دولي
للرجولة معنى
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 15 أكتوبر 2017
في غياهب السجون يخرج أصحاب القضية من الأسرى أو المعتقلين إما بعقلية منبطحة أو أيديولوجية منحطة أو بشخصية منفصمة أو بتنازلات عن مبادئ رفع شعاراتها الأسير السجين أثناء أسره تحت التعذيب والتهديد والجوع والظلام والانفراد، أما الرجال في سجون الاحتلال الصهيوني فيخرجون كالطود الشامخ والجبل الأرعن الذي لا تحركه الأيادي والأعاصير، جبل لا يعرف القهقرى عن مبادئه ولا يخاف في الله لومة لائم.
من السجون الصهيونية شهد العصر بروز نماذج من الرجال كانوا الحجر الزاوية، لا تتزعزع أنفاسهم رغم أشكال العنف والتعذيب فما استكانوا لكيان فزعا، وما ساوموا متجبرا تألفا، وما سمعوا كلمة حاكم جبان خنوعا وتملقا، وما انحسروا لطاغية ضعفا وخوفا، بل كانت لهؤلاء الرجال أحوال وصفحات ميزتهم عبر الزمن عن أصناف العلماء والشيوخ والقادة والمسؤولين، وبصمت مواقفهم الراسخة على أشجار الزيتون وبين أعمدة الأقصى.
أمثال هؤلاء يطبعهم الزمن بمداد لا ينفد، وقلم لم يشبع من ذكرهم، أمثال صلاح شحادة وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري وغيرهم، لكن السلسلة لم تنته انقضاء باستشهاد هؤلاء وانتقالهم إلى جوار ربهم، فقد جادت الأمة عموما وفلسطين خصوصا برواد جدد وصالحين ومصلحين أخر كان في زهرتهم وزمرتهم الشيخ المجاهد رائد صلاح.
من السجون الصهيونية شهد العصر بروز نماذج من الرجال كانوا الحجر الزاوية، لا تتزعزع أنفاسهم رغم أشكال العنف والتعذيب فما استكانوا لكيان فزعا، وما ساوموا متجبرا تألفا
لقد حول هؤلاء الرجال السجون بتوفيق الله والشيخ رائد منهم إلى مدارس خاصة للتربية والترقية إلى مدارج السالكين ومعراج المجاهدين المصلحين.
وقد جادت الأرض المقدسة خصوصا برجال أشداء أقوياء والشيخ رائد منهم كشفوا للعدو الصهيوني انبهارا دروس العزة والنصر والتمكين التي لن تنقطع بركاتها في الأرض المباركة، ولن تعدم هذه الأرض من الرجال والرجولة ليس بالمعنى الذكوري بل بالمفهوم القرآني.... هذا وعد الله والحمد لله.
كل هؤلاء الرجال والشيخ رائد منهم حولوا سجون الكيان الصهيوني إلى زوايا للعلم والمعرفة وتجديد العهد مع الله ذكرا وصياما وتبتلا وتقربا، وللرجولة ثمن وللرجولة جزاء ووفاء، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" (الأحزاب: 23).
وعن الرجولة يحدثنا رجل من أهل الصلاح كان يحبه الشيخ رائد صلاح لقاء وزيارة، وهو الإمام المجاهد العالم عبد السلام ياسين رحمه الله يقول عن الإيمان الحقيقي والرجولة الحقيقية التي تتميز عن الإسلام اللفظي: "الإيمان أمانة، والأمانة الإيمانية كنز ومعين في قلوب الأمناء، والعلماء هم أمناء الرسل كما جاء في الحديث، والقرآن أمانة تكليف عظيمة، ونور وهداية وبيان.
نرى القلوب الخَرِبَةَ تقرأ القرآن باللسان العربي المبين لكن القلوب عجماء صماء لا أثر فيها لأمانة الإيمان، فهي أعجز عن تحمل أمانة القرآن. أوتي الأحباب الصحابة الإيمان قبل القرآن فكانوا رجالا. ولا يَنقَطع نسل تلك الرجولة إلى يوم القيامة، ولنتذكر شوق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى رؤية إخوانه من بعده". (1)
ويذكرنا العالم المجاهد الجليل يوسف القرضاوي بقوله عن أحمد ياسين رحمه الله: "أحمد ياسين علمنا أن الرجولة لا تقاس بقوة الأجسام بل بإيمانها وفضائلها".
فلسطين الحبيبة ولادة ولازالت تنجب الرجال وأهل الإيمان والعلم والجهاد، رجال أحبوا بيت المقدس والمسجد الأقصى لا باعتباره حجرا وترابا وبنيان، بل أحبوه وأحببناه لأنه بيت الله وقبلة المسلمين الأولى وفخر الزمان والمكان، لأنه بيت يتلى فيه كتاب الله ويخرج منه رجال القرآن والعلم والجهاد على سواء.
علمنا الرجال أمثال الشيخ رائد صلاح أن للرجولة طعم وذوق ولذة تقترن بالإيمان ومن علامة الإيمان الإحساس بالمسؤولية والأمانة التي ورثناها من النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء والأمناء ورجال الله والمجددين للقيم والأسس الإيمانية.
علمنا الرجال أمثال الشيخ رائد صلاح أن للرجولة طعم وذوق ولذة تقترن بالإيمان ومن علامة الإيمان الإحساس بالمسؤولية والأمانة
علمنا الشيخ رائد صلاح داخل السجن وخارج السجن أن الإيمان ليس وضع كوة في جبل والتعبد فيها زهدا وانزواء ودروشة، بل علم الأمة على أن الرجولة أمانة ومواجهة للداء والاستكبار دون تنازل ما دام في القلب حب للقرآن وحب بيت القرآن ومحبة لأهل القرآن ومحبة لله الحافظ للذكر والقرآن.
من هذه السجون بزغ رجل لا زالت شجون وأغصان الزيتون تنشرح لابتسامته العذبة، ولا زالت أعمدة المسجد الأقصى تحن إليه لأنه عمود صامد لا يمكن لتراث الأقصى أن يتخلى عنه. .ألا وهو السيد رائد صلاح.
دخل رائد إلى معمعان الجهاد ضد مواجهة العدو الغاشم الصهيومي وقلبه يردد: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162، 163]
وخرج رائد صلاح من السجن الصهيوني وقلبه مفعم ومشبع باليقين في نصر الله صدقا وتصديقا بموعد الله والوعد الآخر ونصر الله ما دام في الأمة حياة ومن يجدد لها أنفاسها التي أراد الاستكبار العالمي والتكالب الدولي أن تنحط وتنحسر انحسارا في غثائية استهلاكية موات تغفل، تفتر، تجوع، تتناحر، تنقسم، تموت.
دخل الرجل رائد إلى ميدان المدافعة منذ شبيبته ولسان حاله يقول "اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا".
فدخل وخرج، ودخل بحمد الله السجن رغم شدته، وخرج من السجن أكثر قوة وشدة.
دخل إلى عالم الذود عن الأقصى وفلسطين ليس فقط لتراب أحبه ونشأ فيه؛ بل فهما ووعيا قاصدا، لأن هذه الأرض أرض قدسها الله وطهرها ووضع فيها بيتا من بيوت الله الذي جمع الأنبياء والرسل في جماعة واحدة، في صلاة جامعة بإمامة واحدة وقائد واحد مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في معجزة فريدة هي الإسراء والمعراج.