دولي
العبابيد...تحييد غزة وتسخين الشمال
القلم الفلسطيني
- بقلم جريدة الرائد
- نشر في 03 جولية 2017
العبابيد هو مسلسل سوري يجمع بين التاريخ المتعلق بمملكة تدمر بقيادة زنوبيا، والخيال حول محيط المملكة وتشابكات العلاقات المختلفة، ومعنى كلمة العبابيد هو الذاهبون في طرق شتى في شؤون حياتهم أي المتفرقون حتى ولو كان هناك كثير مما يفترض أن يوحدهم ويجمعهم...وما دمنا نتحدث عن سورية من الجانب الدرامي، فإن الحديث يقودنا إلى حقل السياسة، وأحد أقوى أدواتها أي الحرب والمواجهة العسكرية سواء أكانت واسعة وشاملة، أم محدودة، مباشرة أو عبر وكلاء...وهنا نرى صورة العبابيد واقعا لا تاريخا، مثلما رأيناها مرارا وتكرارا في العصر الحديث.
فالتصعيد الأخير على جبهة الجولان، بالتوازي والتزامن مع حديث زعيم المعارضة في الكيان العبري (يتسحاق هرتسوغ ) عن خطر انزلاق كيانه نحو صراع إقليمي، وتسارع الحديث عن تفاهمات بخصوص غزة، ربما يشي بأن المطلوب هو إبقاء حالة العبابـيد سائدة في الصراع مع المشروع الصهيوني، بحيث لا يخوض الصهاينة مواجهة محدودة أو واسعة ومفتوحة على أكثر من جبهة؛ حيث أن من هو في هدنة كان بالأمس في حرب، ومن هو في حرب كان في هدنة وهكذا، ولأنه قد تبين ولو لمرة واحدة في 1973 أن (تساهال) لا يحقق النصر، ولا يتقدم إذا حارب على أكثر من جبهة، وصارت إسرائيل تعتمد على تحييد الجبهات ضدها والاستفراد أو لنقل التفرغ لجبهة واحدة دون خطر من جبهات أخرى...العبابيد هي المعادلة وكلمة السر!
فمن الصعب أن نقتنع أن الصدفة وحدها سارعت في عودة الدفء بين حماس ومصر، في الوقت الذي يهاجم فيه أصدقاء القاهرة وداعموها من روم ومن عرب حركة حماس سرّا وعلانية، هذا في الوقت الذي تقصف فيه القوات الإسرائيلية مواقع تابعة للجيش السوري النظامي، وتهديد شديد اللهجة من نتنياهو وغيره من قادة الكيان العبري.
فإذا كانت غزة قد خاضت الحروب السابقة في ظل معادلة الحياد العربي، فإن المعادلة اليوم تنقلب في اتجاه معاكس، أو هكذا تبدو الصورة حتى اللحظة.
وأدرك صعوبة وتعقيد المعادلة وتداخلاتها وتفاعلات عناصرها ومركباتها سياسيا وميدانيا؛ فعلى الصعيد الداخلي السوري، فإنني سأستحضر من جديد الدراما السورية، التي اعتادت أن تقول صراحة أو ضمنا بأن ظلم الممسكين بمفاصل السلطنة العثمانية من جمعية الاتحاد والترقي الواقع على العرب الخاضعين لحكمها، يعطي العرب مبررا لعدم الاكتراث لما يجري للسلطنة على يد الحلفاء خاصة الإنجليز، بل ربما يعطي العرب مبررا وسببا مقنعا للتحالف أو التعاون مع الإنجليز، والنظام السوري اليوم ربما واقع في موقف مشابه، وعمليا فإن المعارضة السورية لن تقف مع النظام في حرب محتملة مع إسرائيل، هذا إذا لم تفسر الحرب بأنها محاولة لإعادة إنتاج النظام السوري، وإضفاء شرعية جديدة عليه، وتحسين صورته بإظهاره بمظهر الوطنية والقومية...نعم هذا ما ستقوله المعارضة أو جزء منها.
بالنسبة لغزة فإن هذه البقعة الجغرافية الصغيرة بمساحتها، المكتظة بسكانها، تشغل أركان كثير من المعادلات السياسية والميدانية والأمنية وبالتأكيد الاقتصادية في المنطقة والإقليم وصولا إلى تأثيرها –بلا مبالغة- على العالم بأسره، وحين نحاول قراءة المعادلة في وعن وحول غزة، واضعين في الحسبان هدف التحييد ينبغي أن نراعي ونضع الأمور والملاحظات والحقائق التالية نصب أعيننا:-
1) من السذاجة الظن بأن النظام المصري بقيادة السيسي صار هو وحركة حماس أخلاء ونُزع ما في صدورهما من غلّ وباتوا إخوانا على الخريطة متحدين متوافقين؛ فالسيسي وحماس نقيضين، ليس فقط لأن حماس تنتسب إلى المدرسة الإخوانية، وهي تفاخر بذلك، ولم تغادر ولا يمكن أن تغادر هذه المدرسة فكريا ووجدانيا، والإخوان أعداء السيسي حتى النخاع، ولكن إضافة إلى هذا السبب، فإن حماس بنهجها السياسي والعسكري، تشكل صداعا وتحديا موضوعيا للحالة التي نشأت بعد كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وبالتالي فإن التقاء الطرفين يندرج في أمر يحتاج كظم الغيظ منهما، والعض على الجرح العميق، والسير في حقل الألغام ولا يمكن أن يفسر بعيدا عن فكرة التحييد بأدوات الضغط الناعمة الصلبة.
2) فكرة ليبرمان بأن تسلم حماس ما بحوزتها من سلاح، خاصة الصواريخ، وأن تتوقف عن حفر الأنفاق وأن تسلم خريطة ما حفرت وتحفر من أنفاق هجومية وغيرها، وأن تسلم الجنود الأسرى-أحياء أو أمواتا- مقابل تحسين ظروف المعيشة في غزة وتخفيف الحصار أو حتى رفعه تماما، ولو تضمن الثمن ميناء ومطارا في غزة، هي فكرة خيالية لا نصيب لها من الواقع، فلم يعد لمثل هكذا صفقات حظ في التطبيق في عالمنا منذ عشرات السنين، كما أن هذا الفكرة تتعامل وكأن حماس مهزومة عسكري، والحقيقة ليست كذلك، وبالتالي فإن السياسة الواقعية تقول بضرورة تحييد حماس ميدانيا وعسكريا، لأن هذا ممكن لفترة كافية من الوقت، ويمكن تمرير صفقة أو صفقات بشأنه وبسلاسة نسبيا، بينما تظل فكرة تسليم السلاح مقابل رفع أو تخفيف الحصار غاية في السوريالية.
ما سبق يوحي بأنني شخصيا أوافق على فكرة العبابيد وأشجع وأسعى لترسيخها، والحقيقة أنني أقول ذلك تحت ضغط الشعور بحالة الناس في غزة، متخيلا نفسي في ظرفهم حين تقطع الكهرباء لسبب ما ساعة أو سويعات قليلة...ولكن عند التفكير من أفق أوسع، أرى أنه ربما هي فرصة نادرة لتحقيق نصر أو لنقل إنجاز عسكري له تبعات سياسية إيجابية، في حال فتحت أكثر من جبهة على الكيان العبري، ولو كنت ناصحا وثمة من يستمع لنصحي، لقلت لمن في الشمال وفي الجنوب:لا تكونوا عبابيد، واعلموا أن غنائم فتح جبهتين لهو أكبر وأهم وأعظم من صفقة تحييد جبهة الجنوب أو الشمال طبعا.
سري سمور