الوطن
"يجب الاعتراف أن النخب الحاكمة بالغت في التجبر والظلم "
الإعلامي والكاتب محمد بغداد للرائد:
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 23 أوت 2012
قال الكاتب والإعلامي محمد بغداد إن أمريكا ليس لها عدو أو صديق في العالم فما بالك بالوطن العربي وإنما المصالح هي الدائمة، لذلك تسعى جاهدة من أجل إحداث أنظمة ترفع شعار الديموقراطية والتغيير وفق المنظور الأمريكي. كما أكد بغداد انه يجب على الجزائر أن تساير بدبلوماسية السياسة الأمريكية الجديدة خصوصا بمنطقة الساحل.
من خلال نظرتك كإعلامي ومتابع للأوضاع السياسية بالوطن العربي، كيف ترى الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة وإرهاصاتها على الجزائر؟
إن الإستراتيجية الأمريكية من طبيعتها الأساسية التغير والتبدل، حسب المصالح والظروف التي تحقق تلك المصالح، فليس لديها عدو دائم وليس لها صديق دائم، بل المصالح هي الدائمة، وبالعودة إلى تاريخ العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي، نجد خلاصتها السلوك الاستنزافي والنهب الكبير للثروات الإستراتيجية، والوقوف في وجه كل محاولات النهوض أو التقدم للعالم العربي، وقد ساهم عدد من النخب في توسيع وتجذير الهيمنة الأمريكية على المنطقة، دون أن نتعلم من التجارب والمحطات الماضية، وأهم ما يهم الولايات المتحدة اليوم بعدما حطمت العراق وضيعت فلسطين، تريد أن تجد من العالم العربي السلاح الذي تضرب به إيران، دون أن يتفطن العربي إلى المذبح الذي يساقون إليه.
أما الجزائر، فهي دولة مهمة في الفضاء العربي، وإستراتيجية في القارة الإفريقية، ومحورية في شمال إفريقيا، وهي تمتلك قدرات وإمكانيات وثروات مهمة، وفي مقدمتها ثروت الشباب والعقول، مما يجعلها في محل اهتمام كل إستراتيجية دولية، وفي ظل التحولات الدولية الحالية، تكون الجزائر قد ربحت موقعا مهما في ظل هذه التحولات، مما يجعلها مدعوة اليوم للاستجابة للتحديات التي تفرضها هذه التحولات، زيادة على استيعاب المعادلة الجديدة لشبكة المصالح المتبادلة بين الطرفين، وفي النهاية الذهنية السياسية والسلوك الدبلوماسي الأمريكي معروف، ويجب التعامل معه بالحجم الذي تتغير فيه محاور الخريطة الدولية.
أفادت بعض التقارير الإعلامية الغربية أن خطة "أصدقاء الشعب السوري" الهدف من ورائها الإطاحة بنظام بشار الأسد ثم البدء بإشعال ثورة شعبية في الجزائر، فما هي وجهة نظرك حول هذا الطرح؟
لا يجب أن يصر البعض على الاستمرار في ربط ما يسمى الثورات العربية، بأنها مخطط غربي هدفه تدمير الوطن العربي، بل يجب الاعتراف أن النخب الحاكمة عندنا بلغت من التجبر والظلم والتخلف ما لا يمكن تصوره، ومن هنا يجب احترام حركة التاريخ والارتقاء، إلى فهم تجلياته حتى لا تفوتنا متعة مرافقتها في الوقت المناسب، وعلى هذا الأساس، فإنه لا يوجد طرف يتحكم في حركة احتجاج المواطن العربي، فأينما كان الظلم من حق الناس أن تعلن مجرد إحساسها بالألم الذي سيكون من الآن فصاعدا إعلانا مدويا. وفيما يتعلق بالملف السوري، الذي يمثل اليوم أكبر مظهر من مظاهر الصراع الدولي الدائر على العالم العربي، وبالذات الشراسة التي تقود بها أمريكا المنطقة، إلى الكارثة، ويقابل ذلك السلوك الأحمق الذي تسلكه النخب الحاكمة في الوطن العربي، وفي النهاية سيتم تدمير سوريا تدميرا لا مثيل له وتفتح إلى نخب مغشوشة ومنتهية الصلاحية مهمتها اليوم، إطلاق التحذيرات، بل نحتاج إلى من يقول لنا الحقيقة في وجوهنا، ويصنع من إمكانياتنا فرصا ناجحة وجيدة تخرجنا من التخلف، الذي تورطنا فيه، وأعتقد أن الثورات العربية، ليست علبة كبريت بيد طرف من الأطراف يشعل عيدانها في مناطق متفرقة من العالم. حرب أهلية وطائفية بشعة، وكل ذلك من الجولات الاستعراضية التجريبية، قبل إعلان إمكانية الحرب مع إيران، وعند التدقيق فيما يحدث، نجد الموضوع يتجاوز النظام السوري والمعارضة، ويصل إلى مستوى إعادة بناء عالم جديد، يتميز بزمن الإمبراطوريات الجديدة.
هناك العديد من الأبواق الإعلامية تنادي بثورة شعبية في الجزائر خصوصا استغلال الفراغ السياسي الذي تمر به البلاد وتأخر تشكيل الحكومة بالإضافة إلى تدهور الأوضاع المعيشية وأزمة الكهرباء التي من الممكن أن تتحول لثورة مثلما حدث مع السكر والزيت، فما هو تعليقك؟
دعني في البداية أصحح بأننا من الناحية الدستورية والقانونية، لا نعيش فراغا سياسيا والسلطة غير ملزمة دستوريا بتعديل الحكومة، والذين يطالبون بتعديل الحكومة، نقول ماذا ستكون الفائدة منها، إذا كانت مهمتها تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وهي نفس المهمة التي تقوم بها هذه الحكومة ونتائج الانتخابات، لم تغير الخريطة السياسية، أما بعض التفاصيل فنحن متعودون عليها. أما مشكلة الأوضاع المعيشية الصعبة، فهي القضية التي نفتها الطبقة السياسية، وأكدت بأننا نعيش في رفاهية، وأما مشكلة الكهرباء فهي قضية محيرة جدا، فمن الغريب أن بلدا يمتلك إمكانيات وثروات كالجزائر، لا تستطيع أن توفر الكهرباء للمواطن، والغريب أكثر تلك التصريحات الاستفزازية، التي أطلقها المسؤولون على قطاع الكهرباء، والتي تجاوزت المنطق والذوق السليم. والتناقض يكمن في الذين قالوا بالأمس بأن الجزائر بلد الرفاهية، فبالأمس واجهنا قسوة الثلوج، واليوم حرارة الشمس، دون أن نسمع للطبقة السياسية، صوتا يرتفع ولم نسمع بمشاريع أو اقتراحات، وحلول تكون في مستوى هذه الأحزاب. والخطورة، لا تكمن في الثلوج والكهرباء، ولكن في انهيار المنظومة التعليمية والأخلاقية والقيمية.
الناظر للراهن الجزائري يلاحظ أن خطاب الجزائر الرسمي غارق في النرجسية والرافض لكل ما يشبه الجزائر بباقي الدول العربية، فهل فعلا نحن بعيدون عن ما يحدث في الوطن العربي؟
المشكلة الأساسية تكمن في عدم تجاوز ثقافة قراءة التاريخ من وراء أسوار القرون، فنعلق دائما آمالنا وآلامنا على مشاجب طوباوية، تجعل نخبنا تفقد بصرها فتصر على عدم رؤية الواقع، كما هو، وفي التحليل السياسي يفترض أن نبتعد عن الأحكام المعيارية، لأن القضية لا تتعلق بإمكانية استنساخ تجارب أو ظروف محددة، وإنما تتصل أولا بتقييم حقيقي للواقع، وقدرة النخب على إقناع الناس بجارتها في إدارة شؤون البلاد، والذين يتخوفون من استنساخ التجارب هم أولئك الذين يتخوفون من مصالحهم، التي تقوم على حقوق غير مشروعة وأساليب غير منطقية، وقد ألفوا إعلان حملات التخويف وممارسة الترهيب للمجتمع، لتقول لهم أخذوا الأخطار القادمة وهي في الحقيقة وهمية، ويبعدونهم عن المشاريع التاريخية الحقيقية التي تضيع، وتضيع معها إمكانية الخروج من التخلف، وأظن أن الجزائر ليست بحاجة، كما أنه مقاربة منهجية، تحاول الاقتراب من ميدان المعارك، ولكن ليس من الزاوية العسكرية والأمنية، ليذهب الكاتب إلى دراسة السلوك السياسي لأطراف الأزمة المؤثرة، في تداعياتها، وهو السلوك الذي يتم تناوله في هذه الدراسة، وقائم على خلفيات هذه السلوكات والمرجعيات التي يقوم عليها وتفرزها مفاهيمه المؤسسة، سواء تلك المنتمية إلى الثقافة الإسلامية أو الثقافة الغربية، ويتم ذلك على أسس منهجية علمية حديثة.
سيصدر للإعلامي والكاتب محمد بغداد هذه الأيام كتاب جديد حول الوضع في منطقة الساحل، فما هي أهم جوانب هذا الكتاب وتأثير الأحداث في شمال مالي على الوضع في دول الجوار وخيار التدخل الأجنبي بالمنطقة؟
الكتاب جاء في سياق التأسيس إلى مسار في المشهد الإعلامي الجزائري، الذي نود أن يتخلص الزملاء من الممارسة اليومية في تحرير الأخبار، والحصول عليه من مصادره المتعبة للصحفي، وأرغب في الاطلاع على مشهد يكون الصحفي الجزائري، متابعا للمشهد الذي يشتغل عليه فتكون له فرصة تقديم آرائه ويوثق وجهة نظره فيما يتعلق بذلك الموضوع، حتى نتمكن من بناء ثقافة توثيقية جديدة يتحمل مسؤوليتها الصحفي، الذي يتحول إلى مرجع إلى عدد من النخب الجزائرية التي تستوطئ حائط العمل الإعلامي اليومي ويستهينون بقيمته. نحتاج اليوم إلى دور الإعلامي الذي يتجاوز حدود التحرير، إلى التوثيق والتحليل الذي ستنتج عنه نخبة إعلامية جديدة، تقوم بدورها في إنارة الرأي العام بأفكارها واقتراحاتها وتستفيد منها النخب السياسية والاقتصادية، التي تحتاج إلى الكثير من الأفكار والآراء والتحليلات، وبالذات المتعلقة بمصير البلاد والملفات الكبرى، التي سيكون فيها الإعلامي المؤسس للحوار الوطني الشامل الذي يساهم في بناء ثقافة جزائرية جديدة. من هنا جاءت فكرة كتاب يتناول قضية القاعدة في الساحل الإفريقي، ليكون مساهمة مني في تأسيس هذا الاتجاه الجديد، ولكني أبتعد فيه عن التحرير اليومي للأخبار، وأعتمد على منهج تحليل سلوك كل الأطراف الفاعلة في الأزمة، وتحليل رؤيتهم للموضوع والأسس التي ينطلقون منها في نشاطاتهم وبناء قراراتهم. وذلك بهدف فهم الأحداث ومساراتها وتأثيراتها في الواقع حتى يكون المشهد واضحا، في تناول بقية الملفات الأخرى حتى نشق طريقا احترافيا في العملية الإعلامية الجزائرية، التي يجب أن تنتقل إلى الاحترافية. ومن هنا، فإن الكتاب الذي اخترت له عنوان "دماء الصحراء حروب القاعدة في الساحل الإفريقي"، يتناول أزمة منطقة الساحل الإفريقي، التي تتعاظم يوميا ويتوسع الجدل السياسي والإعلامي حولها، مما جعلها القضية الأولى والأزمة الكبرى في الشمال الإفريقي، وهي الأزمة التي تكاد تعصف بعدد من دول المنطقة، وكانت في مقدمتها دولة مالي، التي انهارت بسبب عدة عوامل منها بفعل الجماعات المسلحة في منطقة الشمال.
حاوره فيصل شيباني