دولي

ما بين العاروري والسنوار وهنية ملفات معقدة

القلم الفلسطيني

أثارت بعد الأوساط الحزبية والسياسية تخوفات من تولي صاحب العقلة الأمنية والغموض العسكري رئاسة حماس في قطاع غزة ، فخلص أغلبها إلى أن حماس الجديدة بنسخة السنوار، ستقرب الحرب وستذهب بالمصالحة الى مجهول لا يمكن إدراكه.

أذكر حينها وفي مقابلة مع أحد الفضائيات العربية المشهورة، قلت أن السنوار وعلى الرغم من الصورة الشائعة عنه لدى الخصوم وبعض أبناء الحركة المتوجسة حينا والمتخوفة أحيانا من خلفية الرجل، إلا أنه على اليقين يتمتع بقدرة عالية على اتخاذ القرار، وتنفيذ رؤيته واقناع أنداده بصوابية المنهج الذي هو عليه.

إذ سيشكل الرجل قوة حقيقية لقيادة حماس الى جانب رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية، صاحب القبول الكبير شعبيا وداخليا، والهادئ في إدارة توازنات الملفات الداخلية، وصاحب رؤية التوافقات حين الخلاف لا الحسم.

هذا يضاف إلى جملة من القيادات الجديدة الوزانة في غزة والتي تتقارب مكانة وحضورا مع السنوار، بالإضافة الى تقاربها في منهج التفكير كروحي مشتهى وتوفيق أبو نعيم، بالإضافة الى واجهة الاخراج الواعي خليل الحية.

تصوري لم يمكث طويلا، حتى شهدنا تسارعا في الخطوات منها: تحريك ملف حصار غزة، عبر العلاقة مع تيار دحلان، مصر، الروس، ايران.

هذا الحال فتح نقاشا حول صوابية السرعة من عدمها في ظل شرق لا يتفق فيه على أحد خاصة بعد فشل الربيع العربي وتشوه مخرجاته.

الحراك أثير حوله نقاشات التوجس والتأييد، حتى ظهر ما بت يعرف "إدارة ملف المصالحة" وقدرة السنوار وفريقه الاستحواذ على المشهد الاعلامي والشعبي دون ظهور علني سوى اشارات الغموض وتلفتات الكلمات التي تناسب شخصيته في ذهنية الناس الأمر الذي حول الرجل الى المؤثر الأكبر في الأيام الماضية.

حال العاروري من حيث خلفية الشخصية يتقارب مع السنوار، كرجل أمن، وبخلفية عسكرية، وصاحب القدرة على الحسم حين تختلط الأمور كما هو الحال في ملف الأمن والإرباك الذي أصاب حماس في العام 1996.

حال القبول للعاروري أيضا تفاوت، بين مؤيد يعرف الشيخ في صفات شخصيته ومنهجه وقوته، وآخرون يرون في تفكيره حالة قوية تميل حينا للتفرد في بعض القرارات المصيرية.

لمحاسن الكتابة عن أشخاص تعرفهم، يلزمك منهج العلمية وضع ضوابط للخروج بتصورات ذهنية قريبة من الواقع.

العاروري يتميز يقينا، بقدرته على اتخاذ القرار، والمضي بتوجهاته، والتنظير لها، والدفاع عنها، ويستطيع جمع الناس من حوله، عبر كريزما من التأثير القوي، عدا عن تاريخ للرجل، يفتح له المجال لتقدم متسارع في صفوف الحركة.

حالة العاروري المتقاربة مع السنوار، يضعفها في التأثير نسبيا، واقع الضفة الغربية، وحجم تأثير الانقسام في هذا الملف، وحالة التنظيم الذي يقوده جراء ملاحقة الاحتلال لكادر الضفة والتنسيق الأمني، بالإضافة إلى عديد مواطن الضعف الناشئة عن ذلك.

الأمر الذي يشكل التحدي الأكبر للعاروري وفريق عمله، الذي يحتوي أيضا، على شخصيات مهمة ووازنة من الأسرى المحررين والشباب.

في المقابل شكل انتخاب العاروري حالة مهمة في التوزان الداخلي، على صعيد الضفة، والخارج، بالإضافة إلى الارتباط القوي بين مشعل والعاروري عدا، عن الكيمياء المتوفرة بشكل كبير بين رفقاء الأمس في الأسر من غزة مرورا بالضفة الغربية وصولا الى مكان تواجده الحالي.

يضاف الى ذلك ارتباط العاروري وفريقه واقليم الخارج بمساحة تأثير خلق توازن مع التحالفات المختلفة والمتناقضة احيانا.

المتابع لحركة حماس السياسية مؤخرا، يرى قفزات أثير حولها النقاش الكبير، على صعيد التوطئة لفتح العلاقات، والتوقيت، كسر المحرمات في ذهن أنصار الحركة، السرعة في القرارات.

هذه المتابعات بلاشك، أثارت عاصفة نقاش حول تأثير القيادة الجديدة في اتخاذها، وتباين الناس بحكم صوايبتها من عدمه.

لكن ما أستطيع الجزم به، أن طبيعة المرحلة تفرض على حماس، نقاش السلوك كله وبناء تصور شبه موضوعي على أساسه مع توفير مكنة اقناع لقاعدتها ومن بين هذه الملفات.

أولا: شكل حضورها السياسي في الأرض الفلسطينية والعلاقة مع الأطراف المختلفة من بينها تيارات فتح.

 

ثانيا: العلاقة مع ايران، وحزب الله، حدودها، ناظمها، ضوابطها ومقاربة ذلك مع مستقبل العلاقة مع محور معارض.

 

ثالثا: العلاقة مع مصر ومن خلفها الإمارات، شكلها حدودها، واقعها، تقيمها توقيتها واقعها.

 

رابعا: العلاقة مع قطر وتركيا، مواطن قوتها وضعفها، صيغتها، إمتدادها حسابات التاريخ والمآثر التي فيها.

 

خامسا: الإخوان والتيار الشعبي العميق المؤيد لها، شكل الحراك عليه، وضوابط العلاقة معه، والمؤثرات التي قد تصيبه جراء الحراك القائم.

 

سادسا: الواقع السوري، تصور الساحة، وأهميتها، مقاربة المعارضة والنظام وشكل العلاقة المستقبلية معهم.

 

سابعا: البنية الداخلية لحماس والخارجية في الضفة وغزة والأقاليم المختلفه.

 

هذه الملفات، أجزم باليقين، أن مساحة تأثيرها على حماس تفوق كثيرا بعض الدول، وتفوق موضوعيا، قدرة حماس مؤسساتها وحدها التصدي لارتداداتها، خاصة في ظل سعي أمريكي لعقد صفقة قرن ستطيح بالتوافق مع العرب بالقضية الفلسطينية.

ما بين السنوار والعاروري تاريخ مقاوم يعبر عن حماس فكرا ومنهجا، ويعبر عن حركة على رأسها الآن شخصية تحظى بقوة شعبية جارفة(هنية) وفي مساحة العمل يحملون ملفات غير مسبوقة في الحمل الأمر الذي يلزمهم:

 

أولا: عمل مؤسسي راسخ يستعين بكل الامكانات الداخلية والخارجية.

 

ثانيا: بناء تحالفات متوازنة تتيح للحركة الحد الأدنى من التحرك الخارجي والداخلي.

 

ثالثا: خلق بنية تنظيمية مهنيه واقعيه.

 

رابعا: تقييم الأداء السياسي والأمني والعسكري، ووضع تصورات عن مساحات النجاح والفشل.

 

خامسا: تحسن مستوى التعبئة، والحراك السياسي وتأطير أرسخ لمنهج الشورى وعدم الضبابية في صلاحية كل إقليم عن غيره.

 

سادسا: وضع الخيارات الأسوأ في الملفات المختلفة التي طرحت كتحديات، خطيرة تحتاج الحركة الاجابة عليها.

 

سابعا : اعتماد الحركة في قراراتها على منهجية علمية والاستعانة بمراكز بحثية عميقة لا تغفل ثقل الملفات المختلفه.

 

خلاصة الـأمر: حماس قادمة على مرحلة كبيرة وخطيرة، تحتاج هذا النوع من القيادة، وتحتاج معها الى تنظيم قوي ومتماسك على صعيد الساحة الفلسطينية المترهله.

 

حماس علمت أم لم تعلم بات على عاتقها حل المآزق كلها، متجاوزة بالمسؤولية كافة الفصائل المختلفه.

 

حماس باتت رأس مشروع هي حملته، وصاحبة رؤية هي طرحتها، الأمر الذي سيحاكم قادتها بقدر نجاحهم في الاستراتيجيات لا التكتيك.

 

كفلسطيني متابع الأمنيات بنجاح نموذج التداول والجيل الخارج من السجون على رأس أهم الأحزاب الفلسطينية.

علاء الريماوي

 

من نفس القسم دولي