دولي

السرديات المصرية لشيطنة "حماس" تلقي بظلالها على التقارب المستجدّ

الأجهزة الأمنية اتهمت "حماس" بتقديم دعم مباشر للأعمال الإرهابية بعد عزل مرسي

توحي السلوكيات الأخيرة للنظام المصري تجاه الملف الفلسطيني الداخلي، وكأنه يريد أن يفتح صفحة جديدة مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعد تدشين الخطوة الأولى لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية برعاية مصرية، وهو ما تجلى في زيارة وفد أمني واستخباراتي مصري رفيع المستوى بقيادة مدير الاستخبارات العامة، خالد فوزي، إلى قطاع غزة، خلال الأيام الثلاثة الماضية، مصحوباً بعدد من الإعلاميين الموالين للنظام، وبثّ كلمة متلفزة مسجلة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في أولى جلسات حكومة الوفاق الفلسطينية برئاسة رامي الحمدالله وحضور أبرز قيادات حركتي حماس وفتح.

ثمة مسافة شاسعة تفصل المشاهد الحية التي بثّتها الفضائيات من شوارع غزة المعلقة فيها صور السيسي ترحيباً بالوفد المصري وتثميناً لدوره في المصالحة، وبين التظاهرات التي اندلعت في الشوارع نفسها قبل نحو 4 سنوات رفضاً لعزل الرئيس محمد مرسي. لكن رغم التقارب الأخير وإنشاء مكتب دائم لحماس في القاهرة، وتطور التعاون الأمني والاستخباراتي في منطقة رفح وشمال سيناء ضد تنظيم "داعش" في غزة وسيناء، إلا أن القاهرة لا تزال مكتظة بالملفات والقضايا التي خلفتها فترة شيطنة حماس التي تلت عزل مرسي، عندما كان النظام المصري ينظّر لحماس والإخوان كجزء من تنظيم "إرهابي" واحد هو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.

 

السردية الرسمية المصرية صاغها ضابط الأمن الوطني الذي اغتيل في ظروف مريبة لاحقاً محمد مبروك

 

ويبدو أن القدر أبى إلا أن يذكر نظام السيسي وحماس في ثوبها الجديد بالماضي وتبعاته المفتوحة على جميع الاحتمالات، في يوم الاحتفاء المتبادل بينهما، إذ تصادف أن محكمة جنايات القاهرة كانت تعيد، يوم الثلاثاء الماضي (الثالث من أكتوبر الحالي)، إجراءات المحاكمة في القضيتين الأساسيتين اللتين عوقب فيهما مرسي بالإعدام والسجن المؤبد، وهما قضيتا "التخابر مع حماس" و"اقتحام السجون" واللتان تتكامل حيثياتهما والتحريات الأمنية والاستخباراتية فيهما لتشكل سردية رسمية مصرية (صاغها ضابط الأمن الوطني الذي اغتيل في ظروف مريبة لاحقاً محمد مبروك) تعتبر حماس حركة إرهابية بامتياز، ساعية لتدمير الدولة المصرية، بمساعدة إخوان مصر والعالم وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، وأيضاً وقوفها خلف تدريب المجموعات المسلحة في شمال سيناء وجماعة "أنصار بيت المقدس" التي تحولت إلى تنظيم "ولاية سيناء" الداعشي الذي يكفر "حماس" حالياً.

في قضية "التخابر مع حماس"، بنت محكمة أول درجة معاقبتها مرسي ومرشد الجماعة محمد بديع و15 آخرين بالسجن المؤبد، ومعاقبتها 16 قيادياً آخر بالجماعة أبرزهم خيرت الشاطر بالإعدام، على تحريات أمنية واستخباراتية كتبت في عام 2013 ذكرت نصّاً أن "الإخوان وحماس وحزب الله راقبوا الأوضاع المصرية واستثمروا حالة الغضب الشعبي على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، بأوامر من التنظيم الدولي للإخوان، وتنفيذاً لمخطط أميركي بافتعال فوضى خلاقة في المنطقة، لإشاعة الفوضى وإسقاط الدولة ومؤسساتها بهدف الاستيلاء على السلطة بالعنف، وبالاستعانة بعناصر قتالية من حماس وحزب الله وأخرى إخوانية سبق تدريبها بقطاع غزة بمعرفة حماس".

بل إن الأجهزة الأمنية اتهمت "حماس" بتقديم دعم مباشر للأعمال الإرهابية ضد الجيش في سيناء بعد عزل مرسي.

 

الأجهزة الأمنية اتهمت "حماس" بتقديم دعم مباشر للأعمال الإرهابية ضد الجيش في سيناء بعد عزل مرسي

 

كما أوردت المحكمة أنه "في مطلع شهر يونيو/حزيران 2012 دفعت حركة حماس بعناصر مدربة من جماعات جيش الإسلام وجلجلت والتوحيد والجهاد ومجموعة (عماد مغنية) وحزب الله، تسللت إلى الأراضي المصرية عبر الأنفاق غير المشروعة، حيث قاموا بتحديد ومعاينة الأماكن والمنشآت الهامة والأمنية بشمال سيناء والعودة عقب ذلك إلى قطاع غزة عبر الأنفاق... حيث تم تدعيمهم بالسلاح والمعدات اللازمة (قذائف آر بي جي ـ رشاشات آلية ـ سيارات دفع رباعي ـ بطاقات هوية بأسماء كودية) انتظاراً لما تسفر عنه نتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر، لتنفيذ تلك الأعمال الإرهابية واستهداف تلك المنشآت بالتنسيق مع قيادات الجماعة حتى يتم السيطرة على سيناء من خلال تلك العناصر وإعلان شمال سيناء إمارة إسلامية في حالة عدم تولي المتهم محمد مرسي رئاسة البلاد".

أما في قضية "اقتحام السجون"، فتنص السردية الرسمية على أنه "في يناير/ كانون الثاني 2011، بعد اندلاع التظاهرات ضد مبارك، تم رصد تسلل عناصر أجنبية من حركة حماس وحزب الله عبر الأنفاق غير المشروعة بالحدود الشرقية للبلاد، واشتراكها مع عناصر أخرى من الجماعات الجهادية والتكفيرية بسيناء في الاعتداء بالأسلحة النارية على القوات الأمنية بأماكن متعددة بمحافظة شمال سيناء، وعلى القوات المتواجدة لحراسة السجون المصرية، ما نجم عنه اقتحام تلك السجون وهروب المسجونين التابعين لحماس وحزب الله، وقتل العديد من المسجونين والمواطنين والعناصر المكلفين تأمين تلك المنشآت".

بل إن القضاء المصري ممثلاً في محكمة النقض –أعلى درجة تقاضي جنائي في البلاد- اعتمدت سردية تحمل "حماس" مسؤولية قتل المتظاهرين في ثورة يناير، وذلك في حكم تبرئتها للرئيس المخلوع حسني مبارك من ذلك الاتهام، مؤيدة ما ذكرته محكمة الجنايات من أن "عناصر حماس تسللت إلى مصر بأسلحة متطورة ومعدات قتالية ثقيلة وألغام وذخائر كان بعضها مرسلاً من الشرطة المصرية كمعونات عسكرية للجانب الفلسطيني بغزة وهاجموا جميعاً في ميقات متقارب وبزمن قياسي متزامن من عصر يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 لإسقاط الدولة المصرية عصفاً بضربة موجهة لشرطتها، فعرج فريق بعدوان شديد صوب الأقسام والمنشآت الشرطية والممتلكات العامة والخاصة ومن بينها حوانيت لتجارة الأسلحة والذخائر بالعديد من محافظات مصر تدميراً ونهباً وحرقاً بما أسفر عن الاستيلاء على قرابة 15500 قطعة سلاح آلية وخرطوش من جهاز الشرطة بخلاف الذخائر المتنوعة وزادوا من معدلات إثارة الشغب بالدهس عمداً للمصريين بسيارات دبلوماسية".

ويطرح مراقبون سياسيون وقانونيون أسئلة عن تأثير هذه السرديات الرسمية المشيطنة لحركة حماس على العلاقات بين القاهرة وغزة خلال الفترة المقبلة، وفي المقابل تأثير التقارب السياسي الحالي على تلك القضايا التي لا تزال منظورة في المحاكم، ومستقبل الاتهامات الموجهة لقيادات الإخوان ولأعضاء حركة حماس المضمنين في تلك القضايا.

أمال. ص/ الوكالات

 

من نفس القسم دولي