دولي

المجلس الوطني الفلسطيني لتعميق الانقسام

القلم الفلسطيني

من المفروض أن يكون المجلس الوطني الفلسطيني مؤسسة جامعة تستظل بظلها كل القوى والتجمعات الفلسطينية، وكل الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها. وهو الهيئة التي تشكل المرجعية القانونية والسياسية للشعب الفلسطيني لأنه هو الذي يحدد المسارات ويصدر التشريعات ومختلف التعليمات القانونية، وكل المؤسسات الفلسطينية تخضع لرقابته وقراراته الجامعة. لكنه لم يعمل بجد نحو تثبيت مكانته المميزة في الساحة الفلسطينية، وبقي مع السنوات أداة سياسية بيد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان حريصاً على الدوام على تشكيل المجلس بطريقة يضمن فيها لسياساته أغلبية الأصوات. وقد ساعد المجلس بطريقة فجة رئيس منظمة التحرير على الاستئثار بالقرار والمال حتى عانت الساحة الفلسطينية من استبداد وطغيان لا يحتاجهما الشعب ولا تحتاجهما القضية الفلسطينية.

هذا وقد انتهك المجلس الوطني الفلسطيني قراراته مرارا، وانتهك الميثاق الوطني الفلسطيني تكرارا على الرغم من أنه من المفروض أن يكون الحارس الوفي على هذا الميثاق. لقد انتهك الميثاق عندما وافق على مبادرة النقاط العشر لعام 1974، ولم يلتزم بقراراته الخاصة بالابتعاد عن مصر التي عقدت اتفاقية كامب ديفيد واعترفت بالكيان الصهيوني. وانتهك الميثاق بصورة بشعة عام 1988 عندما اعترف بالكيان الصهيوني في دورته المنعقدة في الجزائر. 

واقترف جريمة أعظم عندما وافق على اتفاق أوسلو المتناقض تماما مع الميثاق الوطني الفلسطيني، وقمة جرائمه تمثلت في زحفه على الميثاق الوطني الفلسطيني وإلغاء بعض بنوده وتعديل بنود أخرى حتى لم يعد هناك ميثاق للشعب الفلسطيني الذي هو بأمس الحاجة لوجود ميثاق يجمع الفلسطينيين ويوحدهم.

أي أنه من المفروض محاكمة أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الذين صوتوا مع انتهاك الميثاق والذين ارتضوا أن يكونوا مجرد أدوات سياسية لرئيس لم يحترم تضحيات الشعب الفلسطيني. والمحاكمة يجب أن تتم وفق القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي ما زال معمولا به حتى الآن.

يدعو رئيس السلطة الفلسطينية الحالي والمنتهية صلاحيته إلى عقد المجلس الوطني الفلسطيني مجددا علما أن هذا المجلس لم يعد شرعيا، كما أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ليست شرعية. والسبب أن المؤسستين فقدتا مصدر شرعيتيهما عندما ألغي الميثاق الوطني، ولأنهما أيضا يخالفان اللوائح الداخلية الخاصة بالمجلس واللجنة. كان عملهما عبر السنوات عشوائيا وفوضويا ومزاجيا، ولم يكن وفق إستراتيجية وخطة معدة جيدا فقادا الشعب إلى الهاوية.

اللاشرعي وهو رئيس السلطة الفلسطينية يعمل على دعوة المجلس غير الشرعي للاجتماع في الضفة الغربية متجاوزا فصيلين مقاومين مهمين على الساحة الفلسطينية وهما حركة حماس والجهاد الإسلامي. 

وكما ورد في الإعلام إنه ينوي الدعوة للانعقاد قبل أن يعيد تشكيل المجلس الوطني بحيث يتم تمثيل كل القوى والفصائل الفلسطينية فيه. فلسفة المجلس تقوم على أنه الخيمة التي يجتمع تحتها الجميع من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية. وقد تم تجديد هذه الفلسفة من قبل الفصائل الفلسطينية عندما اجتمعت في بيروت قبل عدة أشهر، وأكدت على ضرورة إعادة ترتيب منظمة التحرير ليأخذ كل فصيل وكل تجمع موقعه المناسب في المشاركة في القرار الفلسطيني. لم يلتزم المجتمعون بما قرروا في بيروت، وكان اجتماعهم خائبا لأن هناك من يزال يصر على التفرد والاستئثار. 

هذا علما أن حماس والجهاد ولجان المقاومة الشعبية صدوا ثلاث حروب صهيونية متتالية، وهم الذين يمسكون البندقية في مواجهة الصهاينة. ومن حيث أن منظمة التحرير قد أخذت شرعيتها من البندقية، فإن المقاومة الفلسطينية القائمة حاليا ذات شرعية مكتسبة من ذات المنبع وهو البندقية. أما منظمة التحرير القائمة حاليا فلا شرعية لها كما أشرت أعلاه.

من شأن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بالصيغة المطروحة من قبل عباس أن يعمق الانقسامات الفلسطينية ويرفع من حدة الضغائن والأحقاد بين مختلف الفئات السياسية. المحاولات مستمرة من أجل لم شمل الشعب الفلسطيني، لكن خطوات من هذا القبيل تقضي على ما يمكن أن تثمر عنه الجهود نحو رأب الصدع، وتوصل رسالة للجميع بأن على الفلسطينيين أن يرتضوا بانقساماتهم، ولا خيار أمامهم.

دعوة المجلس للانعقاد ليست بريئة لأنها تحمل في داخلها المزيد من الشقاق في الداخل الفلسطيني، ولا تخفى مساوئ هذه الدعوة حتى على الأطفال. الأصل، وإن أردنا السلامة، أن تناط الأمور إلى خبراء ليعكفوا أولا على صياغة ميثاق وطني فلسطيني أو دستور، ومن ثم على التفكير بأفضل المعادلات لتشكيل مجلس وطني جديد بطريقة تضمن مشاركة الجميع، وتؤدي إلى انبثاق إجماع وطني فلسطيني. ليس من الحكمة عقد مجلس وطني فلسطيني بعدم وجود ميثاق وطني.

كيف ستكون بوصلة المجلس بدون ميثاق؟ وإلى ماذا سيحتكم المجتمعون عندما يختلفون؟ وكيف سيتم تحديد البوصلة الفلسطينية إن لم يتوفر ميثاق يتمسك به الجميع ويحاسب الجميع وفقه؟ لا يبدو أن الفلسطيني الذي يمسك بالقرار لديه أدنى معرفة بالفكر السياسي أو بطريقة القيادة. هناك أمية في تسيير الأمور وفي اتخاذ القرارات. ولهذا من الصعب أن تستقيم الساحة الفلسطينية في ظل قيادة من هذا القبيل.

والمشكلة الكبيرة التي تشير إلى أن صاحب القرار يراهن على الكيان الصهيوني أنه ينوي عقد المجلس في الضفة الغربية. وهذا معناه أن الكيان الصهيوني سيتحكم بمن يدخل الأرض المحتلة/67 ومن لا يدخل. وفي هذا ما يعين صاحب القرار لأن الصهاينة سيمنعون المعارضين من حضور جلسات المؤتمر.

هناك من هم مستفيدون من وجود الاحتلال وسيعملون دائما على إطالة عمره وبقائه. صحيح أن الكيان سيمنع بعضهم من السفر إن تم عقد المجلس خارج فلسطين، لكن أعداد هؤلاء قليلة مقارنة بأعداد القادمين من الخارج، ولو كان الاحتلال يلاحقهم لعرقل حركتهم أو لاعتقلهم وزج بهم في السجون.

عبد الستار قاسم

 

من نفس القسم دولي