دولي

غزة..سيناريو الفوضى الشاملة!!

القلم الفلسطيني

لفت نظري تصريح لقيادي فلسطيني عن سيناريو إحكام الضغط على قطاع غزة لإحداث قلائل شعبية تنهي آخر مظاهر التجربة الانتخابية البرلمانية الفلسطينية التي جرت قبل أكثر من عقد من الزمن.

تبدو تفاصيل السيناريو في ظاهرها مغرية وسهلة التنفيذ وممكنة الحدوث ومضمونة النتائج لو تم التعامل معها بالتفكير التفاؤلي، ولكن كل من يدرك تعقيدات الحالة السياسية الداخلية الفلسطينية، والتعقيد الديموغرافي، والمناطقي، وعقدة الجغرافيا، ومسائل الإرهاب، والتناقضات والمصالح الدولية يدرك أن هذا السيناريو غير قابل للتطبيق.

وهنا يبرز تدخل النظام السياسي المصري ودوره الذي بدا مفاجئا في انفتاحه المجزوء على قطاع غزة وعلى حركة "حماس" على وجه التحديد، وتزامن ذلك مع الحرب الشعواء على قطر لطرد من تبقى من قادة حركة "حماس" السابقين من قطر، وهو  ما أثار التساؤل  عن محاصرة قطر لطرد قيادات سابقة للحركة بينما يتم الانفتاح على القيادة الحالية في قطاع غزة التي فازت في الانتخابات التنظيمية قبل فترة قصيرة؟!!     

هذا السلوك -الذي يبدو مفاجئا - خاضع لعدة اعتبارات من القوى الدولية والإقليمية التي تضغط على قطاع غزة من جهة، وتسارع إلى تنفيس الضغط عنها من جهة ثانية.

فالفوضى الشاملة تعني ضياع العنوان، فمن يعرف تعقيدات الحالة الغزاوية يدرك أن سيناريو الفوضى الشاملة لن يؤدي إلى استلام وتسليم مفاتيح قطاع غزة وتنتهي الأمور، سيناريو الفوضى لن يجلب إلا الفوضى في منطقة طافحة بالسلاح والفقر والأزمات والانفجار السكاني والغضب العارم على كل العالم، ولذلك تدرك مراكز التفكير أن الأمر ليس لعبة مماحكات وأن أثمان إفلات خيوط اللعبة كبير جدا وقد لا يتحملونه، ومن يتابع السياسة الأمريكية يدرك بوضوح أنها تتقن إدارة الصراعات، وتحرص على أن لا تفلت خيوط اللعبة من يديها.  

تقع الدولة العبرية في قلب التفكير الاستراتيجي فيما يخص السياسات الدولية ضد قطاع غزة وضد حركة "حماس" فقد فرض الحصار وشنت الحروب ومورست كافة أشكال الملاحقة والضغوطات والاغتيالات لإجبار الحركة على الاعتراف بشروط الرباعية، ولكن الحركة صمدت ورفضت تلك المطالب، ومن أهم عوامل صمود الحركة هو الخزان البشري الهائل من اللاجئين المؤمنين بالعودة إلى أراضيهم التي تم طردهم منها عام 1948م، ولكن يوجد خوف دولي وإقليمي كبير من كميات السلاح الضخمة في قطاع غزة، ولقد عرضت دولة الاحتلال على الحركة نزع سلاحها مقابل امتيازات اقتصادية ولكنها رفضت، لأنها تعدّ أنها حركة تحرر وطني وليست عصابة من قطاع الطرق أو مجموعة متمردة على دولة شرعية.

ولعل دولة الاحتلال وداعميها الدوليين والإقليميين انزعجوا من بضعة قذائف سقطت بالخطأ في هضبة الجولان بفعل اقتتال الأخوة في سوريا، مما دفع تلك القوى إلى فرض (هدنة) بينهم حتى لا يتم إزعاج سكون المستوطنين الذين احتلوا أرضهم  في الجولان السوري المحتل!   

فكيف سيكون الحال في قطاع غزة إن نجح سيناريو القلاقل والفوضى؟ ومن الذي سيضمن توقف تساقط الصواريخ والقذائف من إيلات جنوبا وحتى الجليل شمالا؟ هذا سيجر جيش الاحتلال إلى العودة إلى غزة لمواجهة جماهير مدربة ومسلحة، وأطفال بأيديهم مئات الآلاف من القنابل اليدوية التي تحدث عنها الناطق بلسان القسام قبل ثلاث سنوات؟! 

تعدّ مسألة الجنود الأسرى لدى حركة "حماس" أكثر المسائل إلحاحا في المرحلة الحالية، وتتوالى التسريبات الإعلامية عن مفاوضات تجري في القاهرة حول الموضوع، ولقاء الموفد الأمريكي بعائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى مؤشر واضح على أن موضوعهم يقع في جوهر الاهتمام الدولي والإقليمي، ولا أعتقد أن تلك القوى تريد تعكير المفاوضات بسيناريو الفوضى الشاملة،  فالكابوس الأكثر خطورة الذي يرعب دولة الاحتلال من سيناريو الفوضى الشاملة هو اختفاء الجنود الأسرى إلى الأبد، ففقدان القيادة والسيطرة في القطاع سيتسبب بذلك، وربما يلاقي هؤلاء الأسرى مصير الطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد. 

يعدّ سيناريو الفوضى أقرب من سيناريو الاستقرار في حالة القطاع إن أفلتت الأمور، فشئنا أم أبينا فإن حالة القطاع تتنازعها عدة قوى رئيسية كبرى -يؤثر في بعضها التفكير المناطقي الذي عززته الإجراءات ضد القطاع- ولا يمكن أن تضبطها السلطة الفلسطينية، فلو فرضنا -جدلا- أن مظاهرات خرجت -أو بدون مظاهرات - وأن قيادة حركة "حماس" قالت: (قررنا التنازل عن فوزنا الانتخابي والتكليف الشعبي..تعالوا واستلموا السلطة في القطاع بدون انتخابات).

فمن هو الذي سيمنع أربعين ألف موظف الذين سيتم تسريحهم من حمل السلاح في وجه من سرحهم من العمل؟ ومن هو الذي سيمنع عائلاتهم من الخروج إلى الشارع بمئات الآلاف للاعتصام في الدوائر الحكومية؛ وربما تدميرها؟ ومن هو الذي سيتمكن من نزع سلاح عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيمات الفلسطينية المدربين والمدججين بالسلاح؟ ...سيناريو الفوضى هو أقرب طريق للحرب الأهلية التي سيذهب ضحيتها آلاف الفلسطينيين.

تعدّ عقدة الجغرافيا من العوامل المهمة التي ترعب صناع القرار الدوليين من هذا السيناريو، فقطاع غزة يتصل بمثلث العالم (سيناء) وعقدة مواصلاته (قناة السويس) وآبار غازه في البحر المتوسط، فمن سيضمن أمن آبار الغاز من الصواريخ المنفلتة والضفادع البشرية الغاضبة الباحثة عن الانتقام؟ ومن الذي سيضبط عشرات الآلاف الغاضبين واليائسين والمدربين على حرب العصابات والمدججين بكل أنواع الأسلحة ويمنعهم من اجتياح سيناء والانضمام الى تنظيم داعش والوصول إلى قناة السويس وإلى طابا وشرم الشيخ والإطلال على تيران وصنافر والبحر الأحمر جنوبا؟ ولعل حرص تنظيم داعش على تفجير الأنفاق التجارية مع القطاع ومنعه وتهديده لأهالي سيناء من مساعدة أهل قطاع غزة، وقيامه بهجومه الأخير على الجنود المصريين لوقف نقل السولار إلى محطة الكهرباء، يأتي في سياق تسريع هذا السيناريو، وبدلا من أن يتلقى التنظيم من القطاع بعض المتطوعين المتعاطفين بالقطارة؛ يحصل على جيش كامل بسلاحه!!.  

هذا السيناريو سيغلق قناة السويس وسيدمر مشروع نتنياهو لإنشاء مشروع موازي لها من إيلات حتى حيفا، وسيعقد كل الحسابات التي دفعت إلى نقل جزيرتي تيران وصنافر إلى السيادة السعودية، وسيدفع هذا السيناريو كل دول العالم الى إرسال قواتها إلى شبه جزيرة سيناء لقتال عشرات الآلاف من المقاتلين الناقمين على كل العالم في معركة يائسة، وسيقلب طاولة الحسابات السياسية والاقتصادية والأمنية في العالم.

سيناريو الفوضى سيناريو مغامر وسيضر أعداء حركة "حماس" كلهم، فالذي ستخسره حركة "حماس" في النهاية لن يكون شيئا بالمقارنة مع ما سيخسره كل الذين يحاصرونها ويحاربونها، الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وإعادتها له، ووقف الاعتداءات على المسجد الأقصى، وتحرير الأسرى الفلسطينيين، ورفع الحصار، والاعتراف ب وترسيخ التجربة الانتخابية الفلسطينية وقيم الشراكة والعدالة هو الذي سيجلب الاستقرار للعالم وليس للشعب الفلسطيني فقط.

صلاح حميدة
 

من نفس القسم دولي