دولي

نتنياهو ومعضلة القدس

القلم الفلسطيني

من الواضح أن ثبات القدس وأهلها قد أربك متخذي القرار في "تل أبيب"، وجعلهم يتخبطون في كيفية التعامل معها كما تسبب لهم بنوع من التناقض مع أنفسهم ومبادئهم.

هذا يمكن ملاحظته مما نشرته صحيفة هآرتس في 29\10\2017 من أن الوزير الليكودي المتشدد زئيف ألكين يسعى لإقرار خطة جديدة لتقسيم القدس من الناحية الإدارية، ويمكن تطبيقها خلال أشهر معدودة، وهي تقترح حلا لجزء من معضلة القدس، وكيفية التعامل مع الأحياء الفلسطينية الموجودة خارج جدار العزل والذين تقدر المصادر "الإسرائيلية" عددهم بـ100-150 ألف فلسطيني يحملون الهوية الإسرائيلية ويتواجدون في مناطق مخيم شعفاط والأحياء المرافقة له في شمال شرق المدينة، وكفر عقب في الشمال، والولجة في الجنوب، وجزء من أحياء السواحرة، وفق خطة ألكين من المقرر أن يتم تشكيل سلطة إدارية محلية خاصة تابعة لبلدية القدس، كلها بدون استثناء من الفلسطينيين.

من الملاحظ أن هذه الخطة هي المحاولة الأولى من نوعها لتقليص المنطقة الإدارية للقدس منذ العام 1967 ويتم تسويقها في أوساط اليمين على أساس أنها تواجه الخطر الديمغرافي في القدس، وتسعى للحفاط على أغلبية يهودية واضحة فيها أو كنوع من العقوبة لسكانها من خلال حرمانهم من الجنسية الإسرائيلية وما يترتب عليها، أما في أوساط المنظمات الدولية وحقوق الإنسان فيتم طرحها على أساس أنها محاولة للاهتمام بوضع السكان وتقديم الخدمات التي يحتاجونها لهم حيث تعاني هذه المناطق من إهمال في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم كما يمكن للجانب الآخر من الخارطة السياسية في "إسرائيل"، أي الوسط واليسار، أن يتقبلها بل ويدعمها على أساس أنها مقدمة لتقسيم القدس. 

إن المتابع لمواقف حكومة "إسرائيل" بشكل عام والوزير ألكين بشكل خاص يدرك أن هذه الخطة قد جاءت في سياق الارتباك الإسرائيلي في موضوع الفلسطينيين الموجودين داخل القدس فإذا تم ضمهم للمدينة فهذا يعني زيادة حدة الخطر الديمغرافي الذي يعتبر كابوسا يقض مضاجع معظم الإسرائيليين كما يحمل الحكومة مسؤولية توفير الخدمات الأساسية لهم، وذلك في ظل عداء ورفض أهل القدس وسكان هذه الأحياء تحديدا للاحتلال الإسرائيلي.

وإذا تم التخلي عن هذه المناطق بما فيها من سكان فهذا يعني تقسيم المدينة؛ الأمر الذي يتناقض بوضوح مع العقيدة السياسية لليمين، والتي عبر عنها باستمرار، فمنذ العام 96 حيث وصل الليكود للحكم فيها لأول مرة وكان شعاره الكاسح ضد اليسار هو "بيرس يقسم القدس" أو"اليسار يقسم القدس".

ظل ذلك ساريا رغم معرفة نتنياهو أن مواقفه هي مجرد شعارات يستخدمها لدغدغة العواطف الإسرائيلية ولكسب المزيد من الأصوات في صندوق الاقتراع، ولا يمكن لها أن تواجه الواقع المتين الذي رسمه أهل القدس بثباتهم وصمودهم على أرضهم بل وبمقاومتهم الإيجابية للوجود الصهيوني على أرض القدس العربية. لقد بدأ الموقف المعلن لنتنياهو بالاهتزاز وتحديدا في خطابه في حزيران 2016 أي بعد أشهر من الهبة الشعبية أو انتفاضة القدس حيث فاجأ نتنياهو من حوله عندما طرح ولأول مرة تقريبا مسألة ضرورة دراسة كيفية التعامل مع أحياء القدس الواقعة خلف جدار الفصل (شعفاط، الولجة وغيرها) الأمر الذي اعتبره الكثير من أنصار اليمين تراجعا خطيرا من قبل نتنياهو، واعتبره الكثير من مؤيدي اليسار هزيمة لمشروعه وإقرارا بالأمر الواقع وقبولا بمبدأ التقسيم بمعزل عن الحيز المكاني والسكاني المتعلق به.

هل ستمر خطة ألكين في الكنيست، وهل ستنجح في حل جزء مهم من معضلة القدس؟ أم أنها تأتي في إطار إدارة الأزمة والتعامل المستمر مع هذه المعضلة؟، وعلى كل الأحوال فإن العنصر الثابت والفاعل في هذه المعادلات هو ثبات الشعب الفلسطيني على أرضه في القدس وما حولها.

عبد الناصر عيسى

 

من نفس القسم دولي