دولي

التغذية القسرية للأسرى في ميزان القانون الدولي

القلم الفلسطيني

 

 

تستمر "إسرائيل" على مدى سنوات طويلة بالضغط على الأسرى الفلسطينيين واتباع أساليب مواجهة تخالف المعاهدات والمواثيق الدولية، متحدية بذلك القانون والأعراف الدولية وجميع المبادئ الإنسانية والأخلاقية، ويعدّ قانون التغذية القسرية للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام واحدا من أبشع ما تفتقت عنه العقلية العدوانية للمحتل ضد الأسرى الذين يطالبون بأبسط حقوقهم الإنسانية، حتى المشرع الإسرائيلي الذي كان يتحتم عليه أن تتسم قراراته بالعدل والمساواة واحترام القوانين والأعراف الدولية شارك في إقرار هذا القانون متجاهلا واجبه الأخلاقي والمهني، وأضاف واحدة من الجرائم الجديدة التي تضاف إلى رصيد المحتل ضد من يناضل من أجل العيش بكرامة وإنسانية.

إن التغذية القسرية سلوك مهين يمارس ضد رغبة الأسير بالامتناع عن الطعام كوسيلة سلمية للاحتجاج على الظروف غير الإنسانية التي يعانيها يوميا في السجون الإسرائيلية، حيث تتم عملية إطعام الأسير ضمن آلية إجبارية عنيفة تتمثل في ربطه بكرسي وتثبيت رأسه لتقييد حركته، ثم إدخال أنبوب بلاستيكي عن طريق الأنف حتى يصل المعدة ومن ثم صب سائل لزج إلى المعدة، وقد تتم هذه العملية في المستشفى أو السجن، وهنا لا بد من التنويه إلى مخالفة أخلاقيات مهنة الطب أيضا في حال تمت التغذية من أطباء، وهو ما يشكل أيضا مخالفة لميثاق اتحاد الأطباء العالمي.

إن "إسرائيل" تسعى بهذا القانون غير الإنساني إلى توفير غطاء قانوني واهم "لجريمة تعذيب" تحت ذريعة الحفاظ على حياة الأسرى، فمثل هذا العمل يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة قد تودي بحياة الأسير، وفي ذلك سابقة واقعية عندما استشهد ثلاثة من الأسرى في عام 1980 في سجن نفحة نتيجة القيام بتغذيتهم قسرا.

إن القانون الدولي يكفل للأسير حريته في التحكم بجسده، ويجيز له الإضراب عن الطعام، ويمنع إهانته وتعريض حياته للخطر، وما يحدث هنا هو تجاهل ومخالفة خطيرة لهذا القانون، فنجد أن ميثاق روما في المادة الثامنة يعدّ التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، وتعمد إلحاق أذى خطير ومعاناة كبيرة بالجسم أو الصحة جريمة حرب، وكذلك إعلان طوكيو لعام 1975 لم يجز عملية التغذية القسرية للأسرى المضربين، فقد ورد في البند السادس من الإعلان أنه: إذا ما اختار السجين طريق الإضراب عن الطعام وظل على امتناعه بعد شرح الطبيب النتائج المحتملة المترتبة على قرار الإضراب وأن القرار ناجم عن قرار واع وإرادة سليمة، فإنه يحظر على الطبيب تغذيته بالقوة.

كما أكد إعلان مالطا الصادر عن الجمعية الطبية العالمية في نوفمبر 1991 بشأن الإضراب عن الطعام، على "ضرورة أن يكون التدخل الطبي لصالح المضرب وبموافقته الصريحة أو الضمنية، ودون تدخل طرف ثالث في الأمر، وأن التغذية القسرية عمل غير مقبول أخلاقيا، وهو نوع من الانحطاط الطبي حتى لو قُصد به إنقاذ حياة المضرب، وأن من الأخلاق السماح للمعتقل بالإضراب حتى الموت لو كانت هذه إرادته، بدلا من إجباره رغما عنه لتدخلات علاجية لا يقبل بها."

إن العمل بهذا القانون قرار رسمي من حكومة "إسرائيل" بارتكاب جرائم تعذيب ومعاملة لا إنسانية بحق الأسرى الفلسطينيين، الذين لا يملكون سوى هذه الطريقة للاحتجاج على ظروف اعتقالهم المجحفة، كما انه مخالفة صريحة وفادحة للأعراف والمواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، تستوجب وضع مرتكبيها أمام ميزان العدالة.

 

إيناس الين السكني

من نفس القسم دولي