دولي

اعتقال بتهمة آية

القلم الفلسطيني

مثل الخميس الشيخ رائد صلاح الخميس أمام محكمة "الصلح" في مستوطنة ريشون لتسيون، للاستماع للائحة الاتهام التي ستقدمها النيابة الإسرائيلية ضد الشيخ الذي اعتقل منذ نحو أسبوع بتهمة غامضة وفضفاضة، هي "التحريض على الإرهاب". 

تنسب شرطة العدو الصهيوني للشيخ شبهات "التحريض على العنف، التحريض على العنصرية، العضوية في منظمة إرهابية والقيام بأعمال لصالح منظمة إرهابية". فند الشيخ صلاح (ومحاموه) الشبهات جملة وتفصيلا، وقال في كلمة له، قبيل انعقاد جلسة النظر في طلب تمديد الاعتقال، إن "ما يحدث، اليوم، هو استمرار لمسلسل ملاحقة الحكومة الإسرائيلية جماهيرنا العربية، وهي ملاحقة سياسية ومحاولة لبلبلة الإعلام، ليهتم بقضية اعتقالي، ويغض النظر عن التهم التي توجه، اليوم، ضد رئيس الحكومة".

قد يكون هذا الكلام صحيحا إلى حد ما، لكن الأهم طبيعة الحوار الذي جرى في الجلسة الأولى للمحكمة، بعد اعتقال الشيخ، فقد قال ممثل الشرطة للقاضي إن "المعتقل رائد صلاح قال في جنازة الشبان من أم الفحم، "ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون"، سأل القاضي: أهذا تحريض؟ فأجابت الشرطة: إننا والنيابة نرى في ذلك تحريضاً".

للمشهد جانبان، فالشيخ رائد صلاح "هدف محدّد مسبقاً" للاعتقال، كما جاء عنوان افتتاحية صحيفة هآرتس العبرية يوم أغسطس/ آب الجاري، وقد جاء فيها أن الشيخ صلاح، رئيس الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية، اعتقل هذا الأسبوع للاشتباه بإطلاق تصريحات تحريضية. وعلى حد قول الشرطة، ففي جنازة الشبان الثلاثة من أم الفحم، الذين قاموا بعملية الحرم الشهر الماضي، ألقى صلاح خطبةً وجه فيها التحية للعملية (!)، وحرّض على "حرب على الحرم". 

ألقي الخطاب، كما ذكرت الصحيفة، قبل شهر، وهذه فترة كان يمكن لصلاح أن يواصل فيها التحريض ودفع الشبان الفلسطينيين إلى تنفيذ العمليات؛ وبالتالي فان التأخير في اعتقاله يثير العجب. إذ حتى لو كان حرّض، يبدو أن الشرطة لا ترى في أقواله تهديدا واضحا وفوريا على أمن "الدولة"؛ وإلا لكانت بالتأكيد سرّعت في اعتقاله. ولكن صلاح أصبح منذ زمن بعيد هدفا محددا مسبقا. وقد طالب وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، ووزراء آخرون، منذ الشهر الماضي، باعتقاله إداريا. وقد رد المستشار القانوني لحكومة العدو الطلب، وقال إنه ليس في أقواله تحريض على العنف. كما أن قاضي محكمة "الصلح"، مناحيم مزراحي، الذي بحث في طلب الشرطة اعتقال صلاح، لم يقتنع بأن كل أقواله مصابة بالتحريض، بل تحفظ من بعض الادعاءات بقوله إنه "يجد وجه شبه مع احتفالات التأبين من دين آخر، ولكن هذا لا يعتبر تحريضا".

إذاً الشيخ مستهدف، سواء حرّض أم لا، ولكن ما يستوقف هنا أن لا تجد شرطة العدو مستندا مباشرا في أقوال الشيخ، لتوجيه اتهام التحريض على الإرهاب، إلا تلك الآية من القرآن الكريم، وهذا هو الجانب الأهم في المشهد. هذا يعني ببساطة أن مجرد قراءة هذه الآية، أو استحضارها، يشكل تهمة، وبصورةٍ أو بأخرى، فالمتهم هنا هو الآية، وبالتالي القرآن الكريم الذي هو كلام الله، ومنطقيا يمكن الاستطراد، فقائل الآية مسؤول هو أيضا، في عرف شرطة الاحتلال ومنطقها، وتلك هي الحكاية.

وبصورة أكثر شمولا، يمكن القول إن اعتقال الشيخ رائد صلاح هو هدف بحد ذاته، ولكن ليس لشخصه فقط، بل كونه يختزل حالة "الآخر" في المخيال الصهيوني، والآخرون، أو الأغيار هنا، هم من يؤمنون بتلك الآية، وأمثالها. ويوفر علينا روبين باركو في مقاله "أم كل الخطايا" في صحيفة "إسرائيل اليوم" يوم 18/8/2017 كثيرا من تشخيص المشهد، حيث يرى أنه "لا فرق بين حركة صلاح وحركات الإرهاب الإسلامي في العالم. كلها تعمل حسب تفسير الإخوان المسلمين وبشراها واضحة: ذبح الأقليات، اليهود والنصارى، الاغتصاب وهدم المساجد والكنائس. وحسب الرمز التنفيذي الإسلامي لصلاح، يفترض بنموذج داعش أن ينتقل من الرقة في سورية إلى هنا، ويفترض بأم الفحم أن تصبح مدينة عسكرية انعزالية وعدوانية؛ والقدس تصبح دمشق المدمرة. إطلالة في هذا الاتجاه وفرتها جنازات القتلة من الأقصى والإرهابيين ومتطوعي داعش من أم الفحم ممن تربوا على العنف الذي يغذيه صلاح ورجاله".

الشيخ رائد صلاح في قاعة المحكمة

هكذا إذاً، تصبح الآية القرآنية الكريمة متكأ ودليل اتهام، لأن كل من ذكرهم باركو يقرأون الكتاب نفسه، والآية نفسها. ولا عبرة هنا للتسميات، بين متطرّف ومعتدل ووسطي، فأن تقرأ الآية أو تؤمن بها فهذا يعني أنك متهم، سواء كنت مسلما مسالما أو ناشطا سياسيا أو ثوريا، تدعو إلى السلم أو العنف، تحتكم لصندوق الاقتراع أو الانقلاب والسيف، كل هذا ليس مهما، فأنت موصوم بالآية، وما تمثل، وهذا يكفي لاتهامك، وفرزك على قائمة "المطلوبين".

حلمي الأسمر

 

من نفس القسم دولي