دولي

خلف باب الرئيس فقراء

القلم الفلسطيني

 

أين الرئيسُ؟ ذلك السؤالُ الذي يطرحُ نفسَه كلَّ يومٍ مليون مرة في ضواحي غزة وشوارعها. غادرَنا الرئيسُ وأغلقَ البابَ من خلفِه، خلفَ البابِ سائقُ أجرةٍ يعمل ُطوالَ اليومِ ليجني ثمرةَ تعبِ يومِه ما مقدارُه 15 دولاراً، في أفضلِ الأحوال. ليس هذا السائقُ وحده من تركَه الرئيسُ خلفَ البابِ، بل ترك عشراتِ الآلافِ من الخريجين المنتظرين دورَهم في بناءِ الوطن، ونظيرُهم من العمالِ الكادحين المتلهفين لإطعامِ أبنائِهم من عرقِ جبينهم. خزانَ الوطنيةِ (غزة) أصابَها عطبٌ صغيرٌ، وبدأت الرجولةُ تتسربُ من ذلك الخزانِ، وتسيرُ في الشوارعِ تشكو الفقرَ وقلةَ الحال، ليس هكذا يكونُ حالُ "المناضلين والمقاتلين والمجاهدين والمفكرين والصابرين والصامدين والمرابطين وحراسَ الوطنِ وخطَّ الدفاعِ الأولِ عن مشروعِ الأمةِ العربية والعروبة، وأولى جبهاتِ القتالِ من أجل تحريرِ القدسِ والمسجدِ الأقصى من دنسِ الاحتلال"، أعلمُ أنّ ما سبق كان واقعاً نفتخرُ به في قطاعِ غزة، ولكنْ اليوم تغيّرت المعادلاتِ في نفوسِ المواطنين، وأصبح البحثُ عن رغيفِ الخبزِ أسمى أمانينا وانتظامُ التيارِ الكهربائي حلماً طال انتظارُه، وأن تُفتحَ المعابرُ لدخولِ الأدويةِ والمعداتِ الطبية، أهم لنا بكثيرٍ من انضمامِ فلسطين لمعاهداتٍ دوليةٍ وغيرها. صدقا، أيُّها الرئيسُ، خلفَ بابِك فقرٌ مُتعدّدُ الأنواعِ، هناك مرضى فقراء لا يجدون ثمناً لعلاج ِأبنائِهم، ولا يجدون تصريحاً يَسمحُ لهم بالدخولِ إلى المستشفياتِ الفلسطينيةِ في الضفةِ الغربية، وهناك فقراء لا يملكون المالَ، من أجل الحصول ِعلى التعليمِ، ويضطرُ أبناؤُهم للجوء إلى العملِ في أعمالٍ شاقةٍ ومتعبةٍ، على الرغم من حصولِهم على درجاتٍ عاليةٍ تمكنُهم من دخولِ الجامعةِ، وفي تخصّصاتٍ تلبي احتياجاتِ المجتمعِ خلال السنواتِ المقبلة. منذ 11 عاماً غابت شمسُ الرئيسِ عن غزة، وبقي الفقراءُ ينتظرون، في كلِّ صباحٍ، إشراقةً من جديدٍ، لأن إيمانَهم العميق بالطبيعةِ والمناخ، وبأنَّ بعد الليلِ نهاراً وبعد الشتاءِ صيفاً، فلا طلعَ نهارُ الرئيسِ من جديدٍ، ولا أزهرَ الربيعُ رئيساً بعد غيومِ الشتاء. نسينا شكلَ الرئيسِ، ولم يعُدْ مألوفا لدينا، فلو تجوّلَ وحدَه في غزةَ مرتدياً ملابسَ رياضيةً وحذاء سبورت، وتمشّى على كورنيش غزة، لما عرفَه أحدٌ من المواطنين، لأنّنا انشغلنا بما هو أكبرُ من النظرِ إلى تفاصيلِ وجوهِ المواطنين إلى النظرِ في مستقبلِ أبنائِنا الذي هو غامضٌ كما هو حاضرُنا نحن.

في غزةَ فقط، ومنذ 2006، بعد أن غادرْتَنا يا سيادةَ الرئيسِ، وُلدَ قرابةَ 600 ألفِ فلسطيني جميعهم يحلمون بـ 24 ساعةً من وصلِ التيارِ الكهربائي، ينتظرون أن تتحقّقَ أحلامُهم الصغيرةُ في توفيرِ المأكلِ والمشربِ والأمنِ والاستقرارِ، قبل أن تحقّقَ لهم الأحلامَ الكبرى. نحتاج في غزة حقاً إلى رئيسٍ للفقراءِ فقط، أولوياتُه توفيرَ حياةٍ كريمةٍ للمواطنين، توفير متطلباتهم الرئيسية، لتساعدُهم على بناءِ المجتمع، نحتاجُ إلى رئيسٍ يوقفُ سيلَ الضرائبِ والمخالفاتِ المرورية، نحتاجُ إلى رئيسٍ يطعمُنا ولا نطعمُه يصرفُ علينا، ولا نصرفُ عليه، يوفرُ لنا الآمن ولا نحسدُه على أموالِه، نحتاجُ إلى من يقبلُ أيدي أبناء الشهداء والأسرى، لا أن يُقبلَ أيدي الآخرين. لا نحتاج رئيسٍاً عبقرياً ومحنكاً سياسيا منقطعِ الأوصاف، نحن نحتاجُ إلى رئيسٍ اجتماعي عاش بين أزقةِ المخيم، عاش تفاصيلَ حياتِه الأولى فقيراً، يعرفُ بيوتَ الفقراءِ وأسماءَهم وصفاتَهم. بالتأكيدِ، لن نجدَ تلك الصفاتِ إلا في الخليفةِ عمر بن الخطاب، أو في الصحابي أبو ذر الغفاري. ولكن، لو بحثنا جيداً سنجدُ أن الفلسطينياتِ لم يعجزْنَ عن ولادةِ رئيسٍ جديدٍ يُفكرُ بحجمِ الوطنِ ومواطنيه.

 

 

أشرف أبو خصيوان 

 

من نفس القسم دولي