دولي

حماس بين مساري عباس ودحلان إلى المجهول

القلم الفلسطيني

 

 

منذ عدة أسابيع تفاقمت أزمة قطاع غزة بشكلِ غير مسبوق وبشكل مفاجئ عندما أعلن رئيس السلطة محمود عباس سلسلة إجراءات ضد قطاع غزة بهدف إجبار حركة حماس المسيطرة على القطاع على تسليمه لسلطته.

وشملت هذه الإجراءات وقف رواتب الموظفين الفتحاويين في قطاع غزة ممن كانوا يتقاضون رواتبهم وهم جالسون في بيوتهم بناءً على أوامر محمود عباس لهم بالاستنكاف عن العمل حتى تفشل حماس ويصعب عليها القيام بمهمة السلطة في القطاع بعد الحسم العسكري.

كما شملت الإجراءات كذلك تقليص كمية الوقود الذي تورده "إسرائيل" لقطاع غزة لتشغيل محطة الكهرباء، مما أوصل ساعات الكهرباء في غزة إلى أربع ساعات بدلاً من ثمانٍ.

رافق إجراءات محمود عباس التي سبقت سفره إلى الولايات المتحدة ولقاءه الأول مع الرئيس ترمب أن قامت مصر بتشديد الحصار على قطاع غزة من خلال إغلاق نهائي وتام لمعبر رفح بعد أن شهد تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة، وبدا الأمر أن هناك مخططاً إقليمياً واضحاً ضد قطاع غزة وحركة حماس.

الغريب في ذلك أنه كان قد سبق هذه الإجراءات المتفق عليها مصرياً وفلسطينياً قطيعة بين حركة فتح والسلطات المصرية كانت ذروتها بمنع أعضاء اللجنة المركزية الفتحاوية من دخول القاهرة على خلفية ما أشيع عن ضغوط مصرية إماراتية عربية على رئيس السلطة لاستخلاف دحلان رفضها وقاومها عباس بقوة، ولكن قبيل زيارة عباس للولايات المتحدة وبالتزامن مع رزمة العقوبات ضد حركة حماس زار عباس مصر والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما أثار التساؤل المشروع والمهم عن سبب الاتفاق، وهل تنازل السيسي عن ولاية العهد لدحلان أم أن هناك أمرا ما يتم تدبيره؟!

بعض التسريبات والتحليلات تحدثت عن نية لدى الرئيس الفلسطيني ومحور مصر الإقليمي لخنق قطاع غزة وإثارة الفوضى فيها، مما يعني لجوء حماس للقمع، مما يشكل أزمة إنسانية في قطاع غزة وشيطنة لحركة حماس تقوم بها وسائل الإعلام العربية التابعة للحلف بحيث تظهر قطاع غزة كمنطقة مختطفة تسيطر عليها جماعة (إرهابية) تقوم بقتل الناس، ويقوم الرئيس الفلسطيني على إثرها بإعلان حركة حماس حركة إرهابية وقطاع غزة إقليماً متمرداً، ويطلب من جامعة الدول العربية الانعقاد والتقرير بشأن التدخل لإنقاذ الفلسطينيين في قطاع غزة، وستكون مصر التي تحتضن مقر الجامعة العربية جاهزة للتنفيذ بمساعدة السعودية والإمارات والأردن المشاركين جميعاً في المؤامرة.

ما يبدو غريباً هو قبول الرئيس الفلسطيني بمثل هذا المشروع، وليس فقط عودة مصر للتفاهم معه فيما بدا وكأنه على حساب دحلان، إذ إن محور مصر والإمارات والسعودية لم يتنازل عن خيار دحلان فالرئيس الفلسطيني وعلى مدار السنوات الماضية لم تكن أولويته استرجاع قطاع غزة وإنما التوصل إلى تسوية مع الاحتلال، وقد ترك غزة إلى مرحلة ما بعد الاتفاق على أساس أنها تحصيل حاصل. ولكن ما حصل هذه المرة كان مفاجئاً حيث قلب الرئيس الفلسطيني أولوياته وأصبح الهدف الأول له هو قطاع غزة، وليس من الغريب أن يكون هذا هو ثمن عودة العلاقة مع مصر التي لها أولويات أخرى غير أولوياته.

أولوية مصر هي تسوية إقليمية في إطار ما يسمى "صفقة القرن" التي بدت ملامحها واضحة من عدة تسريبات وتصريحات، والتي تتحدث عن حكم ذاتي في التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية ودولة فلسطينية في قطاع غزة الموسّع على حساب سيناء، وهو الذي يتم التمهيد له منذ تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر من ترحيل للمصريين من المناطق المحاذية لقطاع غزة في سيناء، وما أعلن على لسان مسؤولين إسرائيليين من مخطط توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، والذي اقترحه الرئيس السيسي على الرئيس عباس مسبقاً حيث رفضه الأخير.

كيف إذًا نستطيع التوفيق بين أولويات السيسي من جهة وأولويات عباس من جهة أخرى وبين رغبة السيسي باستخلاف دحلان ورفض الرئيس عباس من جهة، وبين اندماجهم في خطة واحدة من جهة أخرى؟! لقد أدرك السيسي أن خيار دحلان مرفوض فتم التنازل عنه شكلياً ومرحلياً، وذلك لأنه لا يستطيع التقدم بأي عملية سياسية فلسطينية دون الرئيس الفلسطيني الذي يحظى بشرعية رئاسة السلطة الفلسطينية وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يستطيع أن يجند دعماً إقليمياً ولا دولياً لتحركٍ تجاه قطاع غزة يعيد فيه دحلان إليه وينفذ مشروع دولة سيناء دون شرعية الرئيس الفلسطيني، وعليه قرر تأجيل موضوع دحلان الآن.

أما الرئيس الفلسطيني فيبدو أنه اضطر للاطمئنان بأن حماس لا تبحث عن بديلٍ للحوار معه، حيث أكدت له مراراً أنها لن تتحاور مع دحلان على حسابه، ووجد نفسه بدون خيارات أمام الضغوط المصرية لتغيير أولوياته بشأن قطاع غزة، وأن تحرير قطاع غزة سيساهم في دفع عملية السلام، وسيقوي موقفه في المفاوضات في ظل إغراءات الدعم من السيسي ومحور (الاعتدال) العربي، فابتلع الطعم وسار في خطة تحرير قطاع غزة قبل أي مفاوضات وأي تسوية.

…. يتبع

 

صلاح الدين العواودة

من نفس القسم دولي