي، وتفكيك صورة البطل في الضمير والثقافة العربية والإسلامية، وإحلال مكانها صورة بطل كرتوني متوهم، ينفذ أجندة أعدائه ويحقق طموحاتهم ويقتل أبناء شعبه ويتفاخر بخيانته ويظهرها بأنها هي الخير والوطنية بذاتها، محاولا_ بيأس_ قلب مفاهيم وأوليات العرب والمسلمين من العمل على وتأييد من يقاوم الاحتلال ويعمل من أجل التحرر وتخليص القدس والأقصى منه، إلى مساعدة الاحتلال وقتل من يقاومونه، بالإضافة إلى مساعدة الاحتلال على هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه!!
سبق كل هذه الألعاب الكرتونية والتصريحات البهلوانية اتهامات للمقاومة الفلسطينية بالقيام بأعمال خارقة لا يصدقها عاقل خلال الربيع العربي، ويعكس هذا كله عدة عقد لدى تلك الجهات التي تهاجم المقاومة الفلسطينية، حيث تعيش هذه الجهات عقدة هزيمتها في كل حروب الاحتلال مع العرب ، بينما صدت المقاومة الفلسطينية العدوان الإسرائيلي خلال ثلاثة حروب، وصمدت أمام أسوأ حصار في التاريخ، ولذلك فإن تلك الجهات تعدّ أن المقاومة الفلسطينية فضحتها أمام شعوبها لأنها سوقت لها بأن جيش الاحتلال لا يقهر، بالإضافة إلى أن المقاومة شكلت حالة إلهام لتلك الشعوب، وأرسلت رسالة واضحة لكل الشعوب المظلومة بأن أي شعب يمتلك الإرادة يستطيع أن يصمد ويحقق إنجازات في واقع يائس، وكان أن شكلت المقاومة الفلسطينية المرآة التي أظهرت تلك الأنظمة عارية أمام شعوبها، ولذلك فإنها بهذا المسلسل الكرتوني وبعض التصريحات المتنمرة تريد إرسال رسالة لشعوبها بأنها تستطيع هزيمة المقاومة التي حطمت دبابات الجيش الذي يقهر وأسرت جنوده على مشارف غزة!!
يلاحظ من يتابع تعليقات العرب والمسلمين وأحرار العالم على الفيديوهات والتصريحات والأفلام الكرتونية حجم هشاشة كل أشكال الدعاية ضد المقاومة الفلسطينية وتحطمها على جدار المناعة الوطنية العربية والإسلامية، بل يدرك من يقرأ تلك التعليقات ويشاهد الردود عليها حجم الإحباط الذي يصيب من يديرون تلك الحملات الدعائية والمخابراتية بسبب فشل تلك الدعايات في تحقيق أهدافها، بل يظهر تصريح بنيامين نتنياهو بأن مشكلة دولة الاحتلال (مع الشعوب وليست مع من يحكمونها)!!
إن انكشاف سوءة تلك الجهات بهذا الشكل الفج، يعكس حالة من الهشاشة البالغة، والهلع الشديد، والاهتزاز الغير مضبوط من قبل تحالف الشر في العالم، وعندما نشاهد اجتماع كل قوى الشر لمناصرة الاحتلال الذي تدعمه مجموعة من أقوى دول الظلم والشر في العالم، والذي يتسلح بالأسلحة النووية، ويمتلك أقوى جيش في المنطقة، فإن هذا يكشف حجم الأزمة الوجودية التي يعاني منها الاحتلال وكل من يربط مصيره به، بالإضافة إلى إظهاره لحجم عدالة ونزاهة القضية التي يدافع عنها رجال المقاومة الفلسطينية.
صلاح حميدة