دولي

حـريـق الأقصـى مسـتـمـر

القلم الفلسطيني

حقيقتان أشرت اليهما في الذكرى الـ"48 " لإحراق المسجد الأقصى المبارك، التي صادفت 21 الجاري وهما:

الأولى: إن هذه الذكرى الأليمة مرت كحدث عادي، لم يحفل بها أحد، وتجاهلتها اغلب وسائل الاعلام والفضائيات، وخاصة تلك التي تكرس كل وقتها لحروب داحس والغبراء، ونشر الكراهية، وتكريس التطبيع مع العدو الصهيوني... وتعامل معها البعض باستخفاف، كأنها مجرد حادث عادي، أو إشعال نار في هشيم، رغم أهمية المسجد الأقصى المبارك، ومكانته في العقيدة الإسلامية، فهو ثالث الحرمين الشريفين، التي تشد اليهما الرحال، والقبلة الأولى للمسلمين.. مسرى الرسول محمد عليه السلام، ومعراجه الى السموات العلى، ما يشي ويؤكد أن الامة، والتي كانت "خير أمة أخرجت للناس" ..تمر بأخطر مراحلها، تمر بمرحلة الاحتضار.. وقد فقدت الاحساس بأعز ما تملك، بالقدس والاقصى، وهما جزء من العقيدة الاسلامية.

وهذا يعني بصريح العبارة، ان الامة دخلت مرحلة العجز، مرحلة الشيخوخة المزمنة، التي تؤدي الى الانهيار الكامل ..بعد فقدان السمع والبصر، وفقدان الاحساس بالزمان والمكان، وهو ما تنبأ به المفكر اللبناني العربي غسان سلامة " نخشى أن يأتي يوم يطلق فيه على الامة العربية، أمة سادت ثم بادت "...

مرحلة الانهيار هذه، بدأت مبكرا، ولكنها أصبحت واضحة المعالم منذ خمس سنوات ويزيد، منذ أن اخفق ما يسمى الربيع العربي، ليتحول الى شتاء عربي، أو بالأحرى الى زمهرير عربي، منذ أن انفجرت الفتنة الكبرى، واخذت جحافل داعش تطفئ النور، وتنشر الظلام، تنشر الموت والكراهية والحرائق في طول الوطن العربي وعرضه، وقد خطفت الاسلام السمح المعتدل،.. ألغت العقول، ودمرت منجزات الامة وشواهدها الحضارية. وأعادتها الى الجاهلية الأولى.. إلى أيام ثارات داحس والغبراء، في الوقت الذي لم تطلق فيه طلقة واحدة على العدو الصهيوني، الذي يغتصب القدس والأقصى وكل فلسطين... ما يؤكد خطورة دورها كأداة تدميرية بيد أميركا واعداء الأمة.

ومن ثم لم يكن مفاجئاً، أن تمر ذكرى إحراق الأقصى على يد الصهيوني الإرهابي "مايكل روهان" كحدث عادي.. فلقد سبق ذلك قرارات العدو بإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين لأول مرة في التاريخ، ووقوف الأمة كلها موقف المتفرج، موقف اللامبالي، ولولا صمود المقدسيين، ولولا هبة الغضب المقدسة التي فجرها المرابطون... والتف حولها أهلنا في فلسطين كل فلسطين من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، ومن البحر الى النهر.. فحولوا القدس وما حولها الى بحر هائج من الثائرين، يهتفون بصوت واحد.. القدس لنا.. الأقصى لنا.. وفلسطين لنا... وليرحل الاحتلال والمحتلون..

لولا المقدسيون وانتفاضتهم المجيدة، التي هزت مفاصل العدو، وأدخلت الرعب في قلوب الساسة، ليصبح عدد اليهود المغادرين "إسرائيل" أقل من القادمين إليها منذ عام 2019، كما تقول صحيفة "هآرتس" .. فسارع الإرهابي نتنياهو إلى إلغاء البوابات الالكترونية، وقد أدرك أن الموج الفلسطيني سيغرق "إسرائيل" إذا لم يتم تدارك الأوضاع اليوم قبل الغد..

نعم المرابطون في بيت المقدس، واكناف بيت المقدس، هم من انتصروا، وهم من أجبروا العدو على الخضوع لإرادتهم، في وقت غابت فيه الأمة كلها من جاكرتا إلى طنجة عن القدس والأقصى. 

الثانية: أما الحقيقة الثانية فهي: أن ذكرى احراق الاقصى، ذاك الحريق المدبر قد التهم أعز ما في الأقصى، التهم منبر صلاح الدين، التهم مخطوطات نادرة وتراثا وتاريخا مجيدا، يربط حاضر الاقصى، وحاضر الامة بماضيها، يربطها بالفاروق عمر بن الخطاب صاحب العهدة العمرية وبصلاح الدين محررها من الصليبين، وبالصحابي الجليل عبادة بن الصامت، الذي يرقد في مقبرة "مامن السلام" المحاذية للأقصى، وهو أحد رموز الأنصار الذين بايعوا الرسول عليه السلام في بيعة العقبة الكبرى، ونصروا الإسلام، ليضيء الخافقين.. ويخرج البشرية من الظلمات الى النور.

هذا الحريق لم ينته بعد، ولا يزال مستمراً منذ ذلك اليوم المشؤوم وحتى الساعة.

ولعل استعراض الاعتداءات اليومية التي تشنها العصابات الصهيونية على القدس والأقصى.. وعلى المرابطين والمرابطات لهو أكبر دليل ساطع على استمرار الحريق،، واستمرار الصراع على القدس وعلى الأقصى والذي لن ينتهي إلا بزوال "إسرائيل" وعودة الصهاينة المجرمين من حيث اتوا، وعودة الشعب الفلسطيني من المنافي من الشتات، من أربعة أرجاء الأرض.. إلى أرض الآباء والأجداد، إنها رحلة الألف ميل.. رحلة الخروج من الموت إلى الحياة، رحلة الوفاء للأرض والمقدسات.. إنها عودة الروح للجسد، رحلة الوفاء للشهداء .. وستتحقق إن شاء الله عاجلاً أو آجلاً وحينها.. حينها فقط يطفأُ حريق الأقصى، ويخمد الحريق الذي يأكل القدس.. وتعود الروح الى الجسد بعد طول اغتراب وتشريد وموت... 

"إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً" صدق الله العظيم.

رشيد حسن

 

من نفس القسم دولي