دولي

الجمعة “اليتيمة” هل تُسقط البوابات؟

القلم الفلسطيني

لم يكن يخطر على بال المحتل حينما قرر أن ينصب بواباته الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى أن تتجه الأمور إلى ما وصلت إليه، ولعل آخر ما توقعه أن تكون هذه الهبة الجماهيرية المقدسية بامتياز حتى اللحظة والتي بدأت تتصاعد يوماً بعد يوم لتشمل مناطق أوسع، ولعل مَن فكروا بصوت عالٍ ممن فكروا معه أنبأهم أن ضعف الهبة الجماهيرية المساندة لإضراب الأسرى على خجل ستتكرر مع أحداث الأقصى غير أن الميدان الآن يقول بعكس ذلك أو يحاول الانتفاء عنه ولو رويداً.

ردة الفعل الصهيونية التي أعقبت العملية الفدائية لم يكن في حسبانها – أو أنها تجاهلت – بأن الأقصى كان منذ زمن بعيد شرارة البدء لأي تحول واستنهاضٍ في المنطقة وإن كانت تختلف من مرحلة لأخرى إلا أنها كانت عنواناً لهبة النفق ثم ميداناً للانتفاضة الثانية وصولاً إلى انتفاضة القدس التي لا زالت ترخي بظلالها على المشهد بين الحين والآخر وإن شهدت مراحل مد وجزر خلال الأعوام القليلة الماضية.

يتكرر المشهد اليوم بصورة أكبر تطرفاً وحدّة من الجانب الصهيوني والذي لم يكن قد اتخذ قرار التصعيد لوحده ، بل لعل الإشارات الواردة من هنا وهناك تفيد بأن المعركة التي قرر الاحتلال خوضها يتزاحم فيها لنصرته ومساعدته دول عربية وإسلامية أعطت له الضوء الأخضر كي يمضي دون وجل أو حتى انتظار بيان إدانة وتنديد ، وإن كان لا يلقي لها بالاً في سالف الأزمان إلا أنه اليوم يجد نفسه أداةً تنفذ رغبات العرب والمسلمين الذين تكالبوا على الأرض المقدسة وأشعلوا فتيل حرب عربية عربية وفرضوا حصارهم وتحالفاتهم في ملحمة كانت دوافعها ودلالاتها واعتباراتها وتداعياتها فلسطينية بامتياز والبوصلة واضحة لا تكاد تخطئ الأهداف ولا مِن كيّس فطن تخفى عليه ملامحها.

والشاهد في سجلّ الأحداث المتزامنة والمتسارعة تلك التصريحات الصهيونية والأمريكية التي لا تدع مجالاً للشك بأن الأمر أكبر من مساحة القدس وأن الأمر وإن كان امتداداً لسنوات طويلة من العبث بالمقدسات الإسلامية وامتهان كرامة المسلمين عبر مسلسل اقتحامات المستوطنين المتكرر والاعتداءات المتواصلة إلا أنه يحدد معالم فارقة سيُبنى عليها الكثير من الأمور عاجلاً وآجلاً وسيكون لها ما لها في حال تم فرضها الأمر الذي يحتّم على الكل الفلسطيني أن يقف صفاً منيعاً في وجه هذه القرارات التي ما كانت بدايةً إلا جسّ نبض ومحاولةً لرصد ردات الفعل التي لا يضمن الاحتلال وقوفها عند حاجز المسيرات الشعبية أو الاعتصام أمام الأبواب وقد تصل إلى أبعد من ذلك بكثير.

ومع انتقال الأحداث خلال اليوم الأخير لتصل إلى مواجهات عند حاجز عطارة ومدخل بيت لحم الشمالي وبلدة تقوع وعدد آخر من مناطق التماس وبداية تململ طلبة الجامعات في الضفة حيث كانوا على الدوام “دينامو” العمل الوطني فإن الأمر يستدعي الوقوف قليلاً عند محاولات لرسم صورة الوضع الذي قد يغيّر الكثير في هذه المعركة التي لا يجب حصرها في باحات أو ساحات وأطراف المسجد الأقصى بل وتطويرها للوصول إلى الحالة السويّة الواجب أن تكون في مثل هكذا ظروف.

وإن أول ما يخطر بالبال في ظل زحمة ” الشمّاعات” التي يعلّق الكثيرون عليها فشلهم وضعفهم سؤال يتكرر كثيراً عن دور الفصائل الفلسطينية من الأحداث ، تلك الفصائل التي ما توشك أن تحاول النهوض من كبوتها حتى تباغتها ضربات الاحتلال الذي (يجزّ العشب) أولاً بأول في الضفة ثم إنه ليفرض من الحصار والتضييق على غزة ما يدفع إعلان المواجهة من هناك بعد سلسلة الحروب أمراً أشبه بالتهلكة ، وقد تجد أول المنادين لغزة بالتحرك هم أول المنتقدين لها والمتذمرين بزعم أنها تجلب لهم الدمار دون طائل ، ففرضية الفصائل لا بدّ وإسقاطها من العقلية المرحلية كما أسقطها ” الجبارين الثلاثة ” وكثيرون غيرهم طيلة الأعوام الماضية ، إذ أدركوا أن التنظيمات أضحت في واقع الأمر لا تقوى على تحقيق أدنى التطلعات فضلاً عن إصدار البيانات والتي بدورها لا تلاقي الكثير من الأذن الصاغية.

وأثبتت المرحلة التي أعقبت بدء انتفاضة القدس، أن العمل الفردي أنجع بكثير من أي عمل جماعي تكون نهايته المحتومة بالفشل كحال عشرات ومئات الخلايا التي لم تستكمل حتى بناء نفسها في واقع الضفة المعقّد والذي انتهى المطاف بها إلى السجن باكراً.

ثم بالانتقال إلى الدور المنوط بأهل الضفة الغربية وهو الأهم جغرافياً وخصوصاً تلك المناطق التي تجاور القدس عبر بواباتها التي اعتاد المصلون طيلة شهر رمضان عبورها لأداء الصلوات على مدار الشهر الفضيل وكانت تصل إلى أعداد كبيرة جداً ، فالدور لم ينته بعد ، ورمضان لا بد أن يظل حاضراً وقائماً بالروح التي أوقدت الأمل في صدور الفلسطينيين وجمعة يتيمة بعد جمعة إغلاق الأقصى ومنع الأذان فيه تعيد إلى الذاكرة أجواء رمضان وحضوره ، حيث يفتح الأقصى ذراعيه للناس جميعاً من كل حدب وصوب فالسعي للصلاة هناك في هذا الظرف الأصعب الذي يمر به المسجد الأسير رباط ورسالة تحدٍّ وصمود وفيه من الأجر ما قد يفوق الصلاة عبر كل وسائل الإذلال وتحت قيود المهانة، فلا أقلّ من صلاة على أعتاب القدس والمسجد الأقصى أو إلى أقرب نقطة يمكن الوصول إليها ، ولتغلق مساجد الضفة والقدس أبوابها ما دام الأقصى مغلقاً ، وليصلّ الناس في الطرقات وقرب الحواجز ولتكن الجمعة يوم القدس العالمي الحقيقي ، الذي ينتصر فيه الكل الفلسطيني موحداً على كل إجراءات الاحتلال ، جمعة ستكون يتيمة إذا آتت أكلها باكراً وسيحزم المحتل بواباته بعيداً عن الأقصى ولو بعد حين.

وثمة أمر آخر بدأ المقدسيون بفرضه منذ أيام تجلّت في الرباط على باب الأسباط فإن تكريس مبدأ الاعتصام المبني على البدء التدريجي بالعصيان المدني المكمّل لفكرة إرهاق العدو والضغط عليه من كل النواحي من شانها أن تضغط على الاحتلال ليعيد حساباته لإعادة الوضع على الأٌقل لما قبل حادثة الجمعة إن لم يكن بمقدور ذلك الحد والتخفيف من اقتحامات المستوطنين أيضاً ، فالاعتصام يُنذر بأن الأمر لا يمكن احتماله من قبل الاحتلال طالما بقي المعتصمون لأطول وقت ممكن ، وفي أكثر من محور وشارع ، ثم إن صلاة الجمعة على الحواجز والطرقات ومداخل القدس ستساهم بشكل كبير في رفع مستوى الإرباك لدى الاحتلال الذي ظن ولا زال يظنّ بأن الحراك الثوري الفلسطيني ما عاد يصحو من غفوته وكبوته.

سيكون الأقصى هو اليتيم حقاً إذا ما شهدت الجمعة أي حراك حقيقي، أو إذا بقيت القدس أسيرة ” الهاشتاغات ” و”اللايكات” ولتكن الجمعة يتيمة بأن تكون حاسمة وفاصلة ولا حاجة بعدها لنا بجمعة أخرى إذ سيتحقق الهدف لا محالة ولو بعد حين.

قتيبة قاسم

 

من نفس القسم دولي