دولي
الحرب المعرفية بين أساطير الصهيونية وحقائق اليونسكو
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 28 أكتوبر 2017
لا نختلف عن حدوث تغيير تاريخي يندرج ضمن سنة الله كان في صالح مسار الأمة والشعوب العربية والإسلامية، عقب حدوث صفعة تاريخية ضد الاستكبار الغربي والعربي بعد سقوط بعض الأنظمة العربية الذابلة أثناء "ثورات الربيع العربي"، ولا نغفل في مساق الأحداث أن القوى الاستكبارية زاد تخوفها بعد صمود الشعوب ضد الانقلابات والحرب الديمغرافية على أقطار الأمة، فضلا عن هزيمة التطبيع الأمريكي الإسرائيلي العربي في "صفقة القرن" في القمة العربية الإسلامية الأمريكية تخطيطا لليّ عنق المقاومة والحركات الإسلامية وكل رافض للمشروع الصهيوني وحلم " الدولة العبرية" العالمية الطامح إلى توسع قائم على عقلية و"عقيدة تمدد الأطراف" لبناء كيانات وعنصريات في كل الدول العربية لضمان الاستقرار ضد كل يقظة للامة من غثائيتها.
أمام هذه الانهزامات الصهيونية والغربية اتجاه قوة الأمة ومقدساتها خصوصا بعد انتصارات الأمة وتجدد روحها اتجاه المسجد الأقصى البوصلة المقدسية بعد معركة أبواب الأقصى، وهزيمة حصار قطر، وانكسار صفقة القرن، وانفضاح مثالبها زاد الحقد الصهيوني والاستكبار العالمي ضد ما بقي من مقدرات الأمة ومن يناصرها ويشارك في إحيائها سياسيا وعلميا وثقافيا ونفسيا ومؤسساتيا، ونمت خطة المشروع الصهيوني بمعية الغرب وساسة العرب لإجهاض كل المكونات المناصرة للشعوب المستضعفة والمنافحة عن حق الأقصى والشرعية المقدسية الإسلامية ضد الخرافة الإسرائيلية بوجود دولة عبرية تاريخية تفندها المنظمات والتقارير العلمية والآثار التاريخية.
إن تآمر المحور العربي الغربي الإسرائيلي - الذي يعيش اليوم تطبيعا صهيونيا متصاعدا - على المعرفة واليونسكو وقطر هو يندرج ضمن ردات فعل تعمل على خطة استكمال عملية الحرب الإجهازية على كل مقومات الأمة والعالم والإنسانية.
ما حدث مؤخرا في مؤسسة تعد الأسمى ثقافيا بل ومرجعا عالميا علميا، هو يفتل في مسلسل التخطيط لإجهاض كل المؤسسات التي تعادي العنصرية الصهيونية تاريخا وقانونا.
إن سقوط السياسة الأمريكية الإسرائيلية صحبة الكتلة العربية المطبعة في "اختبار المعرفة واليونسكو وقطر" ينم طبيعيا عن عنصريتين متقاربتين:
- العنصرية الغربية التي تتحرك بروح صهيونية تحقق مآلات الوعد البلفوري الذي أهدى للصهيونية كيانا وسط الأمة، فكان على "إسرائيل" التقديم بدورها شكرا وهدية للقوى العالمية تحقيقا للغائية الاستعمارية في المنطقة منذ تقسيم القصعة واتفاقية سايس بيكو.
- العنصرية العربية التطبيعية التي تتغذى على مشروع إسرائلي تربية واتباعا يضمن مصالح الأنظمة العربية لاستمرار عروشها خوفا من عربة بوعزيزية جديدة تقلب الموازين وتسقط الأوراق الفاسدة.
ولا زالت الأنظمة العربية والمصالح الغربية الأمريكية متوجسة خوفا من "مارد الإسلام والشعوب" وقوة الحراكات الشعبية التي يمكنها في أي وقت أن تحرر البلدان من الحكومات المهترئة واستبدالها بأقطار قوية عاشت أجيالها تراكمات انحطاطية ونكبات تاريخية لمدة قرون.
لذلك كان لزاما على الاستكبار العالمي خصوصا بعد "ثورات الربيع العربي" ودوله العربية الخائفة المطبعة حصار كل جهاز أو إنسان يتحرك ويحرك مقومات الأمة من أجل الحفاظ عل هوية الإنسان والمقدسات الإسلامية.
بعد الإجهاز على الحراكات والشعوب والانقلاب على الثورات والحركات المناهضة والإسلامية وحصار قطر وتركيا سابقا، تمددت يد الاستكبار إلى الإجهاز على العلماء والخبراء والصحفيين المناهضين للمشروع الصهيوني، وتصفية البرلمانية جو كوكس مثال حي عن مسار أجنبي يصطف مع الحقيقة تم اغتياله حقدا وانتقاما.
لتكون التصفية من خلال مجريات الأحداث على جهازين ومقومين، هما الإنسان والجدران:
- أولا تصفية مقوم الإنسان: الحرب الأولى استهدفت تصفية للإنسان المقاوم للصهيونية في القدس والمسجد الأقصى، وتصفية إنسان الشعوب المريد للتحرر من عبادة السلاطين و قبضة الكيانات الصغرى التي أنتجها الكيان الكبير، وتصفية إنسان العلم والمؤسسة العلمية والدعوية والحركية لأنها صمام أمان الأمة والمعوضة لمهمة الحاكم والتغيير، وإنسان العالم الأجنبي الذي يشترك مع الأمة الاسلامية في أخوية الحقيقة والعدل ضد داء اخترق الأمة وتوغل تطبيعا مع حكومات الغرب والعرب.
- ثانيا تصفية مقوم الجدران: الحرب الثانية قصدت تصفية الجدران بتفريغ البنايات والمؤسسات الحقوقية والعلمية العالمية من محتواها، واستهداف بناية اليونسكو ليس هو استهدافا لقطر بحد ذاتها بل هو استهداف للأمة ولمقوم المعرفة والتاريخ الذي يضرب التاريخ المزيف الخرافي الهادف لإضفاء الشرعية على كيان مهم وضروري بالنسبة للغرب والعرب.
فلا يظنن أحد أن الحصار لجدار اليونسكو كان فقط ضد دولة قطر، بل هو حصار أمة، وهو سلسلة مستهدفة من التضييقات على الأمة للحفاظ على المشروع الصهيوني في المنطقة وتغييب أي تهديدات فكرية أو سياسية أو تحررية في المنطقة والأمة، وهو كيان يحفظ بدوره كيانات الأنظمة العربية.
أظن أن حدث اليونسكو وصرخة المصريين وخيانة بعض العرب لم تكن من أجل فرنسية "يعلم أصولها " بل من أجل ثلاثة أهداف:
- تحقيق الحرب بالوكالة، ولتعريف الغرب والصهيونية أن الحاكم العربي، طفل مدلل يلعب بكفاءة وطاعة عمياء.
- تحقيق نتائج التطبيع الصهيوني مع الدول العربية، والتي تضرب ضمنيا كل خلفيات وغايات "القومية ومبادئ الجامعة العربية".
- حصار اليونسكو هو حصار من أجل ضرب المنظمات العالمية، وتفريغ محتواها، وتمييع انتخاباتها وقادتها لتصبح مستقبلا معرفة وتقارير تخدم "الدولة العبرية " والأساطير بدل اليونسكو السابقة العادلة التي كانت في نظر أمريكا و"إسرائيل" (تشكل منظمة تعادي "السامية"، وتخرج قرارات علمية تعترف بحائط البراق والمسجد الأقصى وباب المغاربة وللمسلمين).
لا نستغرب أبدا عقب انتخابات اليونسكو من نكسات عربية وخطيئات وليس أخطاء، تنم عن عقلية عربية تربت في بيوت أمريكية ومدارس صهيونية على طاعة أولي الحفظ والضمان للعروش والكراسي الخائفة من صيحة بوعزيزية قادمة مرتقبة ربما تقض مضاجع الساسة المطبعين، وتعصف ريحا عاتية على ما بقي من الأوراق الفاسدة المفسدة المتعلقة بأساطير صهيونية وأحلام شجرة تظن نفسها فاتنة باقية زرعت وسط أرض أمة طيبة.
فلا تستغربوا من أوراق ذابلة توظف كل الأساليب غير الدبلوماسية والصيحات الغاضبة المتردية في المحافل الدولية والمؤسسات العلمية، خصوصا إن كانت ضمن الصيحات صيحة ورقة عربية ضد ورقة حية قطرية تنتمي إلى شجرة قوية وأرض طيبة.
رحم الله صاحب المقدمة المؤرخ وعالم الاجتماع ابن خلدون لما صاح من مدرسة العرفان والتاريخ ضد غباء الساسة: "عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والأفاقون والمتفقهون والانتهازيون، وتعم الإشاعة وتطول المناظرات، وتقصر البصيرة، ويتشوش الفكر".
هشام توفيق