دولي
هل توقف العصيّ "الإسرائيلية" دواليب السياسة الأمريكية؟
حكومة الاحتلال استبقت الأحداث وحددت شروط قبول أي مبادرة
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 27 نوفمبر 2017
لم تنتظر الحكومة "الإسرائيلية" الوقت حتى يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن خطته المقبلة للتسوية والتي تعرف بـ "صفقة القرن"، فاستبقت ذلك عبر نائبة وزير خارجيتها "تسيفي حوتوبلي" بتحديد شروط أي صفقة يمكن لـ"إسرائيل" أن تقبل بها.
وتتلخص تلك الشروط في أربع نقاط هي: السيادة على المنطقة ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن لـ"إسرائيل" فقط، ورفض تفكيك أية مستوطنة في الضفة الغربية، وبقاء القدس مدينة موحدة وعاصمة أبدية للكيان، وعدم السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين.
وتلبية هذه الشروط الأربع يعني بالضرورة وأد إمكانية قيام دولة فلسطينية، وتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها، لأنها تحسم مسبقاً وبما يتوافق مع التصور الإسرائيلي، قضايا الحل الدائم الرئيسة، وهي: المستوطنات، والقدس، واللاجئون.
فحصر السيادة في الضفة للاحتلال الإسرائيلي يعني أن أي كيان فلسطيني سينشأ عن "صفقة القرن" أو أية تسوية سياسية، لن يخرج عن مفهوم الحكم الذاتي، ولن يكون بوسع الكيان الفلسطيني السيطرة على الحدود، أو إقامة علاقات خارجية.
ويعني ذلك أن صلاحيات الكيان الفلسطيني ستقتصر على إدارة شؤون الفلسطينيين الحياتية، وفقط في المناطق مصنفة (أ) و(ب)، حسب اتفاقية أوسلو، وهي المناطق التي تتمتع فيها السلطة الفلسطينية حالياً بالصلاحيات المدنية والأمنية، ومساحتها تقل عن 40% من مساحة الضفة.
وفي الوقت نفسه، سيتمتع الاحتلال الإسرائيلي بحرية التصرف في مناطق (ج)، والتي تشكل أكثر من 60% من الضفة، وتتركز فيها كل المستوطنات، وتضم منطقة غور الأردن التي يصفها الكيان بـ"الفضاء الحيوي" للدفاع عن عمقه.
كما تعني هذه الشروط أن الصلاحيات الأمنية التي سيتمتع بها هذا الكيان الفلسطيني لن تتعدى ما تتمتع به السلطة حاليا من صلاحيات، والتي تنحصر في التعاون والتنسيق الأمني مع الكيان لمواجهة المقاومة.
تصريحات حوتوبيلي لم تأت بأي جديد، فهي لا تعدو كونها تأكيد لما تطرحه حكومات "إسرائيل" منذ عهد رابين وحتى اليوم، كما يقول المحلل السياسي والمختص بالشأن الصهيوني انطوان شلحت.
ويبين شلحت أن إسرائيل كانت على الدوام تعارض الانسحاب إلى حدود عام 67، وتقسيم القدس، وعودة اللاجئين، وتتمسك بالسيطرة الأمنية على غور الأردن، ويشير شلحت إلى أن صفقة القرن لا تزال غير معروفة، وكل ما يطرح حولها حتى الآن ليس سوى إشاعات واجتهادات، وكلها تتساوق مع الشروط الإسرائيلية.
ويبين أن "إسرائيل" اعتادت دائما وقبل أية مفاوضات أن تعلن عن شروطها، وهي بذلك تريد أن تقول أن أية تسوية يمكنها القبول بها لن تلبي الحد الأدنى الذي يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا به.
ويرى شلحت أن الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي أخذت على عاتقها تقديم خطة لحل الصراع، وعند طرح الخطة يتم التعامل معها في حينه، وأية شروط إسرائيلية أو فلسطينية في الوقت الحالي ليست ذات صلة بالخطة.
وتأتي هذه التصريحات الاستباقية، بالتزامن مع تصريحات لمسؤولين في "إسرائيل" تتحدث عن قرب تطبيع العلاقات مع دول عربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، يقابلها على الطرف الآخر تصريحات لأصوات مقربة من دوائر صنع القرار في تلك الدول تمهد لذلك التقارب.
فـ"إسرائيل" التي تجد أنها نجحت في إقامة علاقات مع الدول العربية بدون الاستجابة لشروط المبادرة العربية، تريد التذكير بأنها غير مضطرة للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين تكون فيها ملزمة بتقديم أية "تنازلات" مهما كانت متواضعة.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب أن طرح هذه الشروط في هذا الوقت يهدف إلى إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، وشرعنة الاحتلال وتبييض الاستيطان، ووضع عراقيل أمام أية صفقة أو مقترحات تقدمها أمريكا، حتى لو لم تكن جيدة للفلسطينيين.
ويتفق حرب مع شلحت على أن الشروط الإسرائيلية ليست بجديدة، وهي تمثل موقف أقطاب الحكومة الإسرائيلية كافة، ويشير في حديثه لموقع "المركز الفلسطيني للإعلام" إلى أن أقطاب الكيان يرفضون التفاوض من حيث المبدأ، ويضعون شروطا تعجيزية حتى لا يقولوا لا للمقترحات الأمريكية، وفي نفس الوقت يضعون العراقيل أمام أية مبادرة.
ويشير إلى أن "الإسرائيليين" يستبقون الأمور لمنع إمكانية عودة المفاوضات، أي حتى قبل الحديث عن أي اتفاق حول الحقوق الفلسطينية، ويؤكد أن الصفقة المرتقبة لن تقدم شيئا للفلسطينيين، فالإدارة الأمريكية منحازة بالكامل لإسرائيل، لكن هذه التصريحات يمكن أن تفجر الصفقة، وتقلل من مكانة أمريكا وطروحاتها على المستوى الدولي.