دولي

لأنهم ضحايا وليس لأنهم مسلمون

القلم الفلسطيني

مأساة مجموعات الروهينغا في إقليم أراكان في ميانمار بجنوب شرق آسيا ليست جديدة، فهي تعود إلى ما قبل أربعين عاما على الأقل. وليس تجاهل هذه المأساة على المستوى الدولي جديدا أيضا.

ومن الواضح أنه ليس هناك في دول العالم من يجد له مصلحة في التعاطف مع هؤلاء، أو الاهتمام بقضيتهم، بما في ذلك ضمن إقليم جنوب شرق آسيا، ففي أوقات سابقة أبدت ماليزيا وإندونيسيا قلقا تجاههم، ومع تجدد العنف الوحشي العرقي والسياسي والديني نحوهم، في الأسبوعين الماضيين، التزمت الدولتان الصمت حتى تاريخه. بينما تعمد دولة بنغلاديش المجاورة إلى إغلاق الحدود في وجوههم.

أما سلطات ميانمار، وحيث يقوم الجيش، بالتعاون مع منظمات دينية متطرفة، بالحملة عليهم، فإنها تنكر ما يجرى بعد تشريد عشرات الآلاف منهم وحرق بيوتهم. وتتعرض هذه الأقلية المسلمة إلى حملات دورية منذ أواسط القرن الماضي، وبالكاد تولي الأمم المتحدة اهتماما خاصا بهم. 

وخلافا لما يدعو إليه زعماء هيئات إسلامية من استنهاض همم المسلمين للدفاع عن المضطهدين المسلمين في ميانمار، فإن الدعوة هنا تتجه إلى سائر المنظمات الحقوقية والإنسانية، وإلى كل من يولي احتراما للحياة البشرية من قادة العالم، كي يتدخلوا ويتوقفوا عن التفرّج على هذه المحنة المتجدّدة، ويناصروا الضحايا بصفتهم ضحايا، وبصرف النظر عن انتمائهم الديني.

يستند الاضهاد الذي يتعرض له هؤلاء إلى تراثٍ من الحكم العسكري الديكتاتوري، وإلى أنهم أقلية دينية وسط بحر من الأغلبية البوذية، علاوة على تمييز عرقي واستكبار طبقي، كونهم يمتهنون أعمالا يدوية شاقة، إضافة إلى أنهم محرومون من الجنسية، فهم ينحدرون في معظمهم من مسلمي الهند والصين، وفئة منهم تصنف نفسها من أصلاب الفاتحين العرب قبل قرون.

ويبلغ تعدادهم أكثر (من) مليوني نسمة من جملة عدد السكان، وتعمد السلطات، كما فعلت في العام 2014، إلى عدم شمول نحو نصفهم بالتعداد السكاني. ولا تتورع زعيمة سياسية في ميانمار (بورما سابقا) هي أونغ سانغ سوكي (72 عاما) الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وذات التاريخ النضالي المشهود ضد الحكم العسكري، في إنكار وجود المشكلة، وترى فيها "جبلا من التضليل"، من دون أن تتطوع بإبراز جملة من الحقائق المستندة إلى وقائع تدحض التضليل المزعوم.

وتنزلق هذه السيدة ذات السجل السياسي المحترم، والتي يقود حزبها (الرابطة الوطنية للديمقراطية) الحكومة، إلى ترديد مقولة "الإرهاب" ذريعة لما يجرى من حملة استئصالية، على الطريقة الإيرانية والروسية في تسويغ حملة إبادة السوريين أنها تندرج في سياق مكافحة "الإرهاب". وهو ما أثار مطالباتٍ واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو إلى سحب جائزة نوبل للسلام من أونغ سانغ سوكي. إذ لم يعْرف عن هذه الأقلية، طوال تاريخها، جنوحها إلى العنف، أو إلى تشكيل منظمات مسلحة، وحيث يسهل على شريحة جديدة من السياسيين في العالم تصوير أية معارضة أو حملات احتجاج غريزية للدفاع عن النفس، أو أية احتكاكات بالشرطة، إرهابا، وهذه موضة سياسية وإعلامية تجمع بين الرخص والفجور، غرضها الحقيقي التستر على الإرهاب الفعلي. كما يحدث مع جماعة الروهينغا التي تتعرّض لحملة استئصالٍ من أجل دفعها إلى التوجه إلى بنغلاديش المجاورة (تتجاور ميانمار أيضا مع الصين وتايلاند)، وذلك باحتساب هذه الجماعة على أنها هندية الأصول، وبنغلادش كانت جزءا من الهند. وبما يضمن الصفاء العرقي والديني في البلد الذي تحكمه حكومة ديمقراطية!. 

وأن يقف المرء هنا متضامنا مع هذه الأقلية من المدنيين الذين يعيشون ظروفا مزرية، فليس مرد ذلك لأنهم مسلمون، بل لأنهم ضحايا، ولو كانوا ينتمون إلى أي دين آخر لوجب التضامن معهم.

الإدانة، يتعين أن تتجه إلى زعماء العالم الذين صمتوا صمت القبور عن هذه الكارثة، إما لأنه لا مصلحة لهم في التضامن مع هؤلاء، وهذا هو الدافع الأوضح والأكبر، أو لأن هؤلاء الضحايا مسلمون، وقد درجت الموضة السياسية الرائجة في السنوات القليلة الماضية على عدم التضامن معهم

وخلافا لما يدعو إليه زعماء هيئات إسلامية من استنهاض همم المسلمين للدفاع عن المضطهدين المسلمين في ميانمار، فإن الدعوة هنا تتجه إلى سائر المنظمات الحقوقية والإنسانية، وإلى كل من يولي احتراما للحياة البشرية من قادة العالم، كي يتدخلوا ويتوقفوا عن التفرّج على هذه المحنة المتجدّدة، ويناصروا الضحايا بصفتهم ضحايا، وبصرف النظر عن انتمائهم الديني.

ومع الدعوة، في الوقت ذاته، إلى الوقوف ضد التمييز الديني من أية فئة ضد أية فئة أخرى، وذلك حتى لا تستشري موجةٌ من التطبيع مع البربرية، باتت تزحف على عالمنا تحت عناوين مثل مكافحة الإرهاب والعداء لأميركا، كما تفعل روسيا وإيران، أو كما تفعل "الدولة العبرية" بمكافحتها المزعومة لإرهاب مزعوم، وهي المتحالفة مع أميركا في الإبادة المادية والمعنوية لوجود شعب فلسطين.

وفي ظل الصمت الدولي المشين، برز صوت الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الذي هاتف السيدة سوكي، باعتبارها زعيمة ميانمار الفعلية، كونها رئيسة الحزب الحاكم، محتجا على ما يجرى، ومبديا قلق الدول الإسلامية، وهو ما أجابت عنه نصيرة الديمقراطية بالقول إن هناك "جبلا من الأضاليل"، متجاهلةً باستخفافٍ وعماء، نزوح 123 ألفا خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

وقد وعد أردوغان أن تكون قضية استئصال الروهينغا في صدارة الاهتمام التركي خلال سبتمبر/ أيلول الجاري في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأردوغان هو الزعيم الوحيد حتى الآن الذي تحرّك، ورفع صوت الاحتجاج الرسمي. وقد يأخذ بعضهم عليه، وعن حق، تركيزه على الانتماء الديني لهذه الجماعة المضطهدة، لكن المؤاخذة، بل الإدانة، يتعين أن تتجه إلى زعماء العالم الذين صمتوا صمت القبور عن هذه الكارثة، إما لأنه لا مصلحة لهم في التضامن مع هؤلاء، وهذا هو الدافع الأوضح والأكبر، أو لأن هؤلاء الضحايا مسلمون، وقد درجت الموضة السياسية الرائجة في السنوات القليلة الماضية على عدم التضامن معهم، كما هو الحال في موقف الصمت ضد الاستباحة المنهجية للمسجد الأقصى، وهو أحد أقدس مقدسات المسلمين، من حكومة المتطرّفين الصهاينة، ومن الأحزاب اليهودية الأصولية.

محمود الريماويمحمود الريماوي

 

من نفس القسم دولي