دولي
لماذا نجحت المعركة في الأقصى وفشلت بالضفة وغزة؟
حتى أكثر المتنازلين لا يتخلون عن مساندتها لأنهم سيفقدون كل مشروعية متبقية لهم
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 31 جولية 2017
يطرح تراجع الاحتلال عن إجراءاته الأخيرة في المسجد الأقصى ومحيطه، بعد الصمود والمواجهة من المقدسيين وفلسطينيي الداخل المحتل، علامات استفهام حول أسباب عدم انسحابه على الوضع الفلسطيني عموماً، ورغم أنّ جولة الصمود أدت لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 14 يوليو/ تموز الحالي، إلا أن المخاوف لا تزال كبيرة من أن تعود سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى طرق التفاقية أخرى للسيطرة الميدانية على المسجد الأقصى، خصوصاً في ظل معلومات تفيد بأنّ أجهزة الأمن الصهيونية عارضت خطوات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الأخيرة فقط لأنها قد تؤدي إلى اشتعال انتفاضة شعبية واسعة النطاق.
وهذا التحذير لحكومة اليمين المتطرف الصهيونية، دفعها للطلب من أجهزتها الأمنية التجهيز لمرحلة جديدة من التعامل مع القدس والأقصى، في سياق ما حدث من هبّة مقدسية ضد الانتهاكات الصهيونية ، وهو ما يقلق الفلسطينيين ويجعلهم متنبهين أكثر لما قد يحدث من تطورات، مكشوفة أو غير مرئية.
وغاب الزخم الإقليمي والدولي والعربي، وحتى الشعبي، عن المعاناة التي سببها الاحتلال للأرض الفلسطينية، والمستمرة منذ 69 عاماً. وأصبحت القضية المركزية ثانوية عند كثيرين، في ظل إقليم عربي وإسلامي يعاني التوتر الداخلي والخلافات المصطنعة. ويبقى التساؤل الذي يطرحه الفلسطينيون على منصات التواصل الاجتماعي قائماً من دون إجابات واضحة من سياسيي البلد، المنقسم جغرافياً وسياسياً.
وعلى المنصات الاجتماعية، كان الفرح واضحاً بالإنجاز المقدسي، رغم محاولة البعض نسبه إلى اتصالات أجراها زعماء عرب، لكن كثيرين طرحوا أسئلة عن الفارق بين قدرة مقدسيين عزّل محاصرين من كل الاتجاهات، وبلا سند قوي، على تحقيق إنجاز ولو محدود، مقابل حكومات فلسطينية وسلطة وفصائل عجزت عن تحقيق شيء مماثل.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، إلى أنّ ما جرى في القدس هو محاولة من قبل الاحتلال لتوظيف الواقع الإقليمي والداخلي الفلسطيني لإقامة السيادة التامة عملياً والتحكم بالمسجد الأقصى، على اعتبار أن المسجد الأقصى عنوان سياسي بامتياز لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي. ويوضح محيسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ ما أعاق تقدم إسرائيل واستغلال وتوظيف الظرف الإقليمي هو الفعل الميداني للمقدسيين، وبعض المواقف التي ظهرت تباعاً تجاه إسرائيل، والمنتقدة لخطوتها بشأن التحكم بالمسجد الأقصى بهذه الطريقة. ويلفت إلى أنّ المستويات الأمنية قدمت رؤيتها للمستوى السياسي في دولة الاحتلال، وقرأت الأحداث مبكراً، وتوقعت أنه يمكن أن تتطور الأوضاع في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 48 إلى انتفاضة شعبية، يمكن أن توظف من قبل القوى الفلسطينية المختلفة لتنفيذ عمليات مسلحة موجعة.
وفي السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، لـ"العربي الجديد"، إنّ المسجد الأقصى ليس موضوع قداسة ودين فقط، بل هو موضوع سياسي له علاقة عميقة بالحقوق الفلسطينية، والشعور بأن إغلاق ملف القدس، وهذا ما تريده إسرائيل، يعني إغلاق الطريق أمام تحقيق أي تسوية ودولة فلسطينية. هذا الإحساس الفلسطيني، بحسب عوكل، دفع بالمقدسيين للخروج لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية بعيداً عن الحسابات الفصائلية وعمليات الاستثمار السياسي، ولم يكن ممكناً للناس، خارج الأقصى والقدس، أنّ يتجاوزوا القيادة الوطنية الدينية التي أدارت المعركة، فالجميع وضع حدوداً لحساباته الخاصة، وأُجبر على أن يخضع للمعايير الوطنية التي كان يحددها الميدان في القدس. ويعتبر عوكل أنّ ما جرى في القدس كان اختباراً لمدى أهمية المقاومة الشعبية في هذه المرحلة، "فهذه المرة، المقاومة الشعبية أثبتت أنها الأكثر جدارة في هذه المواجهة مع الاحتلال، على الرغم من أهمية الخيارات الأخرى".