دولي

أين أخطأت حركة "حماس" في القاهرة؟

القلم الفلسطيني

أعلنت حركة "حماس" الأحد الماضي استجابتها لرغبة المخابرات العامة المصرية بحل اللجنة الإدارية في قطاع غزة أولاً، وبإفساحها المجال أمام حكومة الوفاق الوطني لممارسة مهامها والقيام بواجباتهات في غزة ثانياً، تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة دون تحديد ماهيتها (رئاسية، أم تشريعية، أم مجلس وطني، أم جميعها دفعة واحدة)، وذلك نزولاً عند شروط حركة "فتح".

قوبل ذلك الموقف بالترحيب من الفصائل الفلسطينية، ومن حركة "فتح" على لسان عزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة الوطنية، الذي أشار بدوره إلى إمكانية عقد اجتماع ثنائي لاحقاً بين "حماس" و "فتح"، يعقبه اجتماع لكافة الفصائل الفلسطينية الموقّعة على اتفاق المصالحة 2011م للبدء بالخطوات العملية لتنفيذ كافة بنوده.

هذا الأمر أشاع شيئاً من الارتياح في الأوساط الفلسطينية، مع بقاء الشك سيّد الموقف، استناداً إلى تجارب مريرة ومتكررة لم تفض إلى أي انفراجة حقيقية، بل كان مصيرها الفشل والتيه في التفاصيل والشروط والشروط المضادة.

فما الذي استَجَدّ في هذه اللحظة..، وهل يمكن التفاؤل حقيقةً بإمكانية جسر العلاقة بين "فتح" و"حماس"، ومن ثم رفع الحصار عن غزة؟

كان لافتاً حضور حركة "حماس" إلى القاهرة بوفد قيادي عالي المستوى برئاسة إسماعيل هنية رئيس الحركة الجديد، وبعضوية العديد من القيادات التي تمثل الداخل والخارج..، ما أعطى انطباعاً بوجود متغيرات وتطورات هامة قد تُفضي إلى تخفيف الحصار عن غزة، كثمن أو مكافأة لحماس على التزامها بحماية الحدود المشتركة، ومنعها اتخاذ غزة ملجأً أو منطلقاً للمجموعات المسلحة ضد النظام المصري في سيناء المجاورة.

ولكن "الإنجاز" الوحيد لحد الآن، إن صح تسميته إنجازاً، والذي خرجت به "حماس" إلى الشعب الفلسطيني تمثّل في حل اللجنة الإدارية التي أنشأتها لملء الفراغ الإداري الناشئ عن غياب حكومة الوفاق الوطني، وذلك سحباً للذرائع أمام محمود عباس وحركة "فتح" التي علّقت مجرد جلوسها للحوار مع حركة "حماس" على حل اللجنة الإدارية مسبقاً..

والسؤال هنا، إذا كانت حركة "حماس" قد استجابت لتلك الشروط..، فلماذا رفض وفد حركة "فتح" بقيادة عزام الأحمد والذي استُدعي إلى القاهرة، الجلوس مع وفد حركة "حماس"، واكتفى بالتواصل عبر الوسيط المصري؟!

وإذا كان حل اللجنة الإدارية إنجازاً وطنياً أو فتحاوياً، فلماذا صَدَر القرار ببيان منفرد لحركة "حماس"، ولم يَصْدر عبر بيان مشترك لحركتي "فتح" و "حماس" وبرعاية مصرية، أو من خلال مؤتمر صحفي يُعقد في القاهرة كما درجت العادة؟!

يُفهم من ذلك، أن حجم الخلافات بين حركتي "فتح" و"حماس"، والمسافة بينهما ما زالت كبيرة جداً، وأن حل اللجنة الإدارية جاء بضغط مصري، ورغبة حمساوية لإثبات حسن النوايا، ظناً منها أن ذلك سيعزز من موقفها لدى القاهرة في مواجهة محمود عباس أو تعنّت حركة "فتح".

بقراءة أخرى، يمكن القول أن مصر وحركة "فتح" نجحتا بالحصار والإجراءات العقابية في لَيْ يد حركة "حماس" أو إخضاعها للشروط دون التزام الطرف الآخر بأية إجراءات حقيقية تُذكر، أقلّه لحد الآن؛ سوى وعد الجانب المصري تكراراً بفتح معبر رفح المتعثر تأهيله لوجستياً منذ عدة أشهر، هذا بالإضافة إلى وعد الرئيس محمود عباس، من نيويورك، بدعوة القيادة الفلسطينية للانعقاد لمناقشة الإجراءات اللاحقة نتيجةً لشعوره بالارتياح من حل اللجنة الإدارية، ما سيمنحه شرعية التمثيل والقيادة للشعب الفلسطيني أمام الأمريكان والعالم، ولو تحت سيف الإجراءات العقابية ضد المدنيين في غزة والتي ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي لتحقيق مآرب سياسية..، ما سيؤهله لاحقاً للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي بعد أن وجّه لكمةً قويّة لخصمه اللدود محمد دحلان وبرعاية مصرية أيضاً.

ومن هنا، وبغض النظر عن النقاش بشأن مدى جدّية ومستوى التزام محمود عباس من عدمه باستحقاقات اتفاق القاهرة 2011 والمصالحة التي تعثّرت في كل مرّة بذرائع وحجج وتفاصيل وشروط إجرائية وسياسية لا تنتهي، فإنني أعتقد أن حركة "حماس" أخطأت في إدارتها للحوار/المفاوضات مع حركة "فتح" عبر "الوسيط" المصري للأسباب التالية:

أولاً: من حيث الشكل، فقد أخطأت الحركة عندما خَلَطت في زيارتها إلى القاهرة بين لقائها المسؤولين المصريين، وبين استعدادها للقاء وفد حركة "فتح" دون تحضير أو إعداد مسبق، وهو الأمر الذي يُرَدّ إليه رفض وفد حركة "فتح" لقاء حركة "حماس" رغم قبول الأخيرة بحل اللجنة الإدارية..، ما يُعدّ "إهانة" سياسية لحماس وتقليلاً من شأنها. 

ثانياً: إعلان حركة "حماس" منفردة بحل اللجنة الإدارية التي وُجِدت لملء الفراغ، والتي بسببها فرضت سلطة رام الله العديد من الإجراءات العقابية ضد المدنيين، دون تراجع الأخيرة فوراً عن تلك الإجراءات يُعد سَقْطة كبيرة لحماس التي اعتمدت في قرارها على مبدأ حسن النيّة، وعلى إيحاءات ووعود شفهية من طرف الراعي المصري المنحاز أصلاً إلى السلطة الفلسطينية وبرنامجها السياسي بشهادة التجربة والمُعْلَن من المواقف المصرية المتواترة.

ثالثاً: إن قبول "حماس" بحل اللجنة الإدارية دون قيد أو شرط أو ثمن مقابل، يُفهم منه أن "حماس" مأزومة وواقفة أمام الحائط بلا خيارات، ما سيُغري مصر والسلطة لفرض المزيد من الشروط والقيود لأخذ المزيد من التنازلات بوهم الحديث عن رفع الحصار، أو بذريعة التوطئة لحكومة محمود عباس للقيام بمهامها في غزة..، وهذا بدوره سيُمهّد الطريق لاحقاً لتفكير القاهرة في كيفية دمج "حماس" في العملية السياسية، طالما أنها قابلة للترويض.

رابعاً: "حماس" أخطأت عندما التَقَت برجل الإمارات محمد دحلان برعاية مصرية، وهو المعروف بخصومته لتركيا وقطر والإسلام السياسي..، كما أخطأت الآن أيضاً عندما قطعت الطريق على تركيا للعب دور الوسيط بين "حماس" و"فتح"، لصالح القاهرة الخصم التقليدي للإسلام السياسي ولبرنامج المقاومة، في وقت لم تُقدّم فيه القاهرة أي مساعدات حقيقية لغزة عقب لقاءات "حماس" بدحلان، ومن غير المتوقع أيضاً أن تفعل ذلك عقب حل اللجنة الإدارية مجاناً، فالتنازلات المجانية لا تجلب إلا المزيد من الضغوط.

إنّ المُبالغة في كَسْب وُدْ الخصم السياسي (مصر)، نتيجةً لضعف مادي معلوم في غزة، يُعد شكلاً من أشكال الهزيمة المعنوية أو النفسية، ما سيُفضي إلى ما هو أسوأ من القاهرة ورام الله، خاصة إذا استمر الوضع عربياً علىى ما هو عليه، وبقيت "حماس" في مربع ردة الفعل، وفي موقع المتردد والقلق من فتح خياراتها السياسية في الإقليم.

أحمد الحيلة

 

من نفس القسم دولي